اسمهان عمور: ستظل تواصل بالكلمة حياتَها..

إعلامية تسهم في تأكيد الانتماء إلى تراث أصيل
قراءة متأنية في مقالات اسمهان عمور
عبد السلام الزروالي
اسمهان عمور عرفت كيف تسلط عين قلمها على واقع موَّار. يعج بالتمايز والتفاوت وكيف تتنقل عذابات إنتظارات المعوزين الكادحين في هذا الوطن إلى القّصِّ الخفيف والإبداع والإعلام بطريقة “المعلمين والمعلمات” الحاذقين والحاذقات والصابرين والصابرات والقانتين والقانتات ” ما جعلها نسيج وحدها كتابيا، ولعل شخصيتها القوية الوقورة وعمق ثقافتها وهدوء طبعها وتسامحها وتواضعها الجم … كل ذلك له أن يكون وراء نجاحها البين. ولفهم التجربة الخصيبة التي راكمتها ، بربطها بسياقها الثقافي الذي يتميز بإيمان عميق بالكتابة المعاصرة والإضافة لأسئلة المستقبل، تكمن فرادة اسمهان في الأفق الذي رسخها للكتابة الإبداعية في بروزها المميز من الواقع عبر القطع مع الأساليب اللغوية القديمة واجتراح التعبير اللغوي الذي يشبهها في عفويتها وصدقها وتفاعلها لمساءلة من حولها.
كتابات اسمهان عمور تجتذبك بأسلوبها الوهاج ، المفعم بالحيوية الذي يأخذك عدوا وانت تلهت بين السطور، كأنك زروق على سطح شلال لا تمتلك أن تتوقف أو تلتقط أنفاسك حتى تبلغ منتهاه. إثر ذلك تجد أنك صرت متملكا لهذه الصور الكثيفة المتتالية ، حتى لتخالها بتفصيلاتها الدقيقة وتداخلاتها المتراكمة جزءا من تجربتك الشخصية وفصولا حية من ذكرياتك.
حين تجلس إليها وهي تتحدث بتدفق وعنفوان، كنت لا تجد فاصلا يحدد الفرق بين أسلوب حديثها وأسلوب كتاباتها كلاهما حالة من الفوران والاحتشاد، حتى وهي صامتة تلمس غيلانها الداخلي، مونولوغات تنتهز فرصتها لتفيض في خط العتبة، وكأن لسان حالها يقول: التأمل في الناس ودراسة تصرفاتهم متعة من المتع الذهنية المحببة. هذا صحيح وتؤكده مواقفها وكتاباتها المليئة بالصور ، والوجود وخبايا النفوس… تعكس مقالات اسمهان أسلوبا في الصحافة يجمع بين الفائدة والمتعة تبغي التبليغ والتوصيل … وظيفة أي كتابة صحافية دون التفريط في الإمتاع والجمالية عبر استغلال الامكانات الابداعية التي تتيحها اللغة العربية. وبالتي فهي كتابة تجترح لغة خاصة في الصحافة خارج الأنماط المرعية.
الناقد سعيد يقطين يعتقد أن الكُـتّاب اثنان لا غير، واحد يكتب بقلمه وآخر يكتب بجوارحه وعقله أما الذي يكتب بقلمه فمهما كان سيالا أو منسابا، سيصل ذات يوم إلى حد الجفاف، ويتوقف نهائيا ويخلد إلى صمت مريع. أما من يكتب بجوارحه وعقله فما دام الدم يجري في عروقه، ستظل الكتابة بالنسبة إليه هي الحياة ، لأنه بها سيحيى وبها يعبر عن حياته، وأملُه أن تتحقق الحياة الكريمة للجميع (انتهى كلام يقطين).
ومن خلال قراءتي لكتابات اسمهان (وما إلا بدايات) تبين لي أنها من طينة الفئة الثانية. أي من الصنف الذي يتملك أولا خاصية الكتابة وفق أصولها الراقية والجميلة، وثانيا ممن يملأ جوارهم وأفكارهم حبُ الوطن والاستمرار في التواصل معه عبر فهم دقيق لقضاياه المختلفة.
اسمهان تسهم في تأكيد الانتماء إلى تراث أصيل من الانجاز الثقافي والإعلامي المغربي. وأعتقد جازما أنها ممن ستظل تواصل بالكلمة حياتَها..
عبد السلام الزروالي