اصدقاء المغرب: Jacques REITZER
جاك ريتزر
نجى من عملية اغتيال بسبب مواقفه
بقلم: أحمد قابيل
جاك ريتزر أحد الفرنسيين الأحرار الذين أفلتوا من رصاص غلاة الاستعماريين عدة مرات، لأنه كان من الأوائل الذين دافعوا عن الشرعية وناهضوا بما لديهم من وسائل ،المؤامرة التي دبرتها الإقامة العامة، ونفذها الكلاوي وعبد الحي الكتاني وباقي القواد والباشوات العملاء الذين وقعوا عريضة يطالبون فيها بعزل السلطان محمد بن يوسف عن عرش أسلافه. ولد جاك ريتزر في المغرب، فارتبط بالأرض وبسكانها :”وصل أبي إلى المغرب سنة 1907 وكان ضابطا، ووصلت أمي سنة 1918 وكانت معلمة، ففي المغرب إذن ولدت أنا وأخي . في كوليج ليوطي بالدارالبيضاء، انسجمت بسرعة مع التلاميذ المغاربة الذين كان لهم “حظ” الدراسة في هذا الكوليج، والذين ظلوا بعد ذلك أصدقاء العمر : عبد اللطيف بنجلون، المهدي بنبركة، عبد القادر الفاسي، علي يعتة، محمد الشرقاوي…” ورث جاك ريتزر الوطنية من أبيه الذي قاوم الاحتلال النازي لفرنسا، فتم اعتقاله وقدم للمحكمة العسكرية، وكان من رفاقه في السجن مانديس¬ فرانس Mendès-France وفانسان مونتيل V.Monteil ،المستشرق المعروف. وقد مات هذا الأب بعد قضاء مدة طويلة في الاعتقال. أما جاك نفسه فقد هرب من قوات فيشي ليلتحق بالقوات الموالية للجنرال ديغول، ويحصل على عدة أوسمة نظرا لبلائه في الحرب وفي المقاومة، منها وسام جوقة الشرف Légion d’Honneur. ولذلك فإنه سيستثمر هذا الماضي الوطني في الحرب والمقاومة، ماضيه هو وماضي أبيه، في معاركه ضد الاستعماريين وأثناء دفاعه عن حق الشعب المغربي في الحرية والكرامة.فحين شددت السلطات الاستعمارية الحصار على محمد الخامس، وطوقت القصر الملكي أثناء الإعداد للمؤامرة الشنيعة التي ستتم يوم 20 غشت 1953، وكانت الصحافة الاستعمارية في المغرب أو الصحافة في باريس توالي نشر تصريحات الكلاوي المطالب بتنحية محمد الخامس عن عرشه، وتقوم بنشر أخبار “تمرد” القواد والباشوات على ملكهم، كان على السلطان أن يبحث عن منفذ يوصل به هو أيضا صوته إلى الرأي العام الفرنسي، وإلى المسؤولين صانعي القرار في باريس، وهنا يتذكر امبارك البكاي ،وكان من الباشوات الذين ظلوا أوفياء لملكهم، صديقه جاك ريتزر الذي يعرفه منذ مدة طويلة، والذي يشترك معه في جمعية قدماء المحاربين، ويتفق معه على ضرورة إيصال رسالة من السلطان إلى رئيس الجمهورية الفرنسية لإشعاره بخطورة ما يقوم به الكلاوي بإيعاز من الإقامة العامة ومن غلاة الاستعماريين، والاستعانة في ذلك بشخصية لها وزنها في الساحة السياسية الفرنسية، وهو بيير كلوسترمان Clostermann النائب في الجمعية الوطنية وأحد أبطال الحرب العالمية الثانية. ويتم اللقاء بين السلطان وجاك ريتزر وبيركلوسترمان يوم 11 غشت 1953، فيبرز لهم السلطان العشرات من الرسائل التي وصلته من القواد والباشوات يقولون فيها إنهم وقعوا على عريضة الكلاوي تحت الضغط والإكراه، ثم يسلمهم رسالته إلى رئيس الجمهورية الفرنسية للتحرك ومنع المؤامرة قبل أن يقع ما لا تحمد عقباه. في نفس المساء، يصل ريتزر وكلوسترمان والبكاي إلى باريس حيث تتم مقابلة رئيس الجمهورية. وفي هذا اللقاء يدافع جاك ريتزر عن الشرعية وعن حق المغاربة الذين تم المساس بكرامتهم : “… إن هناك مؤامرة يقوم بها بعض كبار رجال السياسة، ويستعينون في ذلك بالكلاوي. إن الوجود الفرنسي )في المغرب( لا يجب أن يكون مجرد تحالف للمصالح بل عليه أن يكون إشعاعا لثقافتنا.” لكن ملف المشكلة المغربية لم يكن بيد رئيس الجمهورية الرابعة، فيحيلهم إلى رئيس الحكومة، وهي حكومة ضعيفة ومهلهلة، ولم تستطع أن تقف أمام المتآمرين سواء منهم الموجودين في المغرب أو في باريس. تنجح المؤامرة ويتم نفي محمد بن يوسف وأسرته إلى كورسيكا أولا ثم إلى مدغشقر، ويتم وضع جاك ريتزر تحت الإقامة الجبرية في منزله بالدارالبيضاء بسبب مواقفه السابقة واللاحقة على المؤامرة. لكنه يظل في اتصال مستمر مع محمد الخامس الذي تبادل معه عدة رسائل تخص القضية المغربية، وفي اتصال مستمر أيضا مع الأوساط السياسية والإعلامية في باريس لإيصال صوت المغاربة إلى الرأي العام الفرنسي، من ذلك مثلا أنه أوصل رسالة العلماء المؤيدين لمحمد بن يوسف إلى الصحافة الفرنسية بعد أن فرضت الرقابة على الصحف عدم نشرها بالمغرب. كما يوالي إرسال التقارير تلو التقارير إلى كافة المسؤولين الفرنسيين ليكشف لهم ما كانت الصحافة الاستعمارية تسعى إلى إخفائه، وهو تدهور الوضعية في المغرب
وانتشار حركة المقاومة في كافة المدن، وأنه لابد من القيام بـ “إجراءات مستعجلة حتى يعود الهدوء إلى البلاد قبل أن يستفحل الأمر، وذلك بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإجراء مفاوضات مع محمد بن يوسف”. وهذه الأنشطة جعلته عرضة لعدة عمليات تصفية من طرف غلاة الاستعماريين، فقد وضعت قنبلة تحت سيارته، كما أطلق عليه وابل من الرصاص وألقيت قنبلة على منزله، ولحسن الحظ فقد أفلت من كل هذه العمليات. وحين قرر العمال المغاربة تأسيس نقابتهم المستقلة يوم 20 مارس 1955 تحت اسم “الاتحاد المغربي للشغل” UMT تم طبع وثائق مؤتمرهم في آلات الطبع الموجودة في شركة والماس التي كان يديرها جاك ريتزر. وكان من الأعمال الأولى التي قام بها المغفور له محمد الخامس بعد عودته إلى أرض الوطن، أن وشح صدور بعض من هؤلاء الفرنسيين الأحرار، وكان من بينهم جاك ريتزر. كان ذلك يوم 18 نونبر 1955.
سيشغل جاك ريتزر عدة وظائف ومهام في المغرب المستقل، وحين سينتقل للاستقرار في فرنسا سنة 1980 حيث سيموت سنة 1995 يوصي بأن يدفن جثمانه في المغرب، وقد أقامت له الدولة المغربية حفل تأبين يليق بمقامه وبعطائه للمغرب وذلك بمقبرة النصارى في بنمسيك بالدارالبيضاء. في الذكرى الخمسينية لعودة محمد الخامس (2005)، يوشح المغرب مرة أخرى جاك ريتزر هو والفرنسيين الآخرين الذين ساندوا كفاحه، وسام يتسلمه ابنه هذه المرة وفاء وعرفانا له بالجميل.