الفقيهة والعالمة ” سعيدة أملاح ” في حوار حصري لألوان
والدي العلامة أحمد أملاح كان المحفز والمدعم لعشقي للغة العربية وعلوم الدين
يسعدنا أن نستضيف الفقيهة والعالمة الأستاذة ” سعيدة أملاح ” ، التي تقلبت بين دروب ومحطات التربية والتكوين باحثة وأستاذة ومكونة داخل فضاءات مراكش وخارجها ، وسبق لها أن مثلث المغرب في العديد من الدول العربية و الإسلامية، وتوجت مسيرتها العلمية بالحصول على الدكتوراة المهنية من جامعة ميريلاند الأمريكية بجمهورية مصر العربية ، وهي في نفس الوقت عضوة نشيطة بالمجلس العلمي لإقليم مراكش ، ولإقليم الحوز وتشتغل إلى الآن منسقة لخلية المرأة وقضايا الأسرة وتجدر الإشارة إلى أن إنتاجها الفكري والعلمي يبقى غزيرا
فضيلة الأستاذة “سعيدة أملاح” :، تعتبرين سليلة أسرة عالمة بمراكش، اشتغلت سابقا أستاذة مكونة بالمركز التربوي الجهوي، وأستاذة بالمدرسة العليا للأساتذة. وعضو المجلس العلمي بالحوز، وعضو المجلس العلمي بمراكش، ورئيسة خلية المرأة وقضايا الأسرة لجهة مراكش – أسفي. توجت مسيرتك العلمية بالحصول على درجة دكتوراة بامتياز، في مجال الإرشاد التربوي من اكاديمية بناة المستقبل الدولية، من جامعة الأمريكية ماريلاند ، بالجمهورية العربية المصرية. فهلا حدثت- سيدتي – قراء ومتتبعي “جريدة ألوان“ عن المسار العلمي والمعرفي والتكويني، والمحطات التي أسهمت في بلورة سعيدة أملاح على ما هي عليه الآن من عطاءات وفيرة ومتنوعة تجمع ما بين الفقهي واللغوي والاجتماعي والحقوقي…. وغير ذلك؟
لقد كان جلوسي بين يدي والدي العلامة ” سيدي أحمد أملاح ” – رحمه الله – بداية طيبة وأنا أتلقى مباديء القراءة والكتابة وأستظهر القرآن الكريم بتحفيز منه بعد صلاة الصبح ، حيث عودني أن ألازم الاستيقاظ قبل صلاة الصبح بقليل بمعية المرحومة والدتي ، فكانت البداية من قصار السور حتى أتم الله فضله بختم القرآن . وبعدها بدأت احفظ المتون اللغوية والفقهية وتزامن هذا مع تلمذتي في مدرسة الفضيلة التي أعتبرها معلمة تربوية وتعليمية عظيمة ، وبعدها في مدرسة دار الرغاي ودار المنبهي حيث بدأت أفقه معالم الطريق العلمي ومجالسة العلماء الكبار والأستاذة النجباء – وهم كثر – ، وفي ثانوية دار البارود ابن يوسف تمتعنا بالغوص في العلوم المختلفة من منطق وفلسفة وأصول وفقه ولغة وغيرها ، وهذا التنوع أسهم بشكل كبير في إثراء أفكارنا وأذكى تطلعاتنا نحو نهم علمي وفضول معرفي غير متناه . وخلال هذه المسيرة كان والدي من ورائي محفزا وداعما وخيطي الناظم ومرجع جلساتي اليومية بين يديه ، فعشقت اللغة وصاحبت أمهات الكتب ، واستمتعت بكتابات الأسلاف، ووجدت بين صفحاتها أسرار الجلالة وينابيع الجمال ، ثم جاءت المرحلة الاكمل فوق كل كمال لما جلست ثانية منبهرة بين يدي فطاحلة الأساتذة العلماء في كلية الحقوق بالرباط، أمثال المرحومين علال الفاسي والمكي الناصري ، وكنت أنتقل كل أسبوع بين مراكش والرباط يغمرني عبق العلم الأصيل والثقافة الحقوقية وفي كلية الدراسات العربية بمراكش كنت أتسلح بالعلوم الحقة من الكتاب والسنة وحضارة الشعوب وآدابها ، بين الهامات العظام – أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر – السيد الرحالي الفاروقي وسيدي أحمد أملاح . وبعد حصولي على الإجازة العليا والأهلية التربوية من المدرسة العليا بالرباط ، اشتغلت أستاذة في ثانوية للاعودة السعدية ، وبعدها أستاذة مكونة بالمركز التربوي الجهوي بمراكش ، وهو الأمر الذي قربني من التراث الأدبي القديم والحديث، فاشتغلت على تحليل النصوص من المعلقات ومن تباشير صدر الإسلام ، ومن الإنتاج الأدبي المعاصر لكل من درويش ودحبور والسياب ومرسيل خليفة
ثم انتقلت إلى إعادة الصياغة عبر مفاتيح الذهب وهي علوم الصوت والصرف والنحو والبلاغة ، وبذلك تشربت نعيم التحليل اللغوي عبر اليات مختلفة بل ومتباينة تجمع ما بين اصطلاحات النحاة وعلماء العربية وعلوم اللسانيات
وانت تتنقلين بين محطات النهل المعرفي والثقافي، و تتشربين من احواض عدة، بدء بمدرسة الفضيلة ومرورا بجامعة بن يوسف ووصولا إلى مرحلة التتويج بالدكتوراة، متأثرة في كل ذلك بالعديد من الأماجد الذين انتقلوا الى عفو الله ورحمته (الفقيه أملاح، الرحالي الفاروقي، علال الفاسي، المكي الناصري، أمجد الطرابلسي، التهامي الراجي ….) وغيرهم كثير. فماذا عن ذكرياتك معهم ، والعلامات الفارقة التحصيلية والعلمية والمهنية المستمدة منهم ؟
وانا أٌدرس في مركز التكوين بمراكش ، انتسبت إلى كلية الاداب شعبة الادب القديم بجامعة محمد الخامس بالرباط ، فنهلت من علم ومعرفة سيد المصطلحات الدكتور أمجد الطرابلسي ، في قراءة وازنة لكتاب طبقات فحول الشعراء ، واستمتعت بتحليل الدكتور التهامي الراجي للاقصوصة في النص القرآني ، فكانت هذه المحطة منعطفا في رحلتي العلمية والمعرفية ، وهكذا سرت في مركب العلم طالبة له في جهات شتى منها جمعية ديوان الأدب ، حيث تلاقحت الأفكار مع مختلف الشرائح المجتمعية المثقفة والمنشغلة بالعمل الجمعوي المتعدد المشارب والتخصصات ، فتشبعت بالمثاقفة وبحب الدفاع عن حقوق المراة وقضايا الطفولة ، وحماية الأسر، ووقفت وقفة متانية وصادمة ، تلك الصدمة التي تعيد الحياة في جمعية التربية على حقوق الإنسان ، رفقة الكثير من المهتمين والشغوفين بالعمل الحقوقي ، فانفتحنا فيها على عوالم عدة من خلال العشرية في شراكة الجمعية مع وزارة حقوق الانسان ، داخل المغرب وخارجه
لقد أتممت دراستي بالحصول على ماجيستر في علوم التربية بموضوع (الاستراتيجيات التربوية الحديثة ) من جامعة ميريلاند الأمريكية بجمهورية مصر العربية وبعدها نلت شهادة الدكتوراه بامتياز في علوم التربية في موضوع (فاعلية برنامج ديني تربوي للتخفيف من القلق لدى الاسرة المغربية ) ، وتوجت مسيرتي التكوينية بالحصول – من نفس المعهد – على شهادة الاستاذية بموضوع ( القيم التربوية العليا والتنمية بالمغرب في أفق 2040 )
ونحن نسترجع شريط الدروس الحسنية الرمضانية، نذكر أنك أشرفت على درس ديني عالج قضية لها أهمية قصوى في الإسلام، وهي اللغة العربية كان عنوان الدرس : ” عناية المغاربة بلغة القران الكريم ” انطلاقا من الآية 97 من سورة مريم ، فهلا تفضلت بإماطة اللثام عن هذه المحطة من مسيرتك التربوية والدينية ، وقد مضى على ذلك خمسة عشر سنة كاملة؟
تحت عنوان “عناية المغاربة بلغة القرأن الكريم” تشرفت بالقاء درس رمضاني ديني ، ضمن الدروس الحسنية سنة 2008 في موضوع مرتبط بقضية لها أهمية قصوى في الإسلام، ألا وهي قضية اللغة العربية التي نزل بها القران الكريم ، انطلاقا من قوله تعالى :“فَإِنَّمَا يَسَّرْنَٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِۦ قَوْمًا لُّدًّا” (سورة مريم الآية 97) ، وبعد استعراض معاني هذه الآية الكريمة وبيان ماجاء في كتب المفسرين من بسط الكلام عن موضوع اللسان واللغة ، تطرقت إلى بحث مظاهر عناية علماء المغرب باللغة العربية من خلال محاور هي
أولا: ذكر دخول اللغة العربية إلى المغرب وعناية المغاربة بها حتى أصبحت جزء لا يتجزأ من هويتهم الثقافية والاجتماعية ، فالتزم المغاربة بالدين واللغة وشرعوا في تعليمها بالمدارس والمساجد حتى صار المغرب متميزا بلهجته العربية وإن كان قد غلب عليها تسكين الحروف تأثرا بالبيئة الامازيغية التي احتضنتها، ومن خلال العناية بها صار المغاربة من علمائها وخدامها شأنهم شأن علماء المشرق ، فدققوا معانيها غاصوا منقبين عن نفائسها في مفرداتها ومركّباتها، وصرفها ونحوها
وخلال المحورين الثاني والثالث ، تطرقت إلى ذكر عناية الامازيغ باللغة العربية ، حتى عُدوا من أهل العبارة وأهل الاشارة، واشتغلنا بهمة عالية لعظيم تقديمهم للدين باعتبارأن اللغة أداة للفكر ، وإدراكهم أن اللغة تختزل سياقا تاريخيا واجتماعيا وعقائديا لا غنى عنه في فهم القرآن والتعمق فيه . واقتصرت في هذا الدرس على ذكر أربعة أمثلة من علماء الامازيغ المغاربة والوقوف على عنايتهم بلغة القران ، وهم: أبو موسى الجزولي، وابن اجروم، واليفرني والفقيه اكسنسوس .ثم نبهت إلى استمرار هذه العناية باللغة العربية وآفاقها في أواسط المدارس بالبوادي المغربية الواقعة بالجنوب ، ومنها مدرسة (أكلو) التي كان قد مر بها ، في القرن الخامس الهجري عبد الله بن ياسين اللمثوني – زعيم المرابطين – وغيرها عديد من المدارس التي اسست لحفظ القرآن الكريم تعليما ورسما وقراءات وأداء فانتشرت العلوم الشرعية والفقه المالكي في الوسط الأمازيغي ، وصارت اللغة الأمازيغية والعربية شقيقتان في شخصية ذاك الانسان الذي لم ينسلخ من ثقافته ولم يفته دور العربية في تحقيق إيمانه وعقيدته
قبل أن ننهي هذا الحديث الممتع معك فضيلة الأستاذة أملاح، نود من سيادتكم التفضل بالحديث عن
مخطوط والدك الفقيه أملاح ، حول اللغة وحول بسم الله الرحمان الرحيم ، في إدراك أسرارها ولغتها ومنطوقها ومفهومها –
القراءة التي قمت بها في تراث المرحومة فاطمة المرنيسي من خلال محاورة النصوص التي يتضمنها كتاب الحريم السياسي –
كتابك الذي هو قيد الطبع ، حول القيم والتنمية بين االأزمة والإشكالية –
كتاب ” السلوك الإسلامي والقيم الاخلاقية” – قيد الطبع – كتاب يستكشف القيم والأخلاق في الإسلام، ويوضح أهميتها في توجيه سلوك المسلمين ويهدف إلى توفير مقدمة شاملة حول القيم والأخلاق الإسلامية وكيفية تطبيقها في الحياة اليومية ، وفي مقدمته بدأت بتوضيح مفهوم السلوك ومكانته في الدين الإسلامي وفي التعامل مع الله والناس، والنفس، والبيئة، ويتطرق إلى دور القيم والأخلاق في تحقيق السعادة والتوازن الروحي في الحياة الإسلامية، وبعدها ينتقل إلى استكشاف المفاهيم الاخلاقية الرئيسية في الإسلام، مثل التوحيد والاعتدال والتسامح والتعاون وما إلى ذلك، موضحة معاني هذه القيم واهميتها في بناء المجتمعات المسلمة المثلى ، ويختتم الكتاب بتسليط الضوء على أهمية بناء الشخصية وتأثيرها على المجتمع بشكل عام ، وباختصار يعد هذا الكتاب موجها شاملا للقيم والأخلاق في الإسلام وكيفية تطبيقها في الحياة اليومية، اما الاشتغال على مخطوط “بسم الله الرحمان الرحيم ” فهو يرجع لوالدي العلامة المرحوم سيدي احمد املاح فهو يتحدث عن اسرار حروف ودلالات ألفاظ وتنوع أساليب ” بسم الله الرحمان الرحيم ” ووجوه إعرابها
وفي نفس الوقت اشتغل على تعليقات وشروح في اللغة على كتاب ” المغني لابن هشام” وهو كذلك لوالدي واختتم قائلة ان كتاب ” عناية المغاربة بلغة القرأن الكريم ” فهو قيد الطبع ، وكذلك قراءة ل” نحو القلوب ” للأمام القشيري،بالإضافة إلى العديد من المنشورات العلمية بالمجلس العلمي
إنجاز: الأستاذ عنقا الإدريسي