متى يرفع تلاميذنا الكتاب عوض “الشاقور”..؟


كثيرا ما تضعف حواسنا أمام مأساوية بعض الظواهر الشاذة التي تباغتنا في المجتمع، وتدخلنا مكرهين، طائعين، مرتبكين إلى عالم تسوده الفوضى. ما وقع لأستاذة أرفود بالجنوب الشرقي المغربي، هو الذي كان معروفا دائما بأخلاق أناسه الطيبين بكل فئاتهم العمرية إناثا وذكورا، ليس طبيعيا أبدا. قد يكون حدث طارئا وعرضيا، ولكنه مؤشر خطير، يضعنا أمام واقع جديد لم تعتد عليه منطقة عزيزة على قلوبنا كمغاربة.
هناك في تلك الجهة النائية تحديدا، يوجد ما نسميه “أرض النية المعقول”، ولاشيء غير ذلك. ولكن، يبدو أنه ” لازم الواحد يحضي راسو” مستقبلا حتى في تلك المناطق الآمنة، لم تعد هناك “نية” بعد اليوم ولا “معقول” فوق الأرض ولا تحتها. حتى لو لم يعرف من قبل عن أناس تلك المنطقة بكل مكوناتها، غير الطيبة وكرم الضيافة وحسن الخلق. ولم يثبت أن استخدموا العنف في علاقاتهم اليومية، فيما أعرف، سواء في معاملاتهم البينية أو في علاقاتهم اليومية مع الوافدين عليهم من الزوار والغرباء. سبق لي إن عايشتهم وعرفتهم عن قرب، وعاشرتهم لأكثر من ثلاثين سنة، وكانوا يعاملونني دائما بما يليق من احترام كواحد منهم.
إلا أن ما وقع لأستاذة أرفود يدق ناقوس الخطر ويدعو فعلا للقلق، واتخاذ الإجراءات اللازمة، والقيام بدراسات ميدانية حول هذا التحول في السلوك. وإن كانت قراءته السطحية تقول أن هناك تحول مجتمعي قادم على الأبواب، وهو تحول دخيل وخطير على قيم المجتمع في تلك المنطقة المحصنة أخلاقيا بالعادات والتقاليد.
قد نجتهد من جهتنا في إيجاد بعض المبررات المختلفة لشبيه ما وقع مع تلميذ جانح في بعض الحواضر الكبرى: طنجة، فاس، سلا، البيضاء، مراكش وغيرها. ونبحث عن مخرجات لتبرير ما حدث، وإن كان الجرم يبقى جرما في كل زمان ومكان. وقد نبرر الحدث، ونقول بأنه جاء نتيجة توتر ناتج عن ضغوطات الحياة اليومية، وما تفرزه زحمة الحياة وصعوباتها في أحياء تعيش الفقر والهشاشة، وما ينتج عن ذلك من قلة وعي وتمرد على القوانين، وتوتر واضطراب في العلاقات الاجتماعية، وجنوح في السلوك لدى بعض الشباب والمراهقين نتيجة الإدمان على أشياء يحظرها القانون. ولكن أن يمتد هذا الانحراف إلى الأرياف والقرى الصغيرة التي عرفت بسكينتها وأمنها الاجتماعي، فتلك مشكلة كبرى تطرح علينا أكثر من سؤال، وتضعنا أمام علامات استفهام.
هل عدنا من جديد إلى”أجيال الضباع” التي تحدث عنها المرحوم محمد جسوس؟ أم هي طفرة جينية نتجت عن أخطاء في نسخ حمضنا النووي؟ تطورت بشكل خاطىء وغير مرغوب فيه، أعطانا نوعا من البشر تحول من “ضباع” هائمة على وجه الأرض إلى قتلة يحملون”شاقورا”؟ ونحن عن كل ذلك غافلون..!!
أن يحمل تلميذ هذا “الشاقور” في بيئة محافظة، وفي مجتمع صحراوي عرف بجنوحه للسلم والجدية والمعقول والعمل الجاد، وفي مدينة صحراوية صغيرة مثل أرفود، ويقصد أستاذته معترضا طريقها للإجهاز على حياتها في الشارع العام، فذلك أمر يدعو للتساؤل، ويضعنا في حيرة من أمرنا، ويستعجلنا للبحث عن الأسباب ومعالجتها قبل فوات الأوان. ومهما كان الدافع، يبدو أن الفعل لم يكن عاديا، ولا بريئا في شموليته ولا أبعاده السوسيولوجية والسيكولوجية والسوسيواقتصادية، بعيدا عن أي تحليل للبيئة التعليمية والتربوية التي وقع فيها. وبعيدا عن مناهج التدريس المتعبة في نظامنا التعليمي المغربي، يبقى الفعل إجرامي مكتمل الأركان، ويطرح أمامنا أكثر من علامة استفهام، وهو سلوك عدواني يحتاج منا إلى القيام بمقاربة شمولية لما وقع، بعيدا عن أي تبرير نفسي أو اضطراب سلوكي.
ما وقع أمر جلل في مجتمعنا المغربي، يسائل منظومتنا التعليمية برمتها، وعن جاهزيتها لاحتواء سلوكات الأجيال القادمة، وليس الأمر سهلا أبدا كما يعتقد البعض. رحم الله الأستاذة الفقيدة، ربنا يستر من القادم في المستقبل..!!