أصدقاء المغرب: إيميل لاوست
رائد الدراسات الأمازيغية في المغرب
بقلم: أحمد قابيل
إيميل لاوست هو رائد الدراسات الأمازيغية في المغرب، وأحد الذين استعانت بهم سلطات الحماية في سنّها لسياستها البربرية، لما له من خبرة ودراية بالمجتمع الأمازيغي وبمختلف لهجاته.
ولد بشمال فرنسا سنة 1876، وبعد تخرجه من مدرسة المعلمين، مارس التعليم مدة عامين في منطقته، ثم طلب الانتقال للعمل في الجزائر سنة 1898، وهناك دخل مدرسة المعلمين ببوزريعة حيث تلقى تدريبا مهّده للعمل في الجزائر، فقد كان التقليد إذاك أن يتم إعداد المعلم تربويا وأيضا لغويا، إذ يتلقى مبادئ أولية عن لهجات المناطق التي سيعمل بها، وكذلك عادات الناس وتقاليدهم، حتى يستطيع الانسجام مع محيطه الاجتماعي والثقافي، ومن هنا كانت الانطلاقة الأولى لمسار إيميل لاوست العلمي وبداية ارتباطه بالعالم الأمازيغي، وسيتوثق هذا الارتباط حين تم تعيينه للعمل في منطقة غرداية، حيث تمكن من دراسة لهجة قبائل مزاب مدة ثلاث سنوات، وهي قبائل تعيش وسط الجزائر على مشارف الصحراء الكبرى، ذات لهجة أمازيغية متميزة وعادات وأعراف مختلفة عن غيرها من المناطق الجزائرية، وهو ما جعل لاوست يهتم أيضا بالجانب الاثنوغرافي في دراسته. _اهتماماته اللغوية والاثنوغرافية بالمجتمع الأمازيغي جعل السلطات التعليمية تنقله للعمل قرب العاصمة الجزائرية حتى تستفيد أكثر من أبحاثه، وقد ظهرت له سنة 1912دراسة عن اللهجة الأمازيغية لمنطقة شنوة ومقارنتها بلهجات بني صالح وبني المناصر، وكان نشر هذا البحث ضمن منشورات كلية الآداب بالجزائر تأكيدا لرصانة أبحاثه وجديتها، ولذلك فحين أسس ليوطي في المغرب سنة 1912 المدرسة العليا للغة العربية وللهجات الأمازيغية، تتم دعوة إيميل لاوست للعمل في هذه المدرسة التي ستصبح فيما بعد معهد الدراسات العليا المغربية ابتداء من سنة 1921 والذي سيصبح هو نفسه كلية الآداب بالرباط سنة 1957. وهدف ليوطي من هذا الاهتمام بدراسة اللهجات يتجاوز الهدف العلمي المحض إلى أهداف أخرى ذات طبيعة سياسية، فهو يريد تكوين الضباط والموظفين الذين سيلتحقون بمناطق إدارتهم ونفوذهم وهم قادرون على فهم لهجات السكان الذين يتولون تسيير شؤونهم وقيادتهم. _هكذا إذن يلتحق لاوست بالمغرب ليظل فيه أربعين سنة كرسها للبحث والتنقيب في اللغة والثقافة الأمازيغيتين بتفان ودون كلل ، وأعطانا من كل ذلك العديد من المؤلفات والمقالات والأبحاث التي خلدت اسمه في هذا المجال .كان الفضول العلمي لدى لاوست قويا لمعرفة لهجات المناطق التي لم تخضع بعد للسيطرة الفرنسية، فكان كلما تم تمهيد منطقة من هذه المناطق، بادر للدخول إليها لجمع أكبر كمّ ممكن من المعلومات اللغوية والاجتماعية، ثم يبلور ذلك في مقالات تصدر في مجلة هيسبيريس Hespéris ، وهي مجلة معهد الدراسات العليا المغربية، أو في غيرها من المجلات المختصة._بل إنه كان يقف على خط النار في جبهات القتال مع القوات الفرنسية، وهو ما أشار إليه الجنرال هوري Huré في رسالة بعثها له سنة 1934 وهو العام الذي انتهت فيه كل المعارك العسكرية بعد أن تم إخضاع كل القبائل التي كانت تقاوم :” بسبب طبيعة أبحاثكم التي تباشرونها عن سكان المغرب الأمازيغ ولغتهم، وبسبب قيامكم بتعليم ضباط جنود الاحتلال، وبسبب أيضا المهام التي كلفتم بها في جبهة القتال مع المتمردين، فإنه من المشروع أن نعتبركم من أحسن صناع هذا التمهيد الذي قمنا به في بلاد الأمازيغ”_ عمل إيميل لاوست بجانب المراقب المدني المعروف موريس لوكلى Maurice LEGLAY سنة 1914، على ضبط كيفية إدارة القبائل الأمازيغية في منطقة مكناس، وأيضا على تنظيم المدارس الفرنسية ¬ البربرية الأولى ،كما كان يعطي دروسا لضباط الشؤون الأهلية ، وكانت حصيلة الدروس التي كان يعطيها لتلاميذه في المعهد أو لهؤلاء الضباط، أن أصدر للوجود كتابين مدرسيين عن لهجات الجنوب المغربي والأطلس المتوسط. _كما قام بدراسة للهجة قبيلة انتيفة المغربية، بل تعدى اهتمامه باللهجات الأمازيغية حدود المغرب ليصل إلى واحة سيوة التي تقع غرب القطر المصري حيث مازالت تعيش هناك لهجة أمازيغية.
ربْط لاوست بين اللغة وبين وسطها الاجتماعي، ودراساته اللسانية والمعجمية قادته للاهتمام بحياة الأمازيغ ونمط عيشهم وتفكيرهم ومعتقداتهم، وهو ما تجلى بالخصوص في أطروحته الجامعية والتي هي بعنوان “كلمات وأشياء بربرية ” Mots et choses berbères و في دراسات أخرى مثل” الزواج لدى أمازيغ المغرب” و “أسماء واحتفالات نيران البهجة لدى الأمازيغ في الأطلس الكبير” و “مساكن الرُّحل في الأطلس المتوسط” و “حكايات أمازيغية من المغرب” والذي صدرت سنة 1949.
وقد شملت أبحاثه كل اللهجات الأمازيغية في مختلف ربوع المغرب، سواء الموجودة في الأطلس الكبير ومنطقة سوس، أو التي توجد بالأطلس المتوسط أو الموجودة في منطقة الريف. _إلى جانب أبحاثه العلمية هاته، كان لإيميل لاوست أنشطة أخرى اجتماعية، فقد شغل مدير منظمة الصليب الأحمر، كما كان رئيس اللجنة البلدية لمدينة الرباط. _وإذا كان قد انخرط في السياسة البربرية للإقامة العامة في وقت ما، فإنه من جانب آخر أغنى المكتبة المغربية بالعديد من المؤلفات والمقالات الخاصة بجزء هام من الإرث الثقافي المغربي وهو الإرث الأمازيغي في لغته وألفاظه ومصطلحاته، وحكاياته وأمثاله، وبذلك كان فضله كبيرا في إرساء الدراسات الأمازيغية وفي المحافظة على هذا التراث