الفنان محمد بلخياط: مبدع خلف الأضواء

برنامج (مواهب): مدرسة ثانية بتأطير ذ. عبد النبي الجراري
بقلم ذ. عبد المجيد شكير
الفنان الحقيقي لا يتحدث عن نفسه، بل يترك أعماله تشهد عليه، الفنان الحقيقي هو القادر على التأثير في وجدان الناس عموما العامة منهم والخاصة، والأكيد أن الأستاذ محمد بلخـياط واحد من الملحنين الذين ينطبق عليهم هذا التوصيف حيث أن أعماله لاقت الكثير من النجاح، فمن منا لا تشده قطعة (الغربة والعشق الكادي) ؟وكيف لا نرقص فرحا مع أنغام (راجع لي ثاني بالأفراح) ؟ ومن منا لا يردد مع البشير عبده (وأنت دايز) ؟ وكيف يغيب عن آذاننا صوت فاطمة مقدادي وهي تنادي (صحيبي صحيبي) ؟
1 ـ رحلة الألحان:
شهدت فترة السبعينات انطلاق رحلة الفنان محمد بلخياط مع الألحان، إذ ظهرت في تلك الفترة محاولاته الأولى وأغلبها كان من غنائه الشخصي، تارة وهو يعزف على العود، وتارة أخرى مع جوق برنامج (مواهب) (جيبي الأسمر ـ شفت فيك الجمال ـ الربيع ما أحلاه ـ بربرية مغربية……..) كما لحن في بداياته أيضا لعبد الواحد التطواني (شباب الأمة مجند) وبفضلها اعتمد ملحنا من طرف الإذاعة الوطنية.
وقد لعب الأستاذ عبد النبي الجراري دورا هاما في تشجيعه على التلحين، ووضع جوق (مواهب) رهن إشارته، ومنذ ذلك الحين توالت أعماله إلى يومنا هذا (انا بالله وبيه لفاطمة مقدادي ـ الغايب لفاطمة أمين ـ ولاء الجالية لحياة الادريسي ـ تاج الأمل لعتيقة عمار …..) كما شارك كملحن في ملحمة العهد الأولى والثانية لمحمد حسن الجندي ، وشجرة الأوفياء لأحمد الطيب لعلج، كان اسمه يعلو مع كل تجربة لحنية مما أهله للتلحين لنجوم الصف الأول أمثال محمود الادريسي (هايلة) نعيمة سميح (كون جيد) ومحمد الحياني (موطن النصر)، والملاحظ أنه شكل ثنائيا ناجحا مع كل من محمد الغاوي (الغربة والعشق الكادي ـ حجة الغايب ـ أنا مغربي من الصحراء ـ مازال ما قطعت يأسي ـ مرحبا ونهار سعيد ـ بالفرحة لاقاني ـ شكون يسخى بكم …… وعماد عبد الكبير (راجع لي ثاني بالأفراح ـ احبابنا ـ عاتبو يا الليل ….) وكذلك مع البشير عبده وفاطمة مقدادي.
وعلى مستوى الكلمات تعامل محمد بلخياط مع مدارس مختلفة ومع أسماء راسخة في الكتابة أمثال علي الحداني (الغربة والعشق ـ صحيبي ـ وأنت دايز ـ الدنيا ماكاتوقفشي ـ احبابنا ـ مرحبا ونهار سعيد ….(و فتح الله المغاري حجة الغايب ـ خط الرجعة ـ حتى غبت …) وأحمد الطيب العلج (مازال ما قطعت ياسي( والطاهر سباطة ـ )هايلة ـ يا الغايب ـ تلقاوعيني ( ويحسب لمحمد بلخياط أنه قدم لنا زجالا متمكنا وهو محمد رؤوف والذي لحن له الكثير من القطع (راجع لي ثاني بالأفراح ـ ماذا بيا – هذا عاري عليك ـ شباب الأمة مجند ـ سبحان الله ـ سعداتنا بك يا رمضان ـ سعيدة يا بلادي ـ موطن النصر ـ تاج الأصل ـ عرش الوحدة ـ تبارك الله على بلادي ـ مفتاح الخير ـ ولاء الجالية ـ عرس وهدية ….)
تذكرني أعمال محمد بلخياط بالحان محمد بن عبد السلام، فهي حاملة أيضا لنفس شعبي خفيف وهذا ما قربها من الناس، وهي على العموم كذلك زجلية ضف على كل هذا أن محمد بلخياط هو الآخر لم يكن يكرر نفسه بل كان يتجدد في كل لحن وكان يلبس كل قطعة ثوبها النغمي المناسب والمنسجم مع موضوعها ومعانيها.
2ـ دراسته :
يرى الفنان محمد بلخياط أنه تلقى في مشواره الفني نوعين من الدراسة:
الأولى نظرية بالمعهد الوطني للموسيقى والرقص بالرباط بداية من سنة 1967 وتخرج منه سنة 75 19. تعلم من خلالها أصول وقواعد الموسيقى، وهو المعهد الذي سوف يعين فيه كأستاذ لآلة العود،
والثانية عملية وتطبيقية أثناء اشتغاله ببرنامج (مواهب) ، حيث اكتسب خبرة من كثرة الأغاني المغربية والشرقية التي عزفها الجوق مع المرشحين، ويؤكد محمد بلخياط أن برنامج (مواهب) كان بالنسبة له مدرسة ثانية استفاد منها الشيء الكثير، وتفتقت فيها موهبته في التلحين وهذا بفضل الأستاذ المؤطر الفنان عبد النبي الجراري.
بالإضافة إلى التلحين والتدريس كانت لمحمد بلخياط أنشطة فنية متعددة ومن ذلك نذكر: (إعداد وتقديم برنامج فني تلفزي سنة 1979 تحت عنوان : نغم تحت المجهر ـ إعداد وكتابة برنامج للأطفال ( بذور ) سنة 1989 ـ كتابة سيناريو مسلسل : أبواب النافذة سنة 1998 ـ تأليف مجموعة من النصوص الموسيقية لآلة العود والتي اعتمدتها مديرية الفنون بوزارة الثقافة في امتحانات التخرج للأقسام العليا للمعاهد الموسيقية).
لم يكن محمد بلخياط مبدعا فقط بل كان موسوعة في الثقافة الموسيقية ويكفي أن نستعرض ما حصل عليه من جوائز وتشريفات تؤكد تألقه في مجال الموسيقى، فهو حاصل على الجائزة الشرفية في مادة العود، وعلى الجائزة الأولى في مادة التكوين الموسيقي، وعلى الوسام الأول في مادة الهارموني، وعلى الوسام الأول أيضا في مادة “الكونتربوانت”.
تم تكريم محمد بلخياط وتتويجه مرات عديدة (جائزة أحسن لحن عن أغنية راجع لي ثاني بالأفراح من طرف عمالة الرباط سلا سنة 1978 ـ جائزة أحسن لحن عربي في مهرجان الشارقة الثقافي سنة 2001 ـ جائزة العود الذهبي من طرف النقابة الحرة للموسيقيين خلال مهرجان الربيع بمراكش سنة 2003 ـ الجائزتين الأولى والثانية عن أغنية (هذا عاري عليك) و (الله يحفظك) في مسابقة نظمتها الإذاعة الوطنية سنة 2004 ـ تكريم من طرف النقابة الحرة بالبيضاء سنة 2006 ـ تكريم في إطار المهرجان الدولي لآلة العود الدورة 14 بتطوان سنة 2012 ـ تكريم من طرف الإذاعة الوطنية في إطار برنامج (هذه ليلتنا) سنة 2012 …..
أشهر لحن للفنان محمد بلخياط هو (الغربة والعشق الكادي) والتي كتبها علي الحداني وغناها محمد الغاوي:

كي ندير نقاوم هادي، كي ندير نصارع هاديك واش ندير
حيرتين و العمر غادي حيرتين
ولعتين و كاتمهم فيك واش ندير
الغربة والعشق الكادي، ويا قلبي تحاماو عليك
…حيرتي نرجع لبلادي، ريحها دوا و يداوي
كي ندير نقاوم هادي، كي ندير نصارع هاديك واش ندير
حيرتين و العمر غادي حيرتين
ولعتين و كاتمهم فيك واش ندير
الغربة معروف امرها ، الغربة نار قوية
نار قوية تحرق الاغصان
تحط فالقليب جمرها ، لا شفقة بدون احساس نار قوية
كبر صبرك ما يقصرها و جري تخوي بيك الطرقان
كتقهر و من يقهرها ولهلا يبلي بيها انسان
حيرتي نرجع لبلادي، ريحها دوا و يداوي
كي ندير نقاوم هادي، كي ندير نصارع هاديك واش ندير
حيرتين و العمر غادي حيرتين
ولعتين و كاتمهم فيك واش ندير
الغربة و العشق ا ناري زوج حمال انا مولاهم
حبسوني و الدمع ا ناري
و نطل فبابي نلقاهم
الغربة و العشق ا ناري زوج حمال انا مولاهم
والجهد الشكوى للباري لله
يعفيني من شر بلاهم
حرت على من نرمي عاري
ينصفني بالله دواهم ا ناري يا ناري..