11 تطريزات تاريخية رقم

11 تطريزات تاريخية رقم

الليبيات كن محاربات ولم يكن سيدات

: هامش للتقديم
خلال الحرب الليبية الإيطالية 1911- 1943 ، تم القضاء على المؤسسات التي شيدت بجهود أهلية عبر إقصاء للنخبة المتعلقة والواعية أو ابعادها عن أرض الوطن ، كما حوربت الحركة السنوسية بمختلف زواياها ومعاهدها التعليمية ، وتم القضاء أيضا على المؤسسات السياسية التي شيدت إبان الحكم العثماني من مدارس ومعاهد فنية وإدارية ، وتم القضاء على المنابر الوطنية التي كانت ممثلة في الجمهورية الطرابلسية وهيئة الإصلاح المركزية بمؤسساتها وعلمائها ومنابرها الإعلامية ، ولم يشفع لها التعبير عن مطالب الناس وحاجاتهم. وبحسب الاستاذ علي عبد اللطيف أحميدة ، لم يبق من هذه المؤسسات سوى المساجد وبعض زوايا التعليم الديني والعائلة والقبيلة …..
هذه الترتيبات جعلت العلاقة مشوبة بالحذر والعداء بين الدولة المركزية والثقافة الشعبية التي تنظر إلى الدولة الغربية برهبة شديدة نتيجة لما أحدثته من دمار شامل متعمد خلال الحرب ….. وشهدت هذه الفترة الاستعمارية حرب إبادة ، هدفها إزاحة الليبيين عن أرضهم وتوطين الايطاليين، وادعاء الحق التاريخي في إعادة روما وامبراطوريتها بواسطة الفاشية الإيطالية وأساليبها الاستعمارية . غير أن كفاح الليبيين استمر ما يزيد عن العشرين سنة وكان كافيا لمواجهة الاستعمار واحباط مخططاته بالمقاومة المحلية وأبطالها من الرجال والنساء في الأرياف والمدن ، وفي هذا الإطار لعبت المرأة الليبية …. أهم أدوارها ورسمت ملامح هويتها عبر مشاركتها في حرب التحرير الوطني ضد قوة الغزو الإيطالي، وشاركت مباشرة في القتال ودعم صفوف المحاربين والمجاهدين ، ومرافقتهم لخدمتهم، وتوفير العون المادي والمعنوي لهم . ومنذ ذلك الوقت سيظهر مصطلح (النفاقة) في الثقافة الليبية للتعبير عن النساء اللاتي تركن بيوتهن لتوفير الدعم لصفوف المحاربين والمجاهدين من أجل خدمتهم والقيام بمختلف الأدوار التي يكلفن بها في تنظيم حركة الجهاد ، فطالتهن حملات الاعتقال والنفي خارج الوطن
وقد عبر الإيطاليون أنفسهم عن نضال الليبيات ضدهم ، مما جعل أحد مؤرخيهم يكتب قائلا : الليبيات كن محاربات ولم يكن سيدات . ومن الأسماء المشهود لهن بذلك نذكر : صالحة الطويلية – ام الخير – سالمة الفخارية – فاطمة العبارية
وقد ارتأينا أن نتوقف في هذه الورقة عند السيدة فاطمة العبارية

فاطمة العبارية الليبية

:هي المجاهدة الليبية فاطمة أمحمد سليمان الشيلابي العبار
من مواليد منطقة قصرالشريف ببنغازي في عام 1904 وهي ابنة المجاهد أمحمد العبار ، أحد مقاتلي المجاهد الكبير أحمد الشريف . وتعرف باسم عائلتها ويقال لها فاطمة العبارية ، كما تعرف باسم قبيلتها ويقال لها فاطمة العقورية . وقد رافقت شيخ المجاهدين عمر المختار في معارك الجهاد واعتبرته البطل الأعلى في الجهاد ضد الطليان
وللأسف فإن هذه المرأة لم تذكرها قصص التاريخ ولا يعرف قصتها الكثيرون، وكان قد شهد لها بنضالها الكاتب الليبي عبد الله صالح جمعة في كتابه : عظماء بلا مدارس
لقد شهدت فاطمة العبارية العديد من المعارك وقامت بتشجيع المجاهدين ، وتنقلت بين أدوار الجهاد المنوطة بها و شاركت في توزيع الذخائر والماء على المقاتلين وأسعفت المرضى وعملت على نقلهم إلى الأماكن الامنة ، كما واكبت أحداث الجهاد ووثقتها في أشعارها وأشادت فيها بأمجاد وبطولات المجاهدين قادة وجنودا . وتحدثت عن خساسة ونذالة العملاء الخونة الذين انضموا إلى صفوف الأعداء كجواسيس أو كجنود مثل العميل المعروف باسم عنتر والذي كان يتولى رئاسة فرقة الشناوير المكونة من المجرمين والمنبوذين في المجتمع ، وكان هذا العميل الطاغية يتنقل بين قرى القيقب والأبرق والنجوع المجاورة ، ويقوم بسلب أموال الناس وممتلكاتهم وجيادهم الأصيلة ، وعندما استفحل شره وضج الناس من ظلمه ، كلف شيخ المجاهدين عمر المختار بوضع حد لطغيانه وجبروته وأسندت هذه المهمة لمجموعة من المجاهدين ، وقد كمنوا له ورفاقه وتمكنوا منه ، وقد وثقت المجاهدة فاطمة هذه الواقعة في إحدى القصائد التي لم يبق منها سوى مقطع صغير تقول فيه

【 قتلة عنتر في الخيل ! يزر أيزيد فخر 】
وأمام تزايد المد الجهادي الليبي عينت ايطاليا المارشال غراتسياني حاكما لليبيا وكلفته بإنهاء ثورة عمر المختار ، وفي يوم 15 – 9 – 1931 عقدت للشيخ محاكمة صورية ، وبعد ساعة تحديدا صدر في حقه حكما بالإعدام شنقا حتى الموت . وفي صباح يوم الأربعاء 16 سبتمبر 1931 وهو اليوم الموشوم في الذاكرة العربية عامة بمداد الفخر . اتخذت جميع الإجراءات والتدابير اللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم ، وأحضر الايطاليون جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران ، و20 ألفا من الأهالي وجميع المعتقلين السياسيين من أماكن مختلفة لمتابعة اطوار تنفيذ الإعدام ، وأحضر المجاهد المسن عمر المختار البالغ من العمر آنذاك 73سنة مكبل الأيدي وعلى وجهه ابتسامة الرضا بالقضاء والقدر ، ثم بدأت الطائرات تحلق في الفضاء بأزيز مجلجل حتى لا يتمكن عمر المختار من مخاطبتهم ، وفي تمام الساعة التاسعة صباحا سُلم الشيخ إلى الجلاد وكله ثبات وهدوء ، فوضع حبل المشنقة في عنقه، وقيل عن بعض الناس الذين كانوا على مقربة منه أنه كان يأذن في صوت خافت أذان الصلاة ، وقال بعضهم انه تمتم بالآية الكريمة【 يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية ليجعلها مسك ختام حياته البطولية . وقد علت أصوات الاحتجاج ولم تكبحها سياط الطليان ، فصرخت فاطمة العبارية قائلة
على بركة الله ، وانطلق صوت زغرودتها مثل صوت أسراب الطيور الجارحة يكسر جدران الصمت والخوف ، عندما علا الشيخ شامخا مشنوقا ، فوصفها الطليان بالمرأة التي كسرت جدار الصمت

وقد احضرها الحاكم العام المارشال غراتسياني بعدما علم بالأشعار التي نظمتها في عمر المختار مشيدة بشجاعته وبطولاته في خوض المعارك وعزة نفسه وقوة يقينه ، فأحضرها مع المترجم وطلب منها أن تعيد عليه ما قالته ، وكان من ضمن ما أعادته هذا المقطع
!نتي ياجارة جاك النوم انسيتي عدادين اللوم ؟
ها الشايب عصران أيطرطس مابي لسلوم
ها الشايب ما يقول أبطلنا من عركة يوم على يوم
فقال لها : سأشنقك عقابا لك على هذا القول . فأخذت تظهر الفرح وصاحت بإعلان سعادتها بذلك . فقال لها متعجبا : كيف تفرحين بهذا الشكل وأنت مقبلة على الموت شنقا ؟ فقالت له فيثبات وفرح : وهل هناك أعظم من الاستشهاد في نفس اليوم الذي استشهد فيه عمر المختار؟
فيأس غراتسياتي منها وتركها وانصرف . وللذكرى والتاريخ فإن هذا الحاكم الإيطالي تعرض لإهانة كبيرة في آخر أيامه وحكم عليه بالإعدام، ثم خفف إلى الحكم عليه ب 19 عاما وذلك بعد سقوط أسقف طرابلس ، وذلك لتعاونه مع النازية الألمانية، وبعد خروجه من السجن عاش وحيدا في مكان منعزل ، وتعرض لحالة من الاكتئاب جراء التجاهل والإهمال الذي أعقب حياة السلطة والجاه والشهرة والأضواء
ومنذ ذاك الوقت أضحت فاطمة العبارية رمزا للمقاومة والبطولة التي تجسد شجاعة الليبيين عامة في مواجهة القمع الاستعماري ، ويشاع انها حملت السلاح  بعد ذلك وانخرطت في المقاومة
ولقد ظلت قصتها راسخت في الذاكرة الليبية ، وتوارثتها الأجيال كرمز نسائي وطني ، وتم تخليد ذكراها من خلال العديد من الأعمال الفنية والأدبية بما في ذلك فيلم عمر المختار للمخرج السوري المرحوم مصطفى العقاد ، وجسدت شخصيتها البطولية النجمة اليونانية !يرين باباس

وقد انتقلت هذه المجاهدة والشاعرة فاطمة امحمد سليمان الشيلابي العبار إلى جوار ربها في يوم 10 – 4 – 1996 بمنزل أخيها عياد سليمان أحمد الشيلابي العبار ، رحمة الله عليها وشيعت بالتجلة والمكرمة إلى مثواها الأخير بمقبرة سيدي عبد الله ببلدة بنينة

:من المعينات المعتمدة نورد ما يلي
المكتب الإعلامي لمجلس عائلة العبار .Facebook 28 – 9 – 2019
علي عبد اللطيف أحميدة . المجتمع والدولة والاستعمار . مركز دراسات الوحدة العربية . بيروت 1998
أم العز علي الفارسي . المرأة الليبية وحراك الرائدات . منصة أثر 23 يناير 2022 

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com