أهمية حقوق الإنسان في اليوم العالمي لحقوق الإنسان
قضايا حقوق الإنسان مسألة مدنية وحضارية…3/1
لقد انتشر في العقود الماضية ، اهتمام ملفت للانتباه بمسألة حقوق الإنسان لا في مشرق العالم فحسب ، بل حتى في مغربه وغدا معه هاجسا للمفكرين ورجال التربية والسياسية والصحافة ، وسارعت معه المنظمات الدولية إلى تخليد ذكرى الإحتفال بصدور البيان العالمي لحقوق الإنسان ، عندما يحل العاشر من ديسمبر من كل عام ، وهو الأمر الذي يدفعنا في “جريدة ألوان الإلكترونية ” إلى التوقف بعجالة عند هذه المناسبة معتبرين بأن مسألة حقوق الإنسان ليست – في مجملها – وليدة حقبة زمنية محددة بعينها ، كما أنها لم تترتب عن اديولوجية واحدة . فهي قد وجدت نتاجا طبيعيا للعديد من التراكمات المتثالية والمتعاقبة ، لتزيد من أهميتها وقيمتها الديانات السماوية وتعمد إلى إغناء محتواها كحقوق ، هذا في وقت ساهم فيه المفكرون والفلاسفة على مختلف مراحل وعصور التواجد في إثرائها وتنويعها لتغدو بعد ذلك شعارا يرفع في كل بقاع العالم ، تتمناه جميع التيارات والاتجاهات الفكرية والسياسية لأغراضها المختلفة والمتباينة بل والمنسجمة مع النظام العالمي المعيش بمختلف توجهاته ونظراته وهو مايستوجب منا الإدلاء بالملاحظات التالية :
1. الإنسان كائن إجتماعي يتميز بحقوقه، وكلما انتقص له منها حق ، كلما كان ذلك سببا في الانتقاص من كرامته ، بل ومن انسانيته كاملة .
2. الديمقراطية وحقوق الإنسان متلازمتان ، إذ في ظل الأولى تترعرع الثانية وتنشأ ، لتبقى حقوق الإنسان ضمانة للديمقراطية ، ومنه يحق لنا القول بأن من واجب ومسؤوليات المجتمع بشقيه المدني والسياسي ، المساهمة وبشكل جماعي في تكوين وبلورة الرأي العام وتنظيمه بل وحتى توجيهه ليتمسك الناس بحقوقهم كاملة وغير مجزأة ، وحتى يكون الرأي العام بمثابة القوة الضاغطة والدافعة للتغيير في إتجاه الديمقراطية ، وما الإعلام الذي تندرج “جريدة الوان” ضمنه ، إلا احدى الأقنية المسهمة في تطوير المجتمع المدني ومنظومته العامة .
3. وعموما فإن السؤال حول حقوق الإنسان يبقى في جوهره تساؤلا حول المستوى الحضاري الذي لعبته الإنسانية جمعاء ، واعتمادا عليه نقول بأن لكل تحول حضاري أو تغيير اجتماعي تبعاث على المستوى الحقوقي ، مُشَكلة في نفس الوقت تحديا حقيقيا للبشرية جمعاء ، ولهذا فإن كل تحول حضاري يبقى مُعَبِرا عن التطلعات المشتركة والمستقبلية للانسانية قاطبة ، وعن الإقرار بالقيم التي تتصل بحقوق الإنسان وبالديمقراطية وبالتنمية ، هذا الثالوث اللامنفصل والمُشَكًل لقيم حضارية أساسية تتجاوز الحدود وتتخطى الانقسامات وتتمحور حولها ، بل إن مختلف القيم التي تقتضيها وتفترضها إنسانية وكرامة الإنسان ، تصب فيها وتنتهي إليها ، ومن هذه الافتراضات نجد أن حقوق الإنسان تصبح مقياسا لجدارة الدول بالاحترام والتقدير ضمن منظومة المجتمع الدولي ككل .
4. إن المجتمع العربي وضمنه المغربي ، يبقى مجتمعا استهلاكيا بالدرجة الأولى ، والمزود الذي يمده بما هو في أمس الحاجة إليه هو الغرب في معناه الواسع والشمولي والحضاري بالأساس ، فذاك الكائن المخيف تبقى كل أو معظم موادنا التجهيزية ومختلف آلياتنا منه ، ولا جرم في قولنا بحقيقة لا مراء فيها وهي الملخصة في الإقرار بأنه ليس ممكنا عمليا ولا علميا أن يتم الاستيراد وحتى على مستوى الفكر والعلم والثقافة والقوانين والسلوكات ، إذ لو تم ذلك لأصبحنا أمام مجتمع عصري في مظهره وشكله العام ، ماضوي تقليدي في جوهره وماهيته ، وبالتالي ستصيرنا الأوضاع العامة وبعد أزمنة من الأنبطاح والسير التاريخي في دوامة ذاك الغرب ، مجتمعا متحفيا إذا صح التعبير، وأننا إذا عدنا إلى التاريخ الحضاري العربي الإسلامي ، سنجد عطاءات الذات العربية وانجازاتها قد تمت وتحققت بالاستفادة من الآخر في تركيبه ( يوناني ، شرقي ، غربي ، ثم أوربي ) وفي نفس الوقت يمكن أن نلاحظ ، أن الحضارة العربية الإسلامية لم تكن أخاذة فقط ، لأنها أعطت وأنتجت ولو بشكل وصورة مختلفة . كما سنجد أننا كنا محكومين بثنائية لم نخترها ولكنها فرضت علينا جوهريا وتاريخيا وحضاريا ، فترة تميزت بعناصر متنورة للغاية وايجابيات عديدة ثاوية في جوف الذات العربية ، وثمة إنتاج إنساني عقلاني على جانب كبير من الأهمية والمصداقية يقدمه وينتجه الغرب ، لا خيار لنا فيه وفي اعتناقه وتمثله ، حتى غدت اختياراته وقوانينه خاصة في بعدها العالمي ، عاملا رئيسيا وفعالا في حل اشكاليات التنمية والقضاء على التخلف الإجتماعي والاقتصادي والثقافي بشتى تبعاته ورواسبه وكل ما يترتب عنه ، وبالتالي فإن المسألة تتعلق بالدرجة الأولى بتفاعلات علمية وحضارية انسانية في بعدها العالمي والشمولي ، وإن كان لابد لنا من التأكيد على أمر ما ، فسيكون هو الحرص على استنبات منهاج تربوي تعليمي تعلمي يحكمه العقل ويؤازره المنطق ، للمساهمة في خلق مجتمع عقلاني موحد بقوة العقل ، مقتنعا بضرورة بناء المعرفة التربوية الحقوقية التي تهدف العقلنة والتنوير ، ومشبعا بالمعرفة الإنسانية ، المعرفة الخصم لكل الأشكال الانعزالية ، وللتخلف وعدم المسايرة لما يفترضه الظرف الوطني وحتى العالمي في ألفيتنا الثالثة هذه ، خاصة وأننا نفهم حقوق الإنسان على أنها يجب أن تكون مقننة ومضمونة ومحمية من طرف النظام السياسي والفكري القائم بمختلف أجهزته وسلطاته المسؤولة ، واعتمادا عليه فإن قضايا حقوق الإنسان【 ليست مسألة ثانوية تهم رجال القانون وحدهم ، وإنما هي مسألة مدنية وحضارية ، وهي قضية عامة : قومية واجتماعية وأخلاقية ، فهي بذلك حقيقة يجب أن تعيش في أعماقنا وتعايش أفكارنا 】كما يرى بذلك محمد شريف بيسوني في كتاب “حقوق الإنسان” .