حكاية مكان

حكاية مكان
درب الطليان
دة.هند صيدان

 درب الطليان- حكاية مكان

بين أحضان البساطة يوجد الحرمان، ومع كل يوم وحدث يختفي حزن ويأتي فرح أو يتناوبان، تتعالى صيحات، ويروج ضجيج، يخلق فوضى تعطي لذة للمكان، تسمع نداءات متعددة من أماكن متنوعة، تارة من النوافذ وتارة أخرى من سطح منزل أو من باب، كيف حالك يا فلانة؟ وما أخبارك يا فلان؟ لا توجد مصالح في تقاسم السلام، وإنما إحياء لمبادئ وقيم حب الجار للجار، يحين وقت الأذان، فتعلو كلمات “الله أكبر الله أكبر” في كل المساجد، يستعد الرجال للذهاب إلى مسجد الحي، الذي يعرف ” بمسجد الزاوية”، يتعاونون في ترتيب الزرابي والجلوس استعدادا للصلاة
 لكل زمن أحداث متنوعة، مع انبلاج الصباح يعلو صوت المذياع، يرتل القارئ ما تيسر من القرآن الكريم، تليه أخبار الصباح، وتتوالى الأغاني الصباحية الجميلة، كلها تجعل النشاط يذب إلى الأجساد، تسمع صوت”الريدو”لمحل البقال يفتح، ويبدأ أهل الحي يتوافدون لاقتناء الحليب، والنعناع، والخبز والجبن وما إلى ذلك من لوازم الإفطار.  يتناول سكان الحي فطورهم، وينصرف كل شخص لعمله، وكل تلميذ لمدرسته، يكتسي الصباح صورة جميلة تزينها ألوان الوزرة المدرسية حيث ترى التلميذات بوزرة بيضاء والتلاميذ بوزرة زرقاء تختلط مع ألوان الجلباب الذي ترتديه الأمهات اللاتي يصحبن أبناءهن إلى المدارس كل صباح، بعد ذلك يعدن إلى بيوتهن، للقيام بمجموعة من المهام المنزلية:” كالتنظيف والغسيل وإعداد وجبة الغداء التي تعد من الأولويات”
تسرع الأمهات إلى “السويقة” لشراء ما يلزم البيت من خضر وفواكه وسمك أو دجاج أو غيرها من الأغراض حسب الإمكانيات المتوفرة. بعد الرجوع للبيت، تبدأ عملية عجن الخبز وإعداد الطعام ليكون موجودا في منتصف النهار، قبل عودة الجميع لتناول وجبة الغذاء. فتسمع بعدها نداءات متنوعة من منازل مختلفة، يطلبن من التلاميذ الذين أنهوا دروسهم الصباحية وعادوا إلى منازلهم بأخذ الخبز إلى الفرن، تسمع صوت المذياع في كل أرجاء الحي تنبعث منه إيقاعات مختلفة، تختلط بأصوات محركات الدراجات النارية، وضجيج التلاميذ العائدين من المدارس، والنداءات المتنوعة من الأمهات أو الإخوة للدخول إلى المنزل لتناول وجبة الغذاء، حيث تجتمع الأسرة الصغيرة حول المائدة يتقاسمون الحديث ويتناوبون في التعبير عما يجول بخاطرهم
وفي المساء، يجتمع شباب الحي لتجاذب أطراف الحديث عن مجموعة من المواضيع المتنوعة التي تشغل اهتماماتهم، كالرياضة وخصوصا كرة القدم، والامتحانات وأحيانا افلام السينما الجديدة وما إلى ذلك، كما أنهم لا يتوانون في مد يد المساعدة لأبناء الحي ممن يريدون تفسيرا للدروس او لعمليات حسابية وما دون ذلك
تشدك عفويتهم وقيامهم بمهام لم يجبروا على القيام بها، لكن حبهم لحيهم والتزامهم بتقديم كل ما في وسعهم للحفاظ على شيم ومبادئ التضامن النابع من رغبتهم في تأصيل تقاليد المساعدة والتآزر، تسمع الزغاريد والتهنئة والفرح يعم المكان عند الإعلان عن نتائج السنة الدراسية
وأنت تتجول في أنحاء الحي البسيط، تشم روائح الأكل الشهية تنبعث من كل منزل، كما يثير انتباهك وجود بعض المنشورات ، لا أقصد الأدبية، وإنما المتعلقة بالاستعدادات الخاصة بالمناسبات الدينية مثل رمضان، إذ تجد الزنجلان في زاوية معينة تحت ضوء الشمس الحارة قصد أن يجف ويستعمل في تحضير مجموعة من الحلويات نذكر منها :” الشباكية والبريوات وسلو” كما تجد اللحم المملح أو ما يعرف ب” القديد و الكرداس ” بدوره تحت أشعة الشمس، بعد مناسبة عيد الأضحى الذي لا يمكننا أن ننسى طقوسه المتميزة التي تبدأ مع دخول أول أيام شهر ذي الحجة، حيث موسم الحج  و الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى، إذ تجد الآباء يتسابقون لشراء خروف العيد قصد إدخال الفرحة على أسرهم،  كما تسمع هتاف الأطفال من بعيد، وهم يتبعون الخروف وينادون ” الحولي ماع ماع، الشيبة والنعناع” أو ” الحولي يا بو الكرون الملحة والكمون” وغيرها من العبارات المتنوعة ويصبح لكل عاطل نصيب في كسب بعض المال أثناء مناسبة عيد الأضحى،  إذ تجد الملح والبهارات والأواني و الفحم والفخار من ” طاجين وقسرية و مجمر الخ” وكل لوازم العيد تباع هنا وهناك. هتافات متنوعة الكل ينادي ويردد اسم بضاعته، تطول ليالي عيد الأضحى ويحلو السهر وتعم الفرحة بين سكان الحي، إنها الحياة بطعم مختلف، ينبع منها الحب والاحترام والبساطة وكل ما يسر النفس وينمي التضامن بين الناس، إذ لا ننسى صبيحة عيد الأضحى التي يتقاسم فيها الجيران كل ما يملكون من أغراض إذ تجد الجيران يهنئون ويعرضون المساعدة على بعضهم دون طلب
تكمن أهمية المكان في بساطة سكانه، إذ  تضفي عليه حركية جميلة تعطي للزمن قيمة، ويجعلك تعيش لحظات مليئة بالعفوية، إذ تصادف صديقا في طريقك فيطلب منك مرافقته دون موعد مسبق، كما تسمع أحدا يناديك باسمك ويرمي لك النقود ويطلب منك إحضار شيء ما من البقال أو السوق وأنت في طريق عودتك، يزول من ذهنك التفكير في ما تريد تناوله أو التحضير له، إذ عندما تعود النسوة من السوق تنادي إحداهن الأخرى فلانة ماذا وجدت فتعطيها سعر السمك والدجاج واللحم والخضر الخ فتجد نفسك قد اخترت ما تريد تناوله دون عناء التفكير فيه من خلال تقرير جارتك الذي سمعتها ترويه في أرجاء الحي
درب الطليان، هذا الحي البسيط، الذي يصعب عليك تركه والتوجه إلى مكان آخر للعيش والاستقرار، إذ ترافقك صورته ويتأجج في نفسك الحنين إليه كلما أشرقت عليك شمس في مكان غيره، صعب عليك النوم دون التفكير فيه، حيث يصبح الضجيج الذي كان يزعجك، محركا قويا ومصدر قويا لذكرياتك التي ترسم الابتسامة على شفتيك وتروي عطش غربتك

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com