جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية 2/2


المغرب وتونس: المشهد الفكري العربي وتتويج مشهود
استمرارا في تسليط الضوء على الفائزين بهذه الجائزة في دورتها التاسعة عشر/ الموسم الحالي . يسعدنا أن ننشر المقطع الثاني مما وافنا به صديق الجريدة وعضو تحريرها الاستاذ: عنقا الادريسي المختار ، وهو المتعلق ب :
* جائزة الدراسات الأدبية والنقد التي فاز بها الناقد المغربي “حميد لحميداني” .
* جائزة الدراسات الإنسانية والمستقبلية التي حصل عليها المفكر والمؤرخ التونسي “عبد الجليل التميمي”.
* جائزة الدراسات الأدبية والنقد التي فاز بها الناقد المغربي “حميد لحميداني” .
* جائزة الدراسات الإنسانية والمستقبلية التي حصل عليها المفكر والمؤرخ التونسي “عبد الجليل التميمي”.
ثالثا : الناقد المغربي حميد لحميداني: أحد الوجوه المغربية المؤسسة لخطاب نقدي حديث ومتجدد
الدكتور حميد لحميداني من مواليد المنطقة الشرقية المغربية “بوعرفة” وهو أكاديمي ناقد وقاص وروائي مغربي، له عدة مؤلفات في النقد السردي، وأعمال إبداعية وفيرة، يعد منيرا في المناهج النقدية والدراسات السردية والترجمة، حاصل على العديد من الجوائز. وهو من مؤسسي مجلة ” دراسات سيميائية ” أدبية لسانية في 1992، وتعد ” دهاليز الحبس القديم ” أول رواية نشرت له في 1979، كما أصدر كتاب “نقد النقد والنظريات الأدبية والنقدية – المعرفة والسلطة” ضمن منشورات مركز الأبحاث السيميائية والدراسات الثقافية ويشمل عشرة فصول متنوعة الموضوعات، في حدود 400 صفحة، هادفا إلى تلبية [بعض تطلعات القراء، والإجابة عن تساؤلاتهم حول مجال النقد والنظريات الأدبية وما حصل ويحصل في هذا الحقل من تطورات متعاقبة وتشابكات معقدة].
وبذلك يكون أحد الوجوه المغربية المؤسسة لخطاب نقدي حديث ومتجدد، مستلهما من المناهج الغربية – لا سيما البنيوية والتفكيكية والسيميائية – أدواتها وتحولاتها دون أن يفقد انتماءه للسياق الثقافي المغربي والعربي. مسهما عبر دراساته وكتبه ومحاضراته في بناء رؤية معرفية قوامها تحليل النص والخطاب الأدبي، وتأمل العلاقة بين اللغة، المعنى، والقاريء .
ويتميز ” لحميداني ” بكونه وظف بذكاء أدوات التحليل النصي، كما طورتها مدارس الغرب منذ ستينيات القرن الماضي، ولم يكن مجرد ناقل للمفاهيم، بل كان مُكيِّفا للمناهج مع خصوصيات النص العربي والمغربي، مما جعله يطرح أسئلة نقدية شائكة، حول بنية السرد وأفق التلقي واستراتيجيات الكتابة. ومن مزاياه أنه لم ينفصل نظريا عن الواقع النصي المغربي، بل جعل من الزاوية المغربية مختبرا لتحليلاته النقدية، فدرس أعمال الكثير من الأدباء المغاربة ، مبرزا تطور الوعي السردي بالمغرب وانتقال الرواية من مرحلة الخطاب الواقعي إلى التجريب والحداثة . ولم يثنه ذلك عن الاشتغال بسؤال القراءة والتلقي ، فكان من المغاربة الأوائل الذين طرحوا ضرورة بناء تصور نقدي عربي حول وظيفة القاريء في إنتاج المعنى ، من خلال حواره مع مفاهيم المدرسة الألمانية (كونستانس ) و (جمالية التلقي) . كما طالب بتجاوز (المركزية النصية) التي ميزت النقد البنيوي، لصالح نقد يستحضر القاريء والثقافة والسياق .
وفي مقاربة لتجربته، نخلص الى القول بأن “لحميداني” يعد – إلى جانب نقاد مغاربة آخرين – ، من أبرز من أسهموا في تحديث النقد المغربي ووصله بالمناهج العالمية، مع الحرص على عدم الذوبان فيها، جامعا بين النظرية العلمية والوعي الثقافي، وطرح قضايا نقدية حية تتجاوز حدود النص، إلى تخوم المجتمع والهوية.
وعن منحه جائزة ” العويس الثقافية“، يقول الأمين العام لهذه المؤسسة “عبد الحميد أمين“، في تصريح له بالمناسبة إن الناقد حميد لحميداني استحق الجائزة [لما يتمتع به منجزه النقدي من أصالة منهجية وتراكم معرفي واستمرارية نقدية لمشروع ضخم ومتراكم، بدأ تقريبا في سبعينيات القرن العشرين، ولا يزال مستمرا في تحقيق التثاقف المعرفي بين النقد العربي والغربي]، هذا بالإضافة إلى الإشادة بمنجزه النقدي المتميز بالأصالة المنهجية والتراكم المعرفي وبناء جسور النقد العربي من خلال مراجعة المناهج الغربية واعادة إنتاجها ضمن سيارات معرفية عربية جديدة.
رابعا : المؤرخ والمفكر التونسي عبد الجليل التميمي: ليس مؤرخا، بل صانع ذاكرة بالمعنى العميق

ويتميز الدكتور التميمي بمقاربة فكرية ومنهجية مغايرة للرؤية الاستعمارية السائدة حول التواجد العثماني في البلاد المغاربية، رافضا اختزال الحقبة العثمانية في تونس والجزائر، ضمن ثنائية المسْتَعمِر والمستعمَر، ساعيا إلى تفكيك الروايات الكولونيالية التي صورت الحكم العثماني كقهر خارجي، مقابل إبرازه للأدوار المؤسساتية والسياسية والدينية التي ساهم بها العثمانيون في تشكيل بنيات الدولة المغاربية الحديثة. وبذلك يختلف” التميمي” عن المؤرخ التقليدي في كونه لم يكتف بالتنقيب في الوثائق وكتابة السرديات، بل سعى إلى تشييد مشروعه المتكامل لحفظ الذاكرة والمحافظة على توثيق الفكر وأرشفة النخب، ادراكا منه لحق الشعوب في أرشيفها الوطني، ومنبها إلى مخاطر بقاء الوثائق التاريخية حبيسة الارشيفات الاستعمارية، في باريس ولندن أو حتى داخل الإدارات الرسمية، في غياب الولوج والرقمنة. وانخرط في توثيق السير الذاتية والنشاط الفكري للنخب المغاربية من وزراء ورجالات الدولة ومثقفين ومصلحين، وقد أنجز – عبر مؤسسته – سلسلة طويلة من الحوارات والشهادات، مما جعله مؤرخا للزمن المعاصر بامتياز، يهتم بما يُكتب، وبمن كتبه وبالسياق الذي انتج فيه. وبالتالي فهو ليس مؤرخا، بل صانع ذاكرة بالمعنى العميق، حيث كرس حياته العلمية لحفظ الذاكرة وتعزيز الوعي بأهمية التاريخ المعاصر، مستحقا لقب “صانع الذاكرة ومؤرخ المغاربيين”. وعن منحه جائزة ” العويس الثقافية ” يقول الأمين العام لهذه المؤسسة، أن اللجنة [قررت منح جائزة الدراسات الإنسانية والمستقبلية للباحث عبد الجليل التميمي، وهو أحد أبرز المؤرخين العرب المعاصرين … وتعد أعماله نموذجا للتوثيق التاريخي المستند الى القواعد الجديدة في الكتابة التاريخية ] مثل أعماله في البحث التاريخي وتصويره للفكر المعاصر.