في القنطرة جلجلة

في القنطرة جلجلة
صورة الغلاف للتشكيلية الازربيدجانية جميلة هاشموفا
حسن حامي

في القنطرة جلجلة:الحلقة الأخيرة (الجزء الخامس)         

 وجد متروي في انتظاره العميد مجدي والمفتشين إلهام ومترجى. لم يستغرق الوقت طويلا في الأسئلة، وهدده العميد بتوجيه تهمة تحريض الناس على هدم الكنيس والكنيسة، إذا لم يتعاون مع الشرطة. ما هو المطلوب منه؟ تفسير غيابه عن اجتماع ‘مجموعة دار بوعزة’، لأن جميع الأعذار التي قدمها ليست مقنعة. طرح مجدي عليه أسئلة أخرى، كان من بين أغربها سؤال عن علاقته الحقيقية بمستتر ومفيد ومنتصر؟
ـــ منتصر؟ من هو منتصر؟ تساءل متروي متعجبا
ـــ منتصر، شخص قريب من سيدة اسمها انتظار، ويعرف جيدا مستتر، الذي يعرف بدوره مفيد
ـــ لا أفهم قصدك أيها العميد
ـــ سأشرح لك، ولو أنه من المفروض ألا أضيع الوقت في جزئيات أنت تعرفها أحسن مني. مستتر ومفيد منعشان عقاريان ــ إضافة إلى مهن أخرى ــ ويعتبران من أذكى المحترفين في الاستيلاء على ملك الغير بطرق مختلفة، تصب كلها في خانة النصب والاحتيال
ـــ أنا لا أعرف مفيد، ولم ألتق بمستتر إلا مرتين كما تعلمون
ـــ وهل لم يسبق لك أن تعرفت على الشخص الذي يرافق انتظار أينما حلت وارتحلت؟
ـــ كيف لي أن أعرف شخصا لا إسم له؟
ـــ إنه شخص مسخر من قبل انتظار للدفاع عن مصالحها، لأنها مستهدفة من قبل مفيد عن طريق مستتر. وهو يرتاد ‘المنتزه’ بين الفينة والأخرى، من الجائز أنك رأيته في إحدى المناسبات
ـــ أنا لا أفهم شيئا، صدقني، سيادة العميد. كما أنني أقلعت عن حضور المناسبات من زمان
ـــ توصلنا بمعلومات تفيد بأن مستتر عقد قرانا صوريا مع انتظار. نسيت أن أخبرك بأن انتظار كانت أرملة لشخصية مهمة تنتمي إلى عائلة غنية جدا، توفي زوجها في حادثة سير تحوم حولها شكوك عديدة
بدا للعميد ولمساعديه أن متروي لم يستوعب بعد ما يجري حوله، فناوله منديلا ورقيا وكوب ماء. شرب متروي الماء دفعة واحدة. تابع العميد
ـــ كما أن هناك شبهات حول انتحار زوجة مستتر
ـــ وما علاقتي بهذه الأمور؟
ـــ العلاقة غير مباشرة بك شخصيا، ولكنها مباشرة بالقنطرة
ـــ أنا لست سوى عابر سبيل
ـــ هل تنكر أنك تعرف انتظار؟
ـــ لا أعرفها
ـــ إنها تنحدر من نفس المنطقة التي أنت تنحدر منها
ـــ لا أعرفها
ـــ سوف نرى. إنها في خطر
ـــ لا يهمني من تكون. وإذا كانت في خطر، فإن دوركم هو حمايتها. ثم قلتم، قبل قليل، إن شخصا يحميها
ـــ لا تتذاكى معنا
ـــ أبدا
ـــ ما علاقتك بالسيدة التي زارتك مؤخرا بعد غياب طويل؟
ـــ إنها أختي
ـــ الآن، بدأت تتعاون معنا. وهل تعلم أنها تعرف منتصر؟
ـــ هذا غير ممكن
ـــ كل شيء ممكن
ـــ لو كان هذا صحيحا، لأخبرتني بكل شيء
ـــ وهل أنت أخبرتها بكل شيء؟
ـــ لا أصدق
ـــ أنت الآن حر. ولكن عليك توخي الحذر. أنت أيضا في خطر. وقبل أن تغادر، أنصحك بالابتعاد عن رائد ومجموعته. إنهم يتداولون ملفات كبيرة عليهم، ويطرحون مواضيع قد تذكي الفتنة في الجوار
ـــ سوف أسهل الأمر عليكم جميعا، وسأخلي القنطرة في غضون أيام
ـــ لا يمكن لك المغادرة الآن. لأنك أصبحت شاهد إثبات
ـــ إثبات ماذا؟ سأغادر بهدوء، مثلما أتيت
ـــ أنت في قلب زوبعة أنت الذي بدأتها، وإلى أن تهدأ، ستظل مقيما في القنطرة
عاد متروي إلى القنطرة مشيا على الأقدام. وهو في طريقه، لم ينفك عن التساؤل هل انتظار التي أشار إليها مجدي هي نفس انتظار التي يعرفها؟ وهل كانت مفتاحة تقول الحقيقة عندما أشارت إلى تواجدها في المنطقة؟ لم يصدق، وردد قولة شهيرة من إبداع جده: “الخرقة لباس مثل غيره، ولا قيمة لها سوى ما يضفيه الناظرون عليها!” وإذا كانت انتظار هي نفس انتظار، فما علاقتها بمنتصر، المفاوض الرئيسي لمستتر؟ وهل صحيح أن مفتاحة التقت بمنتصر هذا؟ وما علاقة مفيد بمستتر، الذي يمد يده إلى ميمون أو إلى ناس آخرين؟ ثم لم لم يسأله العميد مجدي عن لقائه بمستعد وضيوفه؟
عندما وصل إلى القنطرة، وجدها تحت حزام أمني خفيف، ولكن ظاهر للعيان. توجه إلى العربة، ولاحظ أن أياد تلاعبت بمحتوياتها، كما أن باب الغرفة الصغيرة قد أغلق بقفل، وبجانبه انتصب حارس أمن. سأله متروي عن السبب، فلم يجبه على الفور، بل فتح له الباب وما أن دخل حتى أغلقه خلفه. ما الذي يحدث؟ تساءل متروي. هل هي إجراءات وضعه تحت الإقامة الجبرية؟ لا بد أن هناك خطأ كبيرا في التقدير. الخطأ في التقدير، علامة غباء تحت مظلة ذكاء مفتعل لم ولن تنقص من عزيمته شيئا. عمد إلى إلقاء نظرة على الأشياء التي تهمه، والتي يجب التمسك بها في حالة وضعه في السجن أو طرده بدون سابق إنذار. أولا المخطوطات؛ ثانيا المفكرتين؛ ثالثا علب الأظافر. نعم، علب الأظافر التي استرجعها في غفلة من المتربصين به. كانت كلها محفوظة. أحس بهبة نسيم تتخلل شعره الذي لم يعد يعتني به كما كان في السابق، ولا سيما بعد أن ضاعت قبعته الروسية بين الكتب. ومن غير أن يشعر، امتدت يده لأحد المخطوطين النفيسين بالنسبة إليه، وأخرج الظرف من جديد، وبدأ يقرأ
“أيها العزيز الذي يخجلني وقاره ولا أستطيع مقاومة حجيج كلماته ما الذي تنتظره مني هل حجة بين ذراعيك وأنت العليم الأكبر بأن لا قدسية بين أحضان الخطيئة حتى ولو كان الحب العذري رافعتها هل أتعفف مني أنا العليمة بأن لا كابح أمام العشق الجارف الذي يأتي على الأخضر واليابس في لحظات العصف المنشود هل يقظة قبلية أو غفوة بعدية تزكي الذي لا يزكى وتشجب ما لا يشجب ماذا عساني أن أفعل هل أعصى خالقي وهو الذي أبدع في صنع قلب ينبض بحبه أولا وبعشقك ثانيا أم هل أراوغ نفسي وأجيء إليك أحمله وهو ينشد غربة بين أحشائك لعلها تكون له وطنا أنت أيها العارف تعرف ولكنك تغض الطرف وكأنك تدفعني إلى قطف التفاحة من جديد لتتطهر وتكرس نجاستي المفتعلة وتخرج نقيا وأمك تزغرد من الفرح رغم أنها اكتوت قبل خروجها بنار أبيك وبنفس السلاح ما الذي تبتغيه مني أنا التي طبعت القبيلة بطباعي وبصمت على كل نسمة تهب في روابينا وهضابنا وجبالنا الجميلة والعذبة والمفتخرة بجدورها نعم هذه الأرض الطيبة التي لم تنتظر مجيئك ولا مجيئي لتتنفس بالعبق الذي يتجول في خياشيمك ويعطيك الجرأة لكي تحاول الإيقاع بي أنا التي لا أنكر كم أنا متيمة بك أنا التي جعلت كل خيط صوف من عشرات الزرابي التي صنعتها يحمل حرفا من اسمك حتى كدت أستغفر الله أن أتجاوز أسماء الله الحسنى هل بفعلي هذا أكون قد تجاوزت حدود الايمان وهل وأنا أقوم بكل هذا أنشد لا شعوريا أن أخطأ خطيئة كبرى لأجد عذرا كافيا للسفر إليك والسباحة بين شعيرات جسمك لأنفض عنها وعنك الوقار راجعني يا صاحب القرطاس من الأساس لا تترك التفاحة تسقط من جديد في يد آثمة أما يدي أنا فسوف تظل في مكانها تبلل خيوط الزرابي بآهاتي ولن أمسك عن تشكيلها إلا إذا أدميتها  أو إذا أتيت  لتفتت الحجر الذي يقف بيني وبينك أما سجالاتك الصوفية واختلاف الأوراد والأذكار والسلاسل الروحية التي أوقعت بينك وبين أبي فلا شأن لي بها إنني يا شيخي الوقور أحمل قلبا يجمع كل السلاسل الروحية في كف واحد وينشد للحب فقط هل تستطيع وضع سلسلتك في الميزان وتخلع عنك خرقة الوثوقية كما تجرأ وفعل آخرون مثل أبي قبل أن يترك لك المكان هل أنك إذ تمسكك بحلقات ضعيفة من سلسلة أصابها التقادم سيحميك الفعل من فقدان السلسلة كلها”
توقف متروي عن القراءة، ولكنه ترك الرسالة مفتوحة. دمعت عيناه. انتظار؟ كيف سمح لنفسه بأن يضيع انتظار؟ وهما جالسان على قمة ‘أݣادير أو فلا’، كان عليه أن يحسم الأمور. لم يتمكن، مثل جده مستقيم، من أن يكون على موعد مع التاريخ
 تذكر اليوم الذي توفي فيه جده. لم يكن يوما عاديا. نزلت أمطار خفيفة، رغم أن الفصل كان صيفا، وكان أهل القبيلة مجتمعين للاحتفال بسنة فلاحية جيدة. تناسى الجميع الخلافات التي طبعت السنوات الأخيرة. وبينما كان الكبار يحاولون طي صفحة سوء التفاهم، كان الشباب مجتمعين، ذكورا وإناثا، على مقربة من الخيام التي نصبت بالمناسبة. كانوا تقريبا نفس المجموعة الذي تتبجح بكونها تدرس في الجامعة: متروي، معتصم ومبارز وانتظار وإيلي، صديقتها الوفية وحافظة أسرارها، وصفية، سليطة اللسان ومفتاحه، التي كانت تراقب الجميع، وهي تبتسم ابتسامة ماكرة، وطفل صغير كان لا يفارق انتظار، يقال إنه أخوها الصغير من أم مختلفة، وصبية آخرون كانوا يكملون الحلقة. كان الشباب أكثر ثرثرة، في حين كانت الصبايا أكثر حركة في فن الإشارة. وفجأة، انطلقت من الخيمة الرئيسية أصوات رجالية غاضبة. هرع الشباب، فاكتشفوا أن الصراخ صادر عن مستقيم وممتاز، أحد الأعيان، الذي عرف بهواية معاكسته كلما جمعت بينهما مناسبة
ـــ أنت لا تمثل شيئا بالنسبة لي! كان ممتاز يردد
ـــ وأنت قليل الأدب، مثل عادتك! رد مستقيم
ـــ أنت والفتاوى… ألا تستحي؟
ـــ أنا أقول ما وجب قوله من بيان تعلمته أبا عن جد
ـــ وهل البيان يلهمك أن تراوض نفوس نسوة لتغرر بهن؟
ـــ أنا لم ولن أفعل هذا. أنت تتهمني بتهمة لن أسكت عنها
تدخل أحد الأعيان، كان يعرف عنه صلابة المراس وقوة الحرف كلما تعقدت الأمور بينهم
ـــ رجاء، لا داعي لإفساد أفراحنا! كل مسؤول عن أفعاله أمام رب العالمين؛ ونحن لسنا سوى بشر
ـــ أنا لم أفعل شيئا لا يرضي ربنا، دافع مستقيم عن نفسه
ـــ أنا قلت ما كان يجب قوله والسلام. والجماعة هنا تعرف جيدا عما أتحدث، أجاب ممتاز
ابتعد متروي عن الخيمة وتبعته انتظار، ثم إيلي، ومفتاحه، ومعتصم، ومبارز. لم يعلق أحد منهم على الحدث. ولكن متروي لاحظ أن نسوة كن يحطن بسيدة جميلة ويعاتبنها، وهي لا تأبه، بل كانت عيناها تحاولان اختراق الخيمة. فطيمة! نعم، فطيمة، امرأة حار الرجال في جمالها وعلمها وقوة شخصيتها، لدرجة أن البعض رشحها، ذات يوم، كي تؤم إحدى صلوات الجمعة. يومها لم يحبذ الفكرة إلا رجل واحد: مستقيم، مما جر عليه وابلا من الانتقادات قللت من هبته لبعض الوقت
انطلق الصراخ من جديد من داخل الخيمة. ولحظات بعدها، هب رجال يطلبون من النساء جلب قطعة بصل وماء وورد، وليمون، وزيت وعسل. هرع متروي إلى الخيمة؛ كان رجال آخرون يحيطون بجده وهو ملقى على الأرض ويتنفس بصعوبة. طلب منه أن يقترب وأسر في أذنه: “المخطوطات… حافظ عليها! حافظ على ما سوف تجده بداخلها! إنها وصيتي إليك…”
 دقائق بعدها، لفظ أنفاسه… لم تنفع كل المحاولات لإعادته إلى الحياة
عاد متروي إلى القراءة
“أيتها الشقية التي مهما شقيت وملأت من عرقي أنهارا كي تعلم مدى سعادتي وأنا أحوله إلى عطر سخي بالرجولة وإلى ماء زلال سيسقى الشجرة كي تثمر بالتفاح وتسقط تهمة الخطيئة عن حواء سلطانة العصور ملهمة الثبات كلما تحرك الميزان سنظل أنت وأنا من معدن واحد ومصيرنا أن نلتقي أنت حرة الآن وأنا نفذت كل الذي كنت تنتظرين مني الخرقة وقومتها السلسلة وأصلحتها والورد وأغنيته ذكرى لوالدك الذي احترمنا ولم يتدخل أبدا أنا أيا صاقلة المعاني التي ترتعش من فرط الحياء سوف أعلن بيعتي قريبا وليكن ما يكون ها هو الصيف على الأبواب وأرضنا الطيبة جادت علينا هذه السنة بخير عميم وبكلام الخير أودعك إلى حين نامي وأنت تحلمين بي عسى أن يأتيني النوم وأحلم بك أورادا وأذكارا وأشعارا صوفية”
فطيمة! نعم فطيمة. كيف لم يدرك الحكاية منذ البداية؟ نعم، فطيمة. عادت الصور القديمة لتتراقص أمام عينيه ساخرة. كيف لم يدرك؟ كيف لم ينتبه إلى مفتاحة وهي تأخذها بين أحضانها ويبكيان والصبايا يحاولن مواساتهما لحظات بعد وفاة جده؟ كيف لم يقرأ نظرات انتظار إليه، وهي تقاوم صبيبا يراوغ قوة شكيمتها؟ كيف؟ كيف؟ يا لغبائه! كل هذه الرحلة الشاقة للاشئ.  وانتظار؟ لا بد له أن يبحث عنها قبل فوات الأوان
أطل برأسه إلى الخارج، وهو يستعد لمناوشة حارس الأمن على الباب، ولكنه لم يجد أحدا. كانت الأنوار الكاشفة تضفي على القنطرة هيبة لم يسبق له أنه شعر بها من قبل. كانت فراشات الليل تتلاعب بالجاذبية وتنشر أجنحتها في الجو لتستلطفه. وبدا له وكأن المسجد والكنيس والكنيسة تتعانق من بعيد وتعلن الصمت رباطا مقدسا. وهذه القنطرة التي شهدت تاريخ ميلاده الجديد. رغم تداول المصائب عليه في فترة وجيزة، فقد تمكن من النجاة بجلده. كم كان فاقدا للبصيرة، حين لبس ثوبا أكبر من قياسه! أنشد أبياتا قرأها في شبابه
         دَعِ الليلَ يجتاحُ ظلمتهُ          لعلَّ عيونَ المتيَّمِ ترتاحْ
        فمن كتمَ العشقَ في قلبهِ         حياءً، قضى عمرَهُ في النواحْ
        لا تعرفُ نفسي سوى نفسي      قد سمعتُ نداءً ولم أصغِ
         ضيَّعتُ تراتيلَ أمســــي           معَ من ألغي إذْ ألغي؟
عاد إلى العربة، أخرج وسادة وغطاء خفيفا وقرر أن يعد النجوم في السماء.  كم هي جميلة السماء ونحن نتأملها من بعيد وننسى أنها حبلى بالأسرار والأخطار! مثلها مثل البحر، نهيم بزرقته، وننسى أنه ليس المكان الأقل خطرا من الأرض. ولكننا نتكيف مع الأوضاع ونحاول أن ننسى. آه النسيان
وفي اليوم التالي، زف له معروف خبر إطلاق الفيلم الموعود. وأكد له أن المخرج احتفظ بمشاهد بالعربة مع حذف اللافتات واستبدالها بعلامات إشهارية باللغة العربية. ولكن الأهم، هو ظهور متروي في أكثر من لقطة تتجاوز دقيقتين على الأقل، في الوقت الذي تم التركيز فيه على المجموعة الموسيقية الشبابية، ولكن كلمات الأغنية غيرت بالكامل إلى ما يشبه أناشيد دينية للأفارقة الأمريكيين. كما أخبره بأن شركة الإنتاج، بتعاون مع شركات إنتاج محلية والسلطات المحلية، قررت أن تنظم عرضا خاصا للفيلم في الدار البيضاء، تزامنا مع إعادة الدفء لمهرجان البولڤار وتدشين المسرح الكبير وتنظيم المهرجان السنوي للتسوق في الدار البيضاء بعد فتح متاجر عملاقة جديدة، من بين الأكبر والأهم في إفريقيا. لم يظهر متروي أي حماس يذكر. ولم يخف على معروف تخوفه من أن تتحول التظاهرة إلى معركة سياسية جديدة الدار البيضاء في غنى عنها. ولكن معروف كان له رأي آخر
ـــ أظن أنك تبالغ في تشاؤمك. إطلاق الفيلم بهذا الشكل يعد حدثا فريدا من نوعه، وسيساهم في الترويج للمغرب بطريقة رائعة
ـــ لا يهمني ذلك، أجاب متروي
ـــ أنت تظهر في الفيلم يا أخي، صورت في مشهد واحد ولم يحذف، بينما أن هناك مشاهد مهمة لممثل الدور الأول، وحتى مشهدين لجينفر، حذفت بالكامل
            ـــ لا يعجبني كل هذا.  وراء الأكمة ما وراءها
ـــ ما الذي يزعجك؟
ـــ شيئان؛ أولا، سحب الثقة مني بسحب التوكيل؛ وثانيا، تشويه العربة من خلال استبدال اللافتات
ـــ يا أخي، أنت غريب الأطوار. بالنسبة للتوكيل، فقد كان صوريا وغير ذي حجية، وأنت أول من أقر بذلك عندما تم استصدار وثيقة حول مطابقة الإسم. أما بالنسبة للافتات، فهي عرضية ليس إلا. كما أنها تحمل معان لا تتوافق وموضوع الفيلم
ـــ آه، نسيت، وما هو موضوع الفيلم في الحقيقة؟
ـــ قصة حب لم تكتمل
ـــ كان يمكن تصوير الفيلم في أي مكان في أمريكا
ـــ السينما صناعة يلعب فيها الترويج والاستشهار دورا كبيرا
ـــ وما فائدة تصوير الفيلم في هذه القنطرة المهملة؟
ـــ لم تعد مهملة الآن. كما أنني ملزم بإخبارك، للأمانة، بأن تصوير مشاهد هنا لم يكن اعتباطيا وأنك والعربة دخلتما إلى التاريخ
ـــ لا أفهم
ـــ سوف تفهم، قريبا. سيكون في استبدال اللافتات خير. وسأكون حاضرا لأوجهك إن شاء الله. هنيئا لك
ـــ لن أكون هنا لتوجهنى. أنا أعرف وجهتي جيدا. إلى اللقاء
شاع خبر أشعل النار في المدينة، إلقاء القبض على مستتر بشبهة تدبيره انتحار زوجته. وطفت من جديد قصة الأراضي السلالية وعلاقة مستتر بمافيا العقار. وتبين أنه لم يكن سوى مطية لمصالح أكبر منه. وفي الوقت الذي تركزت فيه الأنظار عليه، اختفى مفيد فجأة. أثناء التحقيق مع مستتر، أنكر كل شيء، وتحدى أن يشهد أحد بتواجده حين أقدمت زوجته على الانتحار. كما أنكر أن يكون له أي علم مسبق بالثروة التي ورثتها زوجته. ومع توالي أسئلة المحققين المحليين، الذين انضم إليهم العميد مجدي والمفتشين إلهام ومترجي، بدأ مستتر يفقد الثقة في نفسه؛ وهي الفرصة التي استغلها المحققون لمواجهته بشهادة إحدى بناته وبارتباك ‘ولد الكحلة’، الذي جيء به من تحناوت، حيث كان مختبئا عند أحد أقاربه. أكدت ابنته أن أباها كان يعامل أمها بقسوة، وأنه كان يحرص على تقديم الدواء إليها بنفسه ويمنع بناته من القيام بذلك. وإذا حدث وقامت إحداهن بمساعدة أمها، وهي في حالة صرع، كان مستتر ينتقم منها شر انتقام بحبسها لأيام في إحدى الغرف السفلية لمنزله الفخم في ‘أولاد جرار’. كما أفادت ابنته أن علاقته بمفيد كانت تشوبها شبهات وأن هذا الأخير كان يحاول إغراء أمها بكافة الوسائل. كان يراودها عن نفسها، وكان ينتهز فرصة سفريات مستتر ليزور البيت بدعوى رعاية الأسرة في غياب أعز أصدقائه. وعندما سأل العميد مجدي مستتر هل كان يعلم بأن مفيد يسعى إلى غواية زوجته، لم يفه بأي حرف، وكأن الموضوع لا يعنيه
 وتعقدت وضعية مستتر عندما اعترف ‘ولد الكحلة’ بأن جل عقود الزواج التي حررها لفائدته كانت مزورة، وأنه كان يقوم بمساعدة مستتر بأمر من مفيد، الذي كان يساومه في قضية أخلاقية، إذا اكتشفت، كانت ستعصف بسمعته وبسمعة عائلته. كما أفاد المحققين أنه لم يكن متحمسا لتحرير العقد العرفي الأخير، بل وأن مفيد منعه من ذلك. وحين سئل عن أي زواج عرفي يتحدث، أخبرهم بقصة مستتر وانتظار. وكعربون على حسن نيته، أضاف أن منتفع، الذي حررالعقد، لم يظهر منذ مدة، حيث إنه أصيب بجلطة دماغية وبشلل نصفي، ولكنه يتعافى الآن. لم يخف المحققون سعادتهم بهذا الخبر، وطلبوا من ‘ولد الكحلة’ أن يبقى رهن إشارتهم، فقد تتم متابعته بالمشاركة في النصب والاحتيال على أرامل.  كان مستتر في حالة ضعف لا يوازيها سوى عجزه عن إيجاد ولو ذريعة واحدة تعطيه بصيصا من الأمل لربح الوقت. تم إخلاء سبيله مع متابعة التحقيق معه في حالة سراح مؤقت. حاول مستتر انتداب محام كبير للدفاع عنه، ولكنه لم يفلح، لأن الذين يتحركون خلف الكواليس قرروا التضحية به
قررالمحققون استدعاء منتفع. ورغم حالته الصحية، تجاوب مع المحققين. تكفل العميد مجدي بإدارة التحقيق، لأسباب لوجستية غريبة. سأله
ـــ ما هي علاقتك بمستتر؟
ـــ لم تكن لي علاقة مباشرة معه. ولكن علمت أنه كان يواضب على الحضور إلى بعض الدروس التي كنت ألقيها في مساجد المدينة. ثم كتب وأن التقيت به مرتين
ـــ في أي إطار؟
ـــ الأولى في إطار برنامج إعادة تأهيل المرشدين الدينيين، شاركت في أسابيعه الأولى، إضافة إلى تأطير برنامج نوعي حول محو الأمية لفائدة الكبار والأطفال ضحايا الهدر المدرسي
ـــ وما الذي كان يهتم به مستتر في نظرك؟
ـــ لا أدري. أنا اشتهرت لوقت طويل بمقارعة بعض العلماء حول أهمية الفتوى وغيرها من أمور تشكل نغصا كبيرا لشريحة كبيرة من المسلمين. وربما كان مستتر يهتم بها. لا أعلم جيدا
ـــ وما هي قصة الزواج العرفي؟
ـــ كانت المرة الثانية التي التقيت فيها بمستتر
ـــ كيف؟
ـــ أولا، لا بد أن أخبرك بأنني كنت ــ ومازلت ــ ضد الزواج العرفي. وقد انخرطت، منذ البداية، في عمليات تحسيسية حول إصلاح مدونة الأسرة وتطوير منظومة الحالة المدنية. أما الحالة التي تتكلم عنها، فقد جاءت عرضية. لم أكن متحمسا في البداية، ولكن كان هناك دين علي لا بد لي من أن أدفعه
ـــ دين؟ وما هي نوعية هذا الدين؟
ـــ طلبت مني انتظار، وهي سيدة محترمة، أن أقوم بتحرير عقد زواج صوري مع مستتر
ـــ ومن تكون انتظار هذه؟
ـــ كنت أعرف عائلتها جيدا، لأننا ننحدر من نفس المنطقة، ناحية سوس. وكما قلت لكم، كان علي دين؛ هذا الدين كان تجاه جدها. كان جدها عالما من العلماء الفطاحل، وكان يهتم بأدب المخطوطات. وقد ساعدني أكثر من مرة، ويرجع إليه الفضل فيما وصلت إليه من تحصيل. قبل وفاته، طلب مني الاهتمام بأحفاده، ومن بينهم انتظار وأخيها. ولكني لم أقم بذلك في البداية، لأسباب أفضل ألا أتحدث عنها، وتهم تلك العائلة
ـــ مفهوم. والآن، ما هي حكاية الزواج العرفي أو الصوري أو سميه كيفما تشاء؟
ـــ انتظار سيدة ذكية جدا، متعلمة وخريجة جامعية، قدر لها أن تمر بفترات عصيبة؛ المهم أنها تزوجت أكثر من مرة، كان آخرها من أحد الأعيان الذي توفي في حادثة سير. لا أعرف الظروف التي تم فيها اتصال مستتر بانتظار، ولكنها طلبت مني مساعدتها هذه المرة. كانت تعلم أن مستتر يدبر لأمر ما، وفرضت شروط عقد القران وغيرها من أشياء لا داعي للحديث عنها
ـــ لماذا؟
ـــ لا أظنها ستفيد القضية
ـــ تابع
ـــ قمت بالواجب، أحضرت شهودا من نفس منطقتنا؟
ـــ لماذا؟ كان يمكن إرشاء أي شهود ما دام عقد القران تمثيلية؟
ـــ صحيح، ولكن، كما قلت لكم، كان بذمتي دين تجاه جد انتظار، وارتأيت أن يعرف الناس في تافراوت أنني أديت ما كان يجب تأديته لإرضاء ضميري واسترجاع بعض من سمعتي هناك
ـــ تابع
ـــ كان هناك دافع آخر؛ وهو أن زوج انتظار الأول، من نفس المنطقة، واسمه محمد، كان يحاربني عندما بدأت أشتغل. كان يحط من مكانتي ولا يعتبر أنني أستحق لقب عالم. والسبب الثاني، هو أنني كشفت لبعض السكان أن العيب في عدم إنجاب انتظار يرجع إليه. وقد نجح في طردي من تافراوت. والحقيقة أنه حسنا فعل… فبعد وقت قصير من وصولي إلى هنا، فتحت لي الأبواب
ـــ تابع
ـــ بعد مراسيم عقد القران، طلبت مني انتظار الاحتفاظ بالعقد، بعد أن ضمنته شروطا لم تكن لتترك مستتر يشعر أبدا بالاطمئنان
ـــ ما الذي تعنيه؟
ـــ كانت هناك شروط تضمنها عقد إضافي للعقد الصوري تمكن انتظار من بعض أملاك مستتر في حالة ما إذا حاول مساومتها؛ لأنها كانت قد قررت عدم السماح له بالخلوة الشرعية، مهما كلف ذلك من ثمن. ولكن الشيء الذي لم يكن مستتر على علم به، هو أن العقد الإضافي كان صحيحا شكلا ومضمونا، وقد حرصت على إتمام شروطه القانونية بمعية عدلين محلفين من نفس منطقتنا
ـــ تابع. إنها قصة مشوقة
ـــ المهم هو أنني أنا الذي دفعت الثمن
ـــ كيف؟
ـــ اتصل بي شخص مجهول، تبين فيما بعد أنه السيد مفيد، وعبر لي عن استعداده أن يدفع لي أموالا طائلة، إذا اختفيت عن الأنظار أو إذا سلمته عقد الزواج الصوري أو أية وثيقة قد تفيد؟
ـــ كيف علم بذلك؟
ـــ مراسيم كتابة العقد تمت في بيته
ـــ في دار بوعزة؟
ـــ تماما
ـــ وماذا فعلت؟
ـــ رفضت
ـــ لمَ لم تخبر انتظار؟
ـــ لم يكن لي متسع من الوقت، فقد تعرضت لحادثة سير مدبرة
ـــ كيف؟ حسب معلوماتنا، أنت تعرضت لجلطة دماغية
ـــ الجلطة الدماغية، أتت ساعات بعد محاولة إيذائي
ـــ وما الذي يجعلك تظن بأن الحادثة متعمدة؟
ـــ توصلت قبلها بمكالمة مجهولة، تهددني
ـــ لمَ لم تتصل بالشرطة؟
ـــ الوقت، سيدي العميد، لم يكن لي متسع من الوقت
ـــ وهل تم الاتصال بك فيما بعد؟
ـــ لا
ـــ وهل أخبرت انتظار؟
ـــ نعم، بعد أن استرجعت القدرة على الكلام
ـــ وماذا كان رأيها؟
ـــ قالت إن مفيد هو من يكون وراء العملية
ـــ كيف؟
ـــ قام أخوها منتصر بالتحريات اللازمة
ـــ منتصر؟  تابع
ـــ هذا كل ما لدي من أقوال
ـــ قد يكون مستتر هو من دبر الحادث بعد أن يكون قد انتبه إلى قانونية العقد الملحق؟
ـــ لا أظن ذلك، لأن إجراءات التسجيل في المحافظة العقارية لم تكن قد بدأت
ـــ لماذا؟
ـــ لأن انتظار لم تكن لها نية في الاستيلاء على أملاك مستتر
ـــ هل من الممكن أن تترك لنا محمولك لضرورة التحقيق؟
ـــ اكتشفت بعد الحادثة أنني ضيعته أو أنه سرق مني
ـــ سنتأكد من الأمر. أكتب الرقم على هذه الورقة، وقع على المحضر، وابق تحت تصرف الشرطة
ـــ الشرطة مطالبة بتوفير الحماية لي بعد أن يعلم مفيد ــ ومن معه ــ أنكم استجوبتموني
ـــ سنوفر لك الحماية. أما مفيد، فاستجوابه مسألة وقت، لا بد له من العودة إلى الواجهة بشكل أو بآخر

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com