الرجل الذي يعرف نفسه

الرجل الذي يعرف نفسه

…التصالح مع الذات يساوي حرفيا قبول نقاط الضعف

د. مهدي عامري *

أن تكون انت الانسان الذي يعرف نفسك معناه الوحيد أنك خضت تجارب الحياة بكل ألوانها و اشكالها، انك مررت بمراحل النعيم والشقاء، و عايشت السعادة والبؤس، و عرفت الفرح والحزن، و جربت الانهيار والنهوض، و الاقلاع من جديد، كسرب من الطيور انبعث من رماده بقدرة القادر الصمد و صار يحلق في الاعالي… رجاءً، توقف لحظة ! لا تطلب مني أن أحلل شخصيتك وأقدم لك الترياق، فأنت تعرف ذاتك أفضل من أي شخص آخر، وأنت طبيب نفسك. هناك من يمضي بياض نهاره و سواد ليله في البحث عن الوصفة السحرية للارتقاء إلى معارج الكمال.. عن أي كمال تتحدث أيها المجنون؟ الكمال لله وحده، وأقصى ما يمكن للإنسان أن يصل إليه من كمال هو التصالح مع الذات

أتذكر فيلسوفًا قال مرة: “من عرف نفسه فقد عرف ربه”. ربما كان ابن عربي أو غيره، لا يهم الاسم بقدر ما يهم المعنى. أن تعرف نفسك يعني أن تفهم ضعفك وقوتك، أن تدرك حدودك وتتعرف على طاقاتك، أن تتصالح مع كل ما فيك من تناقضات. أدعو الله العلي القدير أن تكون و انت تطالع هذه السطور قد عرفت نفسك وتصالحت معها.. لا تستعجل.. ان لم تكن قد عرفت نفسك الى حدود هذه اللحظة فما زال امامك متسع من الوقت.. لكن، امض و توكل في الرحلة العجيبة و الساحرة لمعرفة الذات دون ان تتاخر في الانطلاق.. ان هذه الرحلة تساوي حرفيا سلامك الداخلي و سعادتك الحقيقية. ففي هذا العصر المليء بالضجيج المنظم، يصبح البحث عن الذات رحلة تستحق أن تُخاض، ومغامرة تستحق أن تُعاش بكل تفاصيلها، من قبل حضرة الانسان المحترم.. من طرفك و باستعدادك ايها الانسان.. جميل.. لكن، من هو الانسان ؟

الإنسان كائن مركب و معقد، تتجاذبه و تتقاذفه الأضداد و تعشش في وعيه و لاوعيه التناقضات.. تلك هي طبيعة البشر، وهي التي تجعل الحياة رحلة مليئة بالتجارب والتحديات. لست وحدك من ارتمى بجسده و قلبه و عقله و روحه في معترك الحياة… كن واثقا.. لست وحدك.. جربت المال والفقر، عرفت كيف يكون الجيب مليئًا بالنقود وكيف يكون فارغًا، و تبين لي ان المال ليس سوى وسيلة، وليس غاية، و انه مهم و يوفر الراحة، لكنه ليس معيارًا للسعادة، بل ربما يكون أحيانًا مصدرًا للشقاء. جربت السعادة والحزن، الفرح والبؤس. و في لحظات السعادة، شعرت بأن الدنيا بأسرها تضحك لي، وفي لحظات الحزن، شعرت بأن كل شيء يتآمر ضدي. لكنني أدركت في النهاية أن كلا الشعورين عابر، وأن الحياة مزيج منهما… انها يا صاحبي خليط من اللذة و الالم، السلام و الندم، الوجود والعدم… اسمعني جيدا

لا يمكن أن نعيش حياة خالية من الحزن، كما لا يمكن أن تكون السعادة مستدامة. شخصيا، جربت الانهيار والنهوض، الانكسار و الصعود، و ما زلت في ساحة الوغى اجرب، و اجرب، و اجرب… الانهيار ليس نهاية العالم، بل ربما يكون بداية جديدة و فرصة لإعادة البناء على اساس أكثر صلابة و متانة.. صدقني : النهوض بعد السقوط هو أعظم دليل على قوة الإرادة وصمود الروح، و الحياة تعلمنا أن النهوض بعد كل سقوط هو ما يجعلنا أقوى وأكثر حكمة. الحديث معك ماتع شيق ذو شجون و قبل ان استودعك الله، اعلم ان الكمال لمولانا وحده، و ان الإنسان بطبيعته ناقص، و انه يسعى باستمرار للارتقاء و العروج في مراتب الكمال، لان الله تعالى خلقه على صورته… و لعل أقصى ما يمكن أن يصل إليه الانسان في حياة ارضية سفلية تمتد ما شاء لها الله ان تمتد هو التصالح مع نفسه، فعندما يتصالح الإنسان مع ذاته، يعيش في كنف السلام الداخلي، ويشعر بالرضا و الطمأنينة، بما يعني ان التصالح مع الذات يساوي حرفيا قبول نقاط الضعف و العمل الجاد و اليومي على تعزيز القدرات

* كاتب و استاذ باحث المعهد العالي للاعلام و الاتصال، الرباط، المغرب*

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com