خواطر امرأة

خواطر امرأة
الصورة عن اليوم السابع

ثقافة الاعتذار

ثريا الطاهري الورطاسي
        ثريا الطاهري الورطاسي

الاعتذار يعني الاقتناع بالخطأ والعمل بسرعة على تصحيحه ، ويبقى الاعتراف بالخطأ فضيلة والاعتذار عنه خصلة إيجابية أخرى تنضاف لسمو الأخلاق ، وكل ذلك في جوهره يمنعنا من فقدان أحبتنا وأقرب الناس إلينا ، ويحول دون تطور الاختلاف أو الخصومة إلى جفاء أوعزل واعتزال ، فما أقسى أن يصبح  الأحباء غرباء  ،  يسيء الواحد منهن ومنهم إلى الآخرين عشرات المرات ، دون أن يكلف نفسه حتى بقول : آسف أو عفوا أخي وأختي ، ويجرح بعضنا البعض جرحا عميقا ويخجل من اختيار كلمة من قواميس الآسف ، وبذلك  يصنفون ضمن خانات  المكابرين الرافضين للاعتذار والمعتقدين أنهم فئة مثالية يحق لها حتى وإن أخطأت أن لا تعتذر للغير ، وكأنهم من عالم آخر غير الذي نعيش فيه . وعندئذ يجد الواحد منا نفسه مضطرا للتخلص من تلك العلاقات المؤلمة نفسيا وصحيا. ومن هنا أجدني ملزمة بالقول لنفسي أولا ولأحبتي ثانيا: لا تستنزفوا ود الطيبين، ففي غضبهم مالا تقدرون على احتوائه.  فكلمة آسف أو عذرا تبقى بسيطة جدا، ولكنها كفيلة بفتح القلوب وتذويب كل الحزازات المجانية وتمسح عن الروح غبار الحياة اليومية بكل مشاكلها وتجعل الآخر /الأخرى ينسى أو يتناسى كل الوضعيات والمواقف التي حشر فيها بدون اختياره، فيبتسم وكأنه لم يحمل أي هم ولم يتعرض لأي إحراج، فحب الناس والتعامل معهم بألفة ورحمة، هو من القيم السامية التي تدعو اليها مختلف التشريعات السماوية والقوانين الوضعية المتعارف عليها، لضمان حياة هنية بين كل البشر وعبر كل الامتدادات الجغرافية.

وفي المجتمع العربي والإسلامي نجد أن ثقافة الاعتذار قليلة جدا،  إن لم نقل أنها تكاد تندثر بسبب العديد من الخلفيات الثقافية والتربوية المتحكمة في السلوكيات والمسلكيات ، فمعظم الناس يستثقلون نطقها ، تكبرا أو شرا أو بطرا ، ظنا منهم /منهن أن الاعتذار ينال من مكانتهم وينقص من كبريائهم ، بل يحط من كرامتهم و هناك من يعتبر أن الاعتذار عن الخطأ ، ما هو إلا تشجيعا للآخر على التمادي في السلوكيات الحاطة من القيمة ، بغض النظر عن الموقع والمكانة ضمن السلم الاجتماعي ، و حتى عندما يتعلق الأمر بالمخطئ نفسه ، فإنه يحتمي بجلباب الغضب والثوران أو بالضغوطات التي يفرضها ثقل الحياة اليومية . وعموما يبقى كل منا معرض للخطأ في حق الآخرين، لكن طريقة التعامل مع هذا الأمر، هي بيننا مختلفة تبعا لقناعة الشخص وثقافته، فهناك من يحاول تفاديه مبررا موقفه بأفعال تنهل من حوض الكلمات السمحة والطيبة ودون أن يكلف نفسه عناء التلفظ بكلمة آسف أو ما يخدمها من اعتذارات. كما أن هناك نوعا آخر منا يعمد إلى النقص من حجم الخطأ وتناسى أي اعتذار، مسببا بذلك اثارا نفسية سيئة للغير، وإذا ما استحضرنا القول بأن مصير الجسد هو الشفاء مع الوقت حتى ولو أثخنته الجراح وأثقلته، فإن السؤال المطروح علينا يتلخص في التساؤل التالي: ماذا عن آلام الروح التي تتسبب فيها الآثار السلبية؟

وإذا كنا نقول: عذرا أيتها الأحاسيس، فإننا أحيانا نضطر لقتلك ونتخلص منك كي لا تقتلينا، ولا نعتذر لأننا سامحنا مرارا وتكرارا، وعندها فإنا في كل مرة ننقص من رصيد الثقة والحب والاهتمام والاحترام والصبر ….. وما إلى ذلك من الواوات. فإن لم تكونوا من الأوفياء أحبتي، فرجاءً لا تعبثوا بقلوب الأنقياء، خاصة وأن ثقافة الاعتذار تبقى راقية جدا، وبرهانا صادقا للقلوب النابضة بالصفاء والمحبة الخالصة، وكاشفة عن رجاحة عقل صاحبها وأمانته ونزاهته، وتبين مدى التشبع بالقيم الكونية والاقتناع بها، هذا في الوقت الذي يعتقد البعض، أنها إهانة للنفس وحط من كرامتها. وفي الحقيقة فإن الاعتذار عن الخطأ لا يجرح كرامتك ابدا، بل يجعلك تكبر وباستمرار بعين من أخطأت في حقه، وهو بمثابة بداية جديدة للتسامح والصفاء وبناء أجواء جديدة من المحبة بين الناس. كما أن معالجة الأخطاء والاعتذار عنها لا يمكن أن تصنف الا ضمن أروقة الفن الراقي، الأمر الذي يشجع ويدعوا إلى تحمل المسؤولية في الاعتراف بالخطأ المرتكب والاعتذار عنه بالكثير من الأريحية، وليس ضعفا ووهنا أو استسلاما، بل هو العطر الجميل الذي يحول أكثر اللحظات حماقة إلى هدية جميلة مطبوعة بالمحبة والتفاهم. غير أن هذا الفعل/ السلوك لا يمكن أن يقوم به الجميع، بل غالبا ما يتم انكاره أو التنكر له، بل يلجأ الى تفسيره بإلقاء اللوم على الجهة الآخرين، ومعها يعمد المعني بالأمر الى تقمص دور الضحية . ويبقى من باب أولى أن يتحمل الواحد منا المسؤولية، عوض التستر وراء أي شكل من أشكال الانكار، وأن يعمد إلى التشبع بثقافة تقديم الاعتذار تفاديا للدخول في العلاقات السلبية، خاصة وأن نفاذ كلمة آسف أو عذرا إلى الروح الممزقة أو القلب الحزين قد تعيد اليه واليها بعضا من الاطمئنان.

 وقد يلتمس الواحد منا الكثير من الأعذار للمخطئ القريب لأنه يريد المحافظة عليه ضمن دائرة معارفه، عوض أن يخسره ويغض الطرف ويتجاوز رغم ألم الجرح وثقل الخطأ، فيتصل ويسأل وكأن الأمر لم يحدث قط، ويوهم نفسه قائلا بأن ما وقع ليس مقصودا، لأنه يحترم ذاته ويقدر غيره. فالإخلاص فعل خفي لا رقيب له، إلا الضمير والتشبع بالأنيق من الأفكار، رغم أن هناك العديد من الأفعال والسلوكيات التي تتخطى الحدود وتأبى الذات أمامها أن تسامح أو تتنازل، فإنها تستوجب معاقبة أصحابها باتخاذ المواقف الصارمة في حقهم . فحين تجرح أحدا ما، فأنت تدق مسمارا في قلبه ونفسه حتى وإن اعتذرت وأزلت تلك المسامير، فإنك لا تنزع أثرها وستبقى كذكرى مؤلمة جاثمة بثقوبها في ذاكرة وقلب المعني بالأمر.

ومقابل ذلك نقول كم هي جميلة تلك الأرواح الراقية التي تحترم ذاتها وتقدر الغير، تطلب بأدب كبير وتشكر بذوق رفيع وتعتذر بصدق متناه، بعيدا عن أي رياء اجتماعي. فهي بأصحابها تسمو من وضعية الأخلاق المبتذلة إلى متطلبات الأخلاق الرفيعة والمشبعة بالمواطنة الحقة التي لا مجال فيها للجروح أو التهمش أو التنقيص كما تبقى شديدة الحرص على جعل النفس مترفعة عن كل ما لا يليق بالمواطن الصالح.

 إن الاعتذار هو منهج النفوس الطيبة والبلسم الشافي للكثير من الجراح ورغم بساطته، لا يتقنه إلا من كان قادرا على تقبل أعذار الآخرين، ومتسلحا بخلق العفو عند المقدرة، ومتفهما لسلوك المتسامحين الذين يعرفون دلالات قيم الكرامة والصفح وما يدور في فلكهما. ورغم كونه لا يمحو الجرح الغائر، فهو يمنعه من التوسع أو الانتشار، حتى ولو بدا الأمر عصيا على أي إصلاح. ومن باب الحكمة والتعقل ينبغي على المعتذر / المعتذرة أن يجعل اعتذاره بمثل ما كانت اساءته، فالسر بالسر والعلانية بمثلها، اذ لا يصح أن يكون الخطأ معلنا والاعتذار مستورا، لأنه ليس من الإنصاف في شيء، بل الأفضل أن يكون الخطأ سرا والاعتذار علنا، مما يجعل الواحد منا كبيرا بعين من أخطأ في حقه، شريطة ألا يأتي بعد فوات الأوان.

 وقد أخلص إلى القول إن المعتد بنفسه، المكرم لها هو من يصونها ولا يوردها مورد الخطأ كي لا يضطر إلى الاعتذار.

                                                                                                                                                                                      ثريا الطاهري الورطاسي

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com