أقصوصة: خيوط التماس

أقصوصة: خيوط التماس

خيوط التماس

للكاتب عبد الحق السلموتي
استلقيت على ظهري، فأحسست أعضائي مفككة ورأسي ثقيل، كأني ثملة، فعرفت أنها هي، النوبة مرة أخرى، أو حالة التلذذ بالخمول والتكاسل، والرغبة في جلسة هادئة مع الذات
غالبا ما كنت أجد متعة، وأنا مسترخية لمدة قد تطول أو تقصر. أفكر في أشياء كثيرة، وقد لا أفكر في أي شيء. يحدث كذلك أن تشرع نفسي الأمارة بالسباحة، في يم ذاكرتي غير المثقوبة، تنقب كالعادة في سجل أرشيفي، عما يسعدني أو يحزنني، في لحظة استرخائي تلك. كان ضغط العمل والإجهاد النفسي في الغالب، يدفعاني إلى ذلك، عكس هذه الليلة، استسلمت لنوبتي بمحض رغبتي وإرادتي، إذ أغمضت عيني مبتسمة، مسترجعة ما طرى وجرى
صبيحة هذا اليوم، بمصعد العمارة حيث أعمل التقيته. يشبه كثيرا فارسي، الذي يزورني في الحلم، أو بين اليقظة والحلم. لا أعتقد ولا أظن، بل أصر بيقيني، على أنه لا يشبهه فقط، بل هو، هو بشحمه ولحمه، بذاته وصفاته، زائري بين أعماق الليل والفجر، الذي لقيته وأبصرته، في واضحة نهار اليوم
كنت بصدد مغادرة المصعد، وكان يتأهب لولوجه، في تلك الهنيهة القصيرة جدا، وقع ما وقع. أغرق كل واحد منا، عينيه في عيني الآخر، ثم ابتسم في وجهي، نصف ابتسامة، لكنها جد جذابة، وجد ساحرة. وعلى غير عادتي في حالات مماثلة، رددت عليه بمثلها، بل بأرق وأجمل وأعذب منها. وعندما أغلق المصعد، استجمعت قواي، تحسبا من أن أهوي أرضا، صريعة هذا التماس الكهرو- عاطفي
أعدت شريط ذلك اللقاء، القصير جدا والممتع جدا، بدل المرة مرات، وانا مسترخية في مكاني لا أزال، قرب آلة التسجيل، المركون بجوارها، مجموعة من أشرطة “الست”، التي تصالحت معها، منذ أمد غير طويل، وأصبحت مسكونة بصوتها وأغانيها، رغم أنها لم تكن تستهويني في زمن مضى، كنت خلاله أسخر وأستهزئ، ممن يعشقونها، ويطربون لأغانيها وموسيقاها. وقتها أيام الجامعة، كنت مهووسة أو شبه مجنونة بأغان، كانت تنعت بالملتزمة أو الثورية، أو شيئا من هذا القبيل
أين زمن تلك الأغاني؟
لقد ذهب أدراج الرياح
أين شهم زمانه، الذي لقنها لي و لفتيات أخريات مثلي، وحمسنا لغنائها، وترديد شعارات مرافقة لها، في ساحة الكلية؟
بعد التخرج، عانق أول وظيفة قبل فيها، ثم كلف الوالدة لتخطب له، فتاة لا تشبه من جلسن جواره بالمدرج أو مقصف الجامعة، أو اصطففن إلى جانبه والتصقن به أثناء إضراب أو وقفة احتجاجية، أو شاهدن برفقته، فيلما بالنادي السينيمائي، أو عرضا تجريبيا بمهرجان المسرح الجامعي
غير الذكرى، لا شيء بقي من ذلك الزمن
وأنا في خضم نوبتي، بين حالتي كسل حلو واسترخاء لذيذ، أطلقت العنان لأصابع يدي اليمنى، لتختار شريطا غنائيا، وتضعه داخل الآلة، وهي اليد نفسها التي ضغطت على زر التشغيل، دون أن أكلف نفسي، عناء النظر إلى غلاف الشريط، الذي انبعثت منه موسيقى خافتة، كما أصبحت أعشق وأحب، وصوت أم كلثوم يصدح قرب رأسي «أغدا ألقاك؟ يا خوف فؤادي من غد..»

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com