خواطر امرأة
كوني عطرا ينعش القلب والذاكرة
أعدي سيدتي لنفسك فنجان قهوة أو كوب شاء منعنع ينعشك واستمتعي به حتى الرشفة الأخيرة ، واحذري أن يكسرك أي غياب ، لأن المكسور لا بد أن يتناثر قطعا تخدش الارض ، واحرصي على أن تبقي دوما قطعة واحدة موحدة ، وإياك أن تصدقي قولهم بأنك كبرت وتحبسي روحك في إطار جسدك ، فما العمر إلا سنين متعاقبة تتوالى معها الهزات والضربات والغيابات ، بينما القلب والروح لا يشيخان ولا تشيب معالمهما ، وانفضي عنك رداء الخمول ، وانتفضي محلقة سابحة في ملكوت المحبة والتفاؤل ، يحدوك الأمل والرغبة في الانبعات والحياة من جديد، وكأنك طائر الفينق الذي يولد من رماده ، واختاري بكل دقة وعناية من ستزرعينهم في قلبك تاركة لهن ولهم فرص استدامة النمو والتفتح ، وبذلك يعم أريجهم كل المساحات التي تتواجدين فيها .
كوني سيدتي ، كل الحقيقة والصفاء والمصداقية، بعيدا عن أي رياء اجتماعي ، وعبري عما يسكنك من مشاعر وأحاسيس، واحتكمي الى عقلك الباطني ولا تخشي لومة لائم ولا لا تكترثي بما سيقال عنك أو في حقك .
كوني سيدتي كما أنت وكفى… لا تعتذري.. ولا تبحثي عن إرضاء أي كان ، إذ يكفيك رضى نفسك على قناعاتك ، وعندئد فان من يريدك لن يرى إلا أجمل ما فيك ، ولا تجري أبدا وراء إقناع الآخر كيفما كان نوعه ، وتحلي بالمواجهة والعزيمة والمصداقية ، وامضي مرحة في دروب الحياة صامدة ، فمن يحبك سيتمسك بك لامحالة ، وقولي مع عميد الاغنية المغربية الموسيقار عبد الوهاب الدكالي : “هاذي يدي ممدودة مدي يدك” ، ومن ترك يدك الممدودة إليه ، أما إن تغافل عنها فما ذاك الا من قباحة عقله وغباوته ، فالسفينة التي أنت ربانها، ستحمل ركابها الأصفياء ، وتنطلق في اتجاه الأمل التجميعي، تمخر عباب الأحداث دون أن تبالي بضربات الزمن ، وتمضي لوجهتها يحدوها الأمل في غد أكثر اشراقا وضياء .
إياك أن تسمحي لأي كان أو كانت أن يسرق منك ثقتك بنفسك ، أو اعتزازك بهويتك وخصوصيتك ، فأنت الشموخ عينه والصمود كله ، وكيف لا سيدتي وانت الكائن الذي نهل من علو الأطالس وصفاء المتوسط وثراء المحيط ، وأناقة الزي المغربي الاصيل وطيبة وطعم الأطباق الشهية . فأنت الخير كله ، والأمل شعاعه والغد المشرق نوره .
ارفعي سيدتي لواء الألق ، واعلني عن كينونتك بابتسامة دائمة حقيقية حتى وإن اختنقت دواخلك بالأسى أو الألم والبكاء ، وارفعي لواءات التحدي والصمود في وجه كل الأعاصير والخيبات ، وكوني قادرة على لملمة حطامك المتناثر جيئة وذهابا بين زوايا العتاب وتجاعيد الغياب وسطوره الحارقة ..كوني سيدتي امرأة تحمي ذاكرتها باستمرار لتنتعش وتحفحف أشجارها لتثمر ويكثر عطاؤها ، وارتدي آلامها وكأنك ترتدين الكعب العالي ، فرغم أنه مؤلم فهو سيزيدك أناقة وجمالا ، لتنبعثي بين الحين والآخر من رمادك كالعنقاء وتتجدد دورة حياتك ووجودك رغم أنوف الآخرين .
ابتسمي وكوني امراة كالربيع القادم يعطي للحياة مذاقا مختلفا عن طعم أيام الشتاء البارد الذي نعيش لحظاته ، كوني كالشمس تشرق بنزق يشبه الجنون، وهي تستعرض أشعتها وتضفي على الأجساد ألقا وعربدة هي في حاجة ماسة إليه .. واصمدي وحاربي، ففي الحياة تقاطعات حبلى بالمسرات الكثيرة والمتنوعة ، واعطي لنفسك حق التمتع بها ، بدء من قهوة الصباح وانتهاء بلمة الأهل حول المائدة أو المسامرة الليلية فبين المتعة الأولى والأخيرة يحضر كفاحك المستمر من أجل العيش والصفاء والمحبة الصادقة والدود عن القيم التي تشبعت بها في دروب مسيرتك الحياتية ، واعطيها كل المعاني والأبعاد التي تستحقها ، وهو ما سيجعلك أكثر فاعلية ومصداقية .
عيشي بالطريقة التي تلائمك واحرصي على أن لا تؤذي قلبك ، وأن لا تغيري طبعك بهدف ارضاء الاخرين ، وإياك ان تستسلمي أبدا ، وارفعي الشعار القائل : قاوم ولا تستسلم ابدا . ولا تتصنعي لتنالي الرضى ولا تسمحي لهم ولهن أن يسحبوك لعواصفهم أبدا ، وكوني دوما أنت اقوى من أن تنكسري ، بل اعملي على جذبهم لهدوئك وكوني كالبصمة لاتشبهي أي أحد ، فمن يقدرك سيمنحك حق الإختلاف وشرعيته لأن هذا الحق وكما يقول الدكتور علي اومليل في كتابه “في شرعية الإختلاف ” أن الحق في الاختلاف الذي يعنينا هو ذلك الذي يعتبر شرطا أساسيا لمطالب التعددية و الديمقراطية وحقوق الإنسان . ويبقى هذا الحق بعيدا كل البعد عن أي إقصاء ممنهج أو إلغاء مجاني خاصة وانت ستستقبلين بعد أيام قليلة السنة الميلادية الجديدة والتي أتمنى أن تكون خيرا من سابقاتها وعلى كل المستويات .
ضعي سيدتي ألمك جانبا وتحدي الآخرين وخوضي غمار الحياة ، وكأنك غصن يانع مهما انحنى لعصف الرياح وهبوب العواصف ، فلابد أن يعود لاستقامته وطراوته ولن ينكسر أبدا ، وتعلمي سيدتي من كل خدوشك وانكساراتك ومن كل ما بقي منك شامخا لتكوني أرضا معطاءة ، تثمر بعد كل انحناء أو سقوط ، كوني شامخة كالصنوبر ، مورقة كأغصان الليمون ، زكية كالياسمين، متفردة كأشجار الأركان ، باسقة كالنخي ، وحتى في غياب الشمس تعلمي أن تصمدي في جليد الأطلس ، وإذا تعالى عليك أي كان فقابليه بالتناسي والإهمال ، بل ادفعي به إلى دائرة التخلي أو ارمي به إلى مزبلة التاريخ .
وإذا ما حدث واستعصى عليك قلب ما ، فكفي عن وصاله، أما اذا تغير عليك أحد فامنحيه نسيانا كأنه لم يكن وانتهى الأمر.
ابتسمي ولا تكترثي ، اغمري دنياك وردا واسلكي طريق التفاؤل والرضا ، وكوني نقطة ضوء في كل ظلام ، فأنت بقوام قصيدة لايقرأها إلا الفصيح ، وابتسمي ملىء فمك ، وحرري مبسمك نكاية فيمن غابوا وانتقدوا و….و….و….. واصنعي حياتك بنفسك ، محافظة على سلامتها ، موثقة ذكرياتها، ولا تنسي أن تأخذي معك في رحلتك هذه قلب الطفلة التي تسكن دواخلك وأنت تكبرين ، تعلمي التفكير بالألوان، وسترين العالم بشكل مختلف ، لن يوقفك أي شيء .. وتابعي سيرك وتحليقك بالدوس على كل الجراح والآلام ، واظهري للجميع أن شموخك وأنت الطيبة والأصلية والإنسانة الأبية بحق والناهلة من أحواض ومنابع الديمقراطية ، المؤمنة بقيم المواطنة في بعدها الشمولي، والداعية الى مشروعية التعدد وارساء مبدأ الحق في الإختلاف وتقدير واحترام الاخر ، كل ذلك حتى لا تنكسري وتختاري لقلبك ما يليق بسمو مقامه وتطلعاته في أفق احتفالك بالسنة الميلادية الجديدة …
كل عام وانت بألف خير سيدتي!
ثريا الطاهري الورطاسي