أقصوصة للدكتور مهدي عامري
قدوة من ذهب
# من الوقاحة أن أعتبر أحداً آخر قدوة لي غير والدي. إنه الانسان الوحيد الذي قدم لي الكرة لأداعبها وشجعني على لعبها و التعلق بها #
:هذا ما فكر فيه حسام و هو يمسك القلم الذهبي الجميل الذي اهداه له والده عندما بلغ السادسة عشرة من عمره. و كان ذلك اليوم بالخصوص مميزا لديه الى اقصى الحدود
. بني.. حسام.. اعرف انك مواظب على الدراسة لكن شغفك بكرة القدم لا مثيل له.. انت تذكرني بمارادونا عندما تداعب قدماك الكرة و حينما تراوغ الخصوم لتسديد الاهداف.. اكمل دراستك على الاقل الى حدود البكالوريا و لا تنس كرة القدم شغفك الاول و الاخير
من النادر جدا ان تجد ابا يتحدث مع ابنه بهذا النوع من تفتح الذهن والافكار في مغرب ثمانينيات القرن الماضي
تقريبا يستحيل
لكن الحاج علي مثال نادر لهذه المرونة و لهذا التواصل الفعال و الطريقة الناجحة جدا في تربية الابناء
في نهاية عام 1978 و في أحد الأحياء الفقيرة بمدينة تافراوت ولد حسام بطل قصتنا.. ربما يكون البطل الاب الحاج علي او هما معا.. تريث قليلا.. لا تشتت افكاري.. و اقرا القصة من الالف الى الياء
من بطل القصة ؟
..لا يهم! انت الذي تحكم
و كان حسام يعيش في كنف اسرة متواضعة جدا و كان والده المسمى الحاج علي يعمل باجتهاد يفوق الوصف لتوفير حياة كريمة لأبنائه. و بالرغم من الفقر الذي كان يعاني منه الحاج علي، كان يظهر دائماً بمظهر نظيف وأنيق، و كان مقبلا على المساجد و الزوايا للمشاركة في الذكر و التنسك و اطعام المساكين، و كان ايضا محبا للعطور و الاناقة في الملبس و المظهر.. و عرف عنه في القرية نظمه للشعر الصوفي باللسانين : العربية و تشلحيت..
وكان الحاج علي يمتلك قلباً كبيراً مليئاً بالكرم و العطاء
و من عادته انه كات يعمل في البناء لمدة 13 ساعة يومياً، وعند عودته إلى المنزل منهكاً، كان يُظهر وجهاً مفعماً بالحيوية والنشاط أمام أبنائه الصغار الذين كانوا يعتقدون أنه كان يذهب في نزهة لجلب الألعاب لهم، ولكن في الحقيقة، كان يبذل جهداً شاقاً لجعل حياتهم أسهل وأفضل
و كانت علاقة الحاج علي بابنه الاوسط حسام متميزة ربما لانه يشبه كثيرا في الشكل و الطباع والده المرحوم الحسين.. و في نهاية كل شهر، كان الحاج علي حريصاً على تلبية جميع احتياجات حسام في لعب كرة القدم، وهو ما أشعل شغفه بالساحرة المستديرة على مر السنين
و مرت الاعوام بسرعة البرق و مع مرور الوقت، أصبح حسام لاعب كرة قدم موهوباً، وكان يحلم بأن يصبح مثل الأسطورة مارادونا. و حالفه الحظ سريعا و احترف مع ريال مدريد و سطع نجمه و سجل للريال عشرات الاهداف و ابهر الشرق و الغرب بلعبه النظيف و الانيق و روحه القتالية و المتسامحة في الوقت نفسه في لعب كرة القدم
وذات يوم سُئل حسام في لقاء تلفزيوني مع احدى القنوات الاسبانية عن قدوته في كرة القدم، و هنا لم يتردد لحظة في التصريح ان والده هو قدوته الحقيقية
…نعم.. والده الحاج علي ! و ليس مارادونا او بيلي او بيكنباور
ولم يفاجىء هذا التصريح سكان القرية بل بالعكس : اطرب فؤادهم و غمرهم بالغبطة و السرور
!!فالمرضي لم ينس اباه و هذا العرفان من شيم المسلمين و المغاربة الاحرار
و بالفعل، كان الحاج علي اكثر من والد، لقد كان مثالاً حيا و متحركا للتضحية والتربية الصالحة و العناية بالاسرة
و كان الحاج علي يعود كل يوم إلى المنزل مبتسماً، ويقول لأبنائه أنه كان في نزهة. ولكن حسام كان يدرك الآن، بعدما كبر، كم كانت تلك النزهات شاقة وصعبة.. لانها ببساطة تلك الساعات المديدة التي كان يقضيها والده في اوراش البناء و اكوام الغبار تلفه من قمة الراس الى اخمص القدمين
وبالتالي، عندما تقدم حسام في السن و تجاوز الثلاثين، بدأ يولي اهتماماً أكبر لوالده، ويعامله برعاية وحب يفوقان احيانا ما كان يقدمه لأبنائه عمر ويونس والياس
وذات يوم، في عيد ميلاد الحاج علي السبعين، قرر حسام وأخوته إعداد مفاجأة كبيرة له فجهزوا تورتة عيد ميلاد كبيرة تزن 33 كيلوغراماً، وكتبوا عليها “و بالوالدين إحسانا” و دعوا جميع الجيران والأصدقاء للاحتفال بهذا اليوم الخاص
وعندما رأى الحاج علي التورتة العملاقة و الاحتفال الضخم الذي أعده له أبناؤه، اغرورقت عيناه بالدموع
لم يكن هذا مجرد عيد ميلاد، بل كان تكريماً لكل التضحيات التي قدمها طوال حياته من أجل عائلته
:و ما زال حسام يتذكر جميع تفاصيل هذا اليوم الخالد و اكثر شيء علق في ذاكرته والدته التي قرصته بلطف في خده و مسحت بيمينها على شعره مداعبة و هي تقول
. ان حبك الجارف لوالدك يا حسام يساوي أوتوماتيكياً حبك لي، فأنا قطعة من والدك و جزء لا يتجزا منه.. من والدك يا حسام تعلمت الطيبوبة و الحنان منذ زواجنا بتافراوت و انتقالنا للسكن فيما بعد الى ايمي ودار .. صحيح ان السنوات الاولى لزواجنا كانت صعبة و لكن الحب كان و لا زال حاضرا بيننا و هو الذي صنع في حياتنا كل المعجزات.. ان هذا الحب بلا حدود… انه بعدد نجوم السماء والكواكب و ذرات الماء و الرمل في الكون