…الحب والمعرفة والإيمان الصوفي، هي درجة الإبداع الحق!

…الحب والمعرفة والإيمان الصوفي، هي درجة الإبداع الحق!

رمضان: هذا الشهر الاحتفالي يغيب ليحضر..ويستمر الاحتفال

                        عبد الكريم برشيد

فاتحة الكلام:

رمضان شهر احتفالي بامتياز هكذا عرف هو نفسه، وهكذا عرفناه دائما ولعل اجمل ما في هذا الشهر هو انه قد يتعب بعض الأجساد، ولكنه يريح كل الأرواح، و يحرر النفوس المقيدة و المستعبدة بقيود العادة وهذا الشهر الاستثنائي هو اساسا ساعات اخرى جديدة في اعمار متجددة هو ساعات بعد ساعات تكسر لفنان وما تعودناه، وتتمرد على ما التصق بأجسادنا و بأرواحنا حتى لم نعد نراه، وبهذا فقد كان من مهام هذه الساعات الرمضانية هو ان تعيدنا إلى نفوسنا، وان تعيد نفوسنا الحقيقية إلينا، وإذا كان الاحتفالي، في ادبياته، يعتبر اليوم الاحتفالي، هو الثامن في الاسبوع، فإنه يمكن اعتبار شهر رمضان هو الشهر الثالث عشر من عمر السنة هو إذن شهر اضافي جديد، شهر لا يشبه غيره من الشهور الأخرى التي سبقته، او التي سوف تليه، وهو بهذا شهر جديد ومجدد ومتجدد بشكل دائم و متواصل، هو شهر نستعيد فيه نحن الأحياء اشياء كثيرة من حياتنا ومن حيوتنا ومن حريتنا، وفيه نكتسب عادات اخرى جديدة، ونتمرد فيه على المألوف وعلى المعروف وعلى سلطة الأيام المتشابهة، والتي يكرر بعضها البعض بشكل آلي واليوم، ونحن نحيا هذا الانتقال في حياتنا اليومية العادية، نجد من حقنا ان نقول ما يلي :

غدا هو يوم اخر، وذلك في شهر اخر، وفي عام اخر، في فضاء عالم اخر، وماذا يمكن ان تكون هذه الحياة، سوى هو انها حيوية متدفقة، فيها جديد، وفيها تجديد وفيها اضافات مادية ورمزية؟

كلنا نعرف وندرك، بان الأحياء وحدهم هم الذين يضيفون الى ايامهم السابقة يوما اخر، او أياما اخرى، والذين يضيفون إلى ساعاتهم القديمة ساعات اخرى جديدة وانا اليوم سعيد، لأنني (استطعت) ان اضيف أياما اخرى الى ايامي، وان اضيف عمرا جديدا إلى عمري، وان يكون من حقي ان اقول ما يلي: رمضان جاءنا، او (جانا) كما يقول المطرب محمد عبد المطلب في اغنيته المشهورة، ومع كل رمضان نكمل الدورة العمرية، وندخل دورة اخرى جديدة في اعمارنا ومن طبيعة هذا الشهر الاحتفالي انه يغيب ليحضر، وهو حين يحضر لا يحضر وحده، ولكنه ياتي ومعه الحالات الجديدة والمظاهر الجديدة والأرواح والأجساد والنفوس الجديدة، وهو يعود إلينا ونعود اليه، لنحتفي فيه بجماليات الحياة، ولنحيا الحياة بشكل مختلف وحتى لا اجعل ايام هذا الشهر الجديد، تشبه كل أيام الأشهر القديمة، فإنني سأتوقف موقتا عن هذه الكتابة الفكرية والتاريخية، وسأتفرغ لمشروع فكري و جمالي آخر جديد، وبهذا أكون منسجما مع فلسفتي في التعييد الاحتفالي، والتي لا تتوافق مع التكرار والاجترار حدود السفر الوجودي لا شيء اذن، ثابت وجامد في فضاء الاحتفالية وفي زمنها الشعري، وكل شيء فيها يسافر ويرحل نحو المعنى الأعلى والأبعد، تماما كما يسافر ماء النهر وينتقل، من مكان إلى مكان، ومن حال إلى حال، وليس في حياة الاحتفالي والاحتفالية إلا السفر والرحيل، ويظهر هذا بشكل واضح في الإبداعات المسرحية الاحتفالية، والتي تحضر فيها العربة، وتحضر السفينة، ويحضر القطار، وتحضر الطائرة، ويحضر بساط الريح، ويتم هذا السفر داخل الأمكنة المتباعدة جغرافيا، كما بتم داخل وخارج كل الأزمنة التاريخية، وتحضر في المسرحيات الاحتفالية أسماء مدن كثيرة، ينتمي بعضها الى الماضي البعيد، وينتمي بعضها الآخر إلى الحاضر، مثل بغداد و قرطبة وفاس ولندن وباريس و مدريد، ولهذا الرحيل الاحتفالي معاني كثيرة ومتنوعة، وهي تتجاوز التنقل المادي داخل الجغرافيا، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي ( إنني أرحل بين حدين؛ حد الوجود وحد العدم، وحد البدء وحد الختام، وحد الشك وحد اليقين، وحد الحضور وحد الغياب، وحد الامتلاء وحد الخواء، وحد الضوء وحد الظلام، وحد الحرب وحد السلام، وحد اليقظة وحد المنام، وحد الصحو وحد السكر، وحد الكتابة وحد الكلام ) هكذا تكلم الاحتفالي في كتابه (الرحلة البرشيدية) وهذا بالتأكيد هو ما يمكن أن يجعل السائل ـ القارئ يتساءل: ــ عن أي شيء يبحث هذا الاحتفالي المسافر؟ ــ وباتجاه ماذا يمكن أن يسافر ويرحل؟ ــ باتجاه عالم واقعي حقيقي وتاريخي أم باتجاه عالم أخر حلمي و وهمي و افتراضي و خيالي؟ يمكن أن نقول بأن هذا الاحتفالي المسافر لا يبحث إلا عن نفسه وعن ذاته وعن كينونته وعن هويته وعن عالمه الداخلي الخفي وعن وجهه الحقيقي، والذي قد تخونه أقنعته وملابسه ومراياه الكاذبة، وهو لا يبحث في المسرح وبالمسرح، إلا عن المسرح، وتحديدا عن مسرح آخر ممكن الوجود، وفي ذلك المسرح الآخر، الموجود فعلا، او الممكن الوجود، يبحث الاحتفالي دائما عن الناس الأحياء، ويبحث عن ذلك العيد الضائع أو المضيع في الزمان، والذي يفيد وجوده الجديد، ويفيد فعل التجدد وفعل التجديد، وفي ذلك العيد الاحتفالي، الغائب والحاضر معا، والموجود حقا، أو الممكن الوجود، أو المؤجل الوجود، لا يبحث هذا الاحتفالي إلا عن لحظة فرح حقيقية، أي عن تلك اللحظة الشعرية، الصادقة و الشفافة، والتي ( لا يمكن أن نستعيرها من الآخرين، ولا يمكن أن نبيعها أو أن نشتريها أو نؤجرها، أن نقتبسها من الحيوات الأخرى، أو أن نستوردها من الشروط الأخرى) وهذا ما كتبه الكاتب الاحتفالي في كتاب ( زمن الاحتفالية) والذي صدر عن منشورات افريقيا الشرق بمدينة الدار البيضاء .

ويقول ذلك الاحتفالي الذي التقاه الكاتب الرحالة في رحلته الافتراضية، والذي سأله أين تعيش، وكيف تعيش، واي نوع من العيش تعيش، يقول :

( إنني أعيش وجودا داخل وجود داخل وجود، وأكون ذاتا داخل ذات داخل ذات، وتتعدد العقول بنفسي، وتتعدد العيون في وجهي، وتتعدد الأبواب والنوافذ في جسدي، وعندما أنفعل داخليا، فإنني أترك بالخارج عينا من عيوني لتراني، ولتمنعني من أن أجتاز الخط، وأسأله أي خط، ليقول لي الخط الفاصل بين المحسوس والمتخيل، وبين الشخص والشخصية، وبين الحاكي والمحكي، وبين الفاعل والمنفعل، وبين الجسد والظل، وبين الحقيقي والوهمي، وبين الممكن والمحال) وهذا هو الوجود الحق في الرؤية الاحتفالية الحقيقية، أي أن يكون وجودا متعددا ومتنوعا ومتجددا ومركبا ومعقدا وغامضا وملتبسا وساحرا وعنيفا وثوريا وغريبا وعجيبا ومدهشا ومثيرا ومبهرا ومقنعا وممتعا وشفافا.. وفي هذه الاحتفالية عشق كبير للحياة وللجمال، والذي هو عشق صوفي للظاهر والخفي، في الناس والأشياء، وفيها سعي متجدد لبلوغ درجة الكمال في الحياة وفي الإبداع، وفيها انحياز واضح إلى الحق والحقيقية وإلى الفضيلة، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي الذي يسكن كل الاحتفاليين، والذي نطق بلسان الحكواتي في كتاب (اعترافات الحكواتي الجديد) ولأنه تلميذ نجيب في مدرسة الأيام والأعوام وفي جامعة الحياة، من المهد الى اللحد، ولأنه طالب معرفة وطالب حكمة وطالب حياة وحيوية وطالب حرية، فقد قال لمن سأله : ( لا وجود لمعلم أكبر من أمنا الحياة، ولا وجود لحكيم أكثر حكمة من هذه الأيام، ولا وجود لصانع أكثر مهارة من هذه الطبيعة الساحرة، ولا وجود لمؤلف أكثر غرابة من مولانا القدر، ولا وجود لكتابة أخطر من هذا المكتوب الذي يكتب لنا، أو يكتب علينا، والذي لا يكتب على الورق، ولكنه يكتب على الجبين، ولذلك قال الناس ( ما يكتب على الجبين لابد أن تراه العين) ورد هذا في كتاب ( مرافعات الحكواتي الجديد) والذي صدر عن منشورات ديهيا بمدينة بركان جسد الاحتفالي وروح الاحتفالية في هذا الاحتفالي شيء من كل شيء، وفيه لون من كل لون، وعالمه قائم على الوصل والاتصال، وليس على الفصل والانفصال، وقائم على التكامل وليس على الكمال وقائم على الاتحاد وليس على التضاد، وقائم على التناغم وليس على التنافي، وعلى التفاعل وليس على الافتعال، وقائم على البوح وليس على الكتمان، والاحتفالي الحقيقي، في هذا الكون الاحتفالي، الغني بالألوان و بالأضواء وبالظلال، وبالأشكال والاحجام، هو كائن شرقي الروح والوجدان، وهو أفريقي الانتماء، وهو أندلسي الذاكرة، وهو كردي الهوى، وهو أمازيغي الأعياد والأفراح، ولسانه يمكن أن ينطق العربية أو العاميات أو الكردية او الفارسية، ولكن روحه لا يمكن أن ينطق إلا اللغة الفردوسية، والتي هي ام كل اللغات واصل ومنبع كل اللغات، ومسرحية هذا الكائن الاحتفالي تشبهه بكل تأكيد، تشبهه في الكليات والجزئيات، وفي الشكليات والرمزيات، وهذه المسرحية الاحتفالية هي بالأساس (ديوان الأصوات وديوان الأنغام، وهي ديوان العواطف، وديوان الحالات، وهي ديوان المواقف، وهي ديوان الاختيارات، وهي ديوان المعاناة والانفعالات، وهي ديوان الأنس والوحشة، وهي ديوان الإقامة والرحلة، وهي ديوان العيد والمأتم، وهي ديوان الغربة والمنفى) هكذا قال المفكر الاحتفالي في كتاب ( فلسفة التعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي) والذي صدر ضمن منشورات توبقال بمدينة الدار البيضاء وقبل أن يكون هذا الاحتفالي جسدا، يحيط به سجن المكان وسجن الزمان، فهو أساسا روح ينتمي إلى المطلق، ويؤمن هذا الاحتفالي بأنه ( لا حركة ولا سكون في مسرح الوجود إلا من خلال وجود طاقة محركة داخلية خفية، وأن هذه الطاقة هي دائما طاقة نفسية ووجدانية وروحية بالضرورة) هكذا قال وكتب ذلك الاحتفالي الذي رأى شيئا، وغابت عنه اشياء، وذلك في كتاب ( انا الذي رأيت) والذي صدر ضمن منشورات إيديسوفت بمدينة الدار البيضاء هو إذن، طاقة حيوية خلاقة ومتجددة، وهذه الطاقة هي التي تفكر من داخله، وهي التي تبدع من خلاله، وهي التي تخرج الجديد من جسد القديم، وهي التي تبشر باليوم الجديد، والذي هو يوم العيد، وفي هذا المعنى يقول المسرحي الاحتفالي:

(وعن هذه الطاقة المعنوية المحركة رحت أبحث دائما، وذلك اقتناعا مني بأنها أساس الحياة والحيوية، وأنها جوهر الجمال والجمالية، وأنها مؤسسة العيد والعيدية، ولذلك فقد سعيت في فكري وفني في أن أكون شرقي الرؤية والرؤيا، وأن أبدأ من الأعلى ومن الأبعد ومن الخفي ومن السري ومن الذوق ومن الحدس، وهذا بالتأكيد هو نفس ما فعله كبار المسرحيين الغربيين والأوربيين في القرن العشرين، وذلك من أمثال آرطو وجيرزي غرووفسكي وتشاينا وبيتر بروك وأجينو باربا وآريان منوشكين، والذين أعادوا اكتشاف روح الشرق) نفس المرجع السابق وعن هذا الفنان النبي، بحث جميع الفنانين دائما، وليس عن الفنان التاجر او عن الفنان الأجير الفنان الموظف او عن الفنان الصانع او عن الفنان الآلة الاحتفالي والحلول في المطلق هذه الاحتفالية هي أساسا عشق صوفي؛ هي عشق للذات الكبرى، وذلك في تعددها وتنوعها، وفي كليتها وشموليتها، وفي تمظهراتها وتجلياتها، وفي نسبيتها ومطلقتيها، وهي في معناها الحقيقي مشروع وجود حقيقي يسعى لأن يجد وجوده الحقيقي، في الذوات الإنسانية الحقيقية الأخرى، وفي العوالم الحقيقة الأخرى، وفي الإضافات الفكرية والجمالية الحقيقة الأخرى، اعتمادا دائما على الأرواح الحقيقية الأخرى، وعلى الأدوات والاليات والتقنيات الحقيقة الأخرى، واعتمادا على التصورات والاختيارات الحقيقة الأخرى، وعلى الحالات الوجدانية الصادقة الأخرى، وعلى المقامات في درجاتها الحقيقية الأخرى، والتي هي مقامات ودرجات ممكنة الوجود، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي:

(وإنني، أنا الاحتفالي أقول اليوم لنفسي، وهي تبحث عن جوهرها وعن حقيقتها وعن فكرها وعن علمها وعن فنها وعن طريقها، في عالم الأضواء والظلال، وفي دنيا الأقنعة والألوان، وفي كرنفال الأزياء والأصباغ، أقول لها ما يلي:

ـ ألا تكون هذه الدرجة، في الحب والمعرفة والإيمان الصوفي، هي درجة الإبداع الحق، وهي درجة المبدع الحق، والتي هي درجة الوحدة والشمولية والكلية، والتي ينبغي أن نبحث عنها جميعا؟ نعم، كل الأجزاء المنفصلة عن أصلها تظل ناقصة، وكلها ناقصة بالضرورة، وستبقى ناقصة إلى ما شاء الله، ولا يمكن أن تكتمل إلا بالأجزاء الأخرى الغائبة والمغيبة والبعيدة والمستبعدة والموجودة في المكان الآخر، أو في اللحظة الأخرى.

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية مديرة وإعلامية موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بمغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل و المراسلات:jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *