9 تطريزات نسائية رقم
الشهيدة عدجو موح : لبؤة بوغافر وانتقام من الاحتلال الفرنسي
:استهلالات أولية للبدء
لعل اصدق شهادة في حق الدور الذي لعبته المرأة في حركة المقاومة المغربية ، هو ماجاء في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الخامسة عشر لثورة الملك والشعب ، حيث قال : ان النصر لم يحالف أمتنا إلا لأن نصفها الثاني لم يبق بمنزل عن الكفاح ، فقد خاضت أمهاتنا وبناتنا غماره بايمان صادق وعزم ثابت لم تنل منه السيطرة والسطوة ، ولم يثنه العنف والقسوة، فأسهمن في العراك بالنصيب الموفور ، وأبدين من الشجاعة والشهامة والاقدام ماهو معروف ومأثور
أن تاريخ المرأة النضالي يبقى مرتبطا بتاريخ الرجل ، فهما معا ساهما في صنع أحداث الماضي ، غير أن دور المرأة لايظهر بجلاء فيما هو مكتوب عن تاريخ المقاومة فيما يخص دول المغرب العربي ، وحتى حينما تتم الإشارة إلى بعض ادوارها ، فإن ذلك يتم باقتضاب كبير، وكل مايدعيه الناس نقصا في المرأة عن مستوى القدرة الموجودة عند الرجل فليس إلا من آثار ماصنعته أجيال الاضطهاد وعصور الانحطاط. وأن المرأة لقادرة إذا ما تركت وشأنها أن تصل للقيام بجلائل الأعمال ومهمات الأمور(علال الفاسي كتاب النقد الذاتي . ص 229)
إسهاما منا في التعريف ببعض من الأدوار الطلائعية التي قامت بها النساء في تاريخية المقاومة المغربية ، ارتأينا أن نحط الرحال عند ثائرة جبل صاغرو ، لبوءة بوغافر وشهيدة ايت عطا باعتبارها النموذج الأمازيغي المشرف للمقاومة المغربية
:عدجو موح
هي من مواليد ايت معرير ، قبيلة ألمشان بالجنوب الشرقي المغربي ، ولدت حوالي 1905 ، وتزوجت من السيد لحسن نايت موح المنحدر من نفس القبيلة ، لأن ساكنة ايت عطا لا يتزوجون الا فيما بينهم للبقاء أنقياء – وهو ما ورد في الكتابات التي تناولت التاريخ الأجتماعي والسياسي لأيت عطا – وقد هاجرت معه نحو منطقة بوغافر ، تلبية لمنادٍ نادى في الأسواق والمداشر أن هبوا إلى محاربة النصارى الفرنسيين
ويقال عنها أنها كانت ذات جمال وحسن ملفت ، اهتمت منذ البداية برعاية والدها حماد نايت خويا علي ووالدتها خيرة . وكانت كغيرها من نساء مختلف القبائل المغربية تخدم ضمن صفوف المقاومين وتساندهم في الدود عن حوزة الوطن إما بواسطة الزغاريد المشجعة أو بعض الأشعار المحمسة ، والتي تعتبر بمثابة السلاح النفسي الذي يبعث على الثورة والتحدي ورفض الاستسلام، فضلا عن توزيعها للدخيرة على رجال المقاومة ، وتقديمها لبعض الاسعافات للجرحى ، بطرق تقليدية قوامها استعمال الأعشاب ، نظرا لغياب الأدوية ، كما كانت تعمد الى تلطيخ جلابيب المتراجعين من المعارك ، وكانت تحمل بعض الجرحى إلى المخابيء والكهوف ليلا حتى لا يعثر عليهم العدو ، كل ذلك بمساعدة الكثير من نساء منطقة صاغرو أمثال : تالمشيت – لابزة أحمد – أوت عيسى وإبراهيم – لا خيرة موح أوت بُوداود ، وغيرهن من نساء مناطق درعة و تزارين وأنيف وتودغى
وقد ظلت تلعب دورا طلائعيا يجمع ما بين اعداد الطعام للمقاومين وسقيهم ، غير مبالية بنيران المدفعية الفرنسية والقصف العشوائي للطائرات الذي كان يستهدف آبار وعيون المياه ، لدرجة ان كبار الضباط والمسؤولين العسكريين أعجبوا ببسالتهن ووصفنهن بالصامدات المتشددات والقادرات على المقاومة اكثر من الرجال- وهو ما أوردته هسبريس تعودت في عددها 35 الجزء 2 .صص 73 _ (93 ))
وعند اقتناص أحد المقاومين لأشهر عسكري من جيوش المستعمر المسمى هنري دو لاسييناس دو بورنازيل ، المعروف بالرجل الأحمر في يوم 28 فبراير 1933، أمر الجنرال الفرنسي كاترو بالقصف العشوائي غير المقطع الذي ذهب ضحيته العديد من المجاهدين الرجال والنساء وحتى الأطفال ، وكان من بينهم زوج عدجو موح الذي استشهد أمام عينيها فتحولت من امرأة وديعة إلى لبؤة غاضبة ، فانتزعت بندقية من ذراع أحد الشهداء وتحولت من دائرة المساندة والدعم إلى حيز القتال ومجاورة الرجال في جبهات القتال ، وقد ساعدتها معرفتها الدقيقة بشعاب وقمم بوغافر على اختيار مكان مناسب اتخذته قلعة منيعة لها ، الأمر الذي سهل عليها اسقاط الكثير من جنود الاحتلال، ولما رأت ذات صباح قدوم فرقة مختلطة من الجنود الفرنسيين ورجال الكَوم ” ثلاثة نقط فوق حرف الكاف ” تتسلق إحدى الشعاب في اتجاه حصن جبلي يحتمي به بعض المقاومين ، أشارت إليهم بألا يحركوا ساكنا حتى يصعد اخر جندي ، وما أن تيقنت بأن ازيد من 200 عسكري يقتربون من إحدى القمم حتى سارعت بزحزحة صخور كبيرة وجعلتها تتدحرج محدثة صوتا كالهدير وأخذت الحجارة الكبيرة تدوس الجنود ولم تبق منهم حيا ، ومنذ ذلك اليوم ازدادت شهرتها وتجاوزت الآفاق، لدرجة أنها وصفت فيما بعد بانها مهندسة حرب ، بابتكارها خطة دحرجة الصخور على جنود الاستعمار ، الأمر الذي دفع ببعض كبار المسؤولين الاستعماريين كالجنرال انطوان هوري وغيره إلى الحديث عنها ، وعما كانت تزرعه في صفوف قواته من قتل ورعب ، بقوله : كانت نساؤهم يسهرن على تجميع المنعزليين وتوزيع الدخائر كما كن يأخذن المصابين إلى المخابىء ، ويدحرجن على المهاجمين صخورا تزرع الموت حتى قعر الوادي
لم تعش عدجو موح بعد ملحمة بوغافر إلا شهرا واحدا فماتت حزنا على زوجها ، في مارس عام 1933 ، وبذلك حلت خسارة كبيرة بالمقاوميين ، ومن المؤسف له أن ليس لها قبرا معروفا لانه لم يكن للمقاومة اي وقت لدفن شهداء المعارك الذين كانوا بالآلاف ، فكانوا يعمدون إلى طمرهم بشكل جماعي في مقابر تعرف باسم أكَرن وجمعها اكرنان ، وتبعا لبعض الرواة فإنه والى وقت قريب كانت جماجم القتلى منتشرة في جبال وقمم بوكافر ، مع قنابل يتجاوز طول بعضها المتر . وأمام هذا التهميش تعالت أصوات الكثير من أبناء المنطقة ومن خارجها للمطالبة برد الاعتبار لهؤلاء الشهداء والشهيدات بتمكين مناطقهم من التنمية الحقيقية ، واستفادة من بقي منهم على قيد الحياة كغيرهم في باقي المناطق الأخرى من بطائق المقاومة ، وإطلاق أسمائهم على الشوارع والمؤسسات والاماكن العمومية اعترافا لهم بما قدموه من تضحيات جسام، بل ان منهم من ذهب إلى حد مطالبة فرنسا بالاعتذار لساكنة المنطقة من جراء ما ارتكبته في حقهم وحق اجدادهم من جرائم فضيعة ، وابادة شبه جماعية – وهو ما أوردته “جريدة هسبريس الإلكترونية بتاريخ 11 مارس “2011 تحت عنوان : متى تعتذر فرنسا لقبائل ايت عطا ؟ –
وخلاصة القول انه لولا عشرات القصائد الشعرية والمرثيات التي قيلت في الشهيدة الأمازيغية عدجو موح، لما تعرف عليها الباحثون ، ومنها نستحضر مقتطفات مترجمة لقصيدة نظمها شاعر يدعى بادا ومسعود يقول فيها
سأروي قصتك يامعركة بوكافر
ساحكي أحداثك وأحزانك كي لا تنسى
أقسم أن افراحنا ومسراتنا اختفت
وأن ضحكتنا أقبرت منذ استشهدت عدجو موح
يا من حملت السلاح وواجهت وقاتلت الفيلق الأجنبي
بكل شجاعة واستماتة يستحيل وصفها
فأنت الوحيدة التي كنت تخفيفين من أحزاننا ومآسينا
بحملك للسلاح وسط الفتيان في بوكافر
أنعيك اليوم وأنع أصحاب السروج النحاسية
في ختام هذه الوقفة ، نقول بضرورة تجميع المعطيات المتعلقة بهذه المرأة التي تحولت في معركة بوغافر إلى وحش كاسر في وجه فلول المستعمر وغيرها من نساء المقاومة المغربية ، للتعريف بهن ومواقفهن والادور التي قمن بها ، والتي لا تقل في شيء عما قام به رجال المقاومة
:من المستندات المعتمدة نذكر
▪︎ المرأة المغربية في ملحمة الاستقلال والوحدة . تراجم عن حياة المرأة المقاومة . نشر المندوبية السامية للمقاوميين وجيش التحرير . الجزء 1 . 2009 . ص1 –
▪︎ ميمون ام العيد . أوراق بوغافر السرية . ط1 المطبعة والوراقة الوطنية . ص 182
▪︎ جريدة هسبريس 8 .3 . 2010 عدجو موح قصة لبؤة غاضبة قتلت 40فرنسيا في بوغافر –
▪︎ عبد الله استيتو التاريخ الأجتماعي والسياسي لقبائل ايت عطا إلى نهاية القرن 19 –
▪︎ المعهد الملكي للثقافة الامازيغية . جورج سبيلمان ايت عطا الصحراء وتهدئة أفلاندرا . ترجمة محمد بوكبوط صفحة 113 –
▪︎ هسبريس تمودا العدد 35 . الجزء 2 صص 73 \93 –
▪︎ المقاومة النسائية في المغرب من خلال الأشعار الشفوية –
▪︎ المناهل : مجلة فصلية تصدرها وزارة الثقافة المغربية .يونيو 2011 المغرب في عهد الحماية ص 5و6 –