تطريزات تاريخية رقم 8

تطريزات تاريخية رقم 8
الصورة من الجمهورية.كوم aljomhouria.com

بشيرة بن مراد رائدة الحركة النسائية في تونس

لم تمض إلا ايام معدودات على ذكرى التاسع من أبريل 1938 ، وهو اليوم الذي وقفت فيه المرأة التونسية في وجه المستعمر الفرنسي ، لذلك ارتأينا أن نحط الرحال في هذه التطريزات التي نخص بها حصريا جريدة ألوان
تعج معظم كتب التاريخ التونسي وحتى الذاكرة الجماعية ، بالعديد من أسماء الرجال الذين دفعوا دماءهم ثمنا لتحرير البلاد من براثن الاحتلال الأجنبي، ومع ذلك بقيت غافلة أو متغافلة عن ذكر بطولات النساء المناضلات اللائي لعبن ادوارا طلائعية إلى جانب الرجال في دحر وقهر جحافل المستعمر الفرنسي ، مستعملات أساليب مختلفة دون الحاجة إلى حملهن السلاح
ومنهن نذكر على سبيل المثال لا الحصر كلا من خديجة رابح وأم السعد يحي و مبروكة الكوز و القاسمي مبروكة وفاطمة بوبكر ، وغيرهن كثر
وبذلك يحق القول بأن المرأة التونسية تركت بصمة واضحة في حركية النضال العديدة ، وما محطة 9 أبريل المشار إليها أعلاه إلا واحدة من تلك المواجهات ، حيث خرجت النساء إلى الشوارع للمطالبة بالاستقلال وبالاصلاحات السياسية وإطلاق سراح المعتقلين ، ويؤكد المؤرخ التونسي عبد اللطيف الحناشي على ذلك قائلا : لقد خلف القمع البوليسي لتلك الاجتماعات مايزيد عن 20 قتيلا و أكثر من 150 جريحا من عامة الشعب التونسي . علما ان الانطلاقة الاولى لهذه الحركة كانت بشكل سلمي ، غير أنه سرعان ماتحولت إلى غضب عارم ، خاصة بعد أن اعتقلت سلطات الاحتلال علي البهلوان بتهمة التحريض على العصيان . كما يؤكد الاستاذ المؤرخ على أن هذه الأحداث سجلت اول مشاركة علنية للنساء التونسيات في مختلف المظاهرات المناهضة للاستعمار الفرنسي حيث خرجت النساء إلى جانب الرجال من أجل الدفاع عن حق الشعب في تقرير المصير ، فرفعن الشعارات السياسية وصرخن في وجه المستعمر ، وكانت أصواتهن تعلو بالزغاريد دعما للخطب السياسية التي كانت تلقيها قيادات الحركة الوطنية (…) وكن يشاركن في كل مسيرة مناهضة للاستعمار (…) وماتزال الذاكرة الجماعية تحتفظ بمشهد النساء وهن يجمعن الحجارة في القفاف من أجل تسليمها للمتظاهرين الذين كانوا يستخدمونها كسلاح ضد الشرطة الفرنسية التي كانت تقابلهم بالرصاص . وقد امتد هذا المد الجماهيري إلى تكوين اول اتحاد نسائي تونسي في 1936 لايمانهن بأن معركة التحرر هي معركة جماعية وليست معركة الرجال فقط

ويسعدنا أن نتوقف مع قراء جريدة ألوان الإلكترونية، عند إحدى رائدات المقاومة التونسية : السيدة بشيرة بن مراد الزهار

هي مناضلة تونسية ولدت بتاريخ 4 ماي 1913، والدها هو الشيخ محمد الصالح بن مراد ، شيخ الإسلام الحنفي، وتنتمي لعائلة أرستقراطية عريقة في العلم والدين ، نشات في بيئة ثقافية منفتحة وتلقت تعليمها على أيدي عدد من مشايخ جامع الزيتونة ، وحفظت جانبا من القرآن الكريم وتعلمت اللغة العربية كما حفظت الكثير من الشعر العربي ، الأمر الذي سيمكنها لاحقا من الكتابة الصحفية والخطابة في مختلف المحافل التي كانت تحضرها
وفي1929 تزوجت من الشيخ صالح الزهار، الذي كان يعمل في سلك العدول ، وهو من شجعها على القيام بانشطتها الوطنية والنسائية، فرفعت صوتا وكشفت عن وجهها وجابت الشوارع لتقود المظاهرات وبرزت إلى جانب أختها نجيبة وعدد من النساء التونسيات الأرستقراطيات في العديد من الأعمال الخيرية مكسرة بذلك الكثير من القيود وأسست رفقة عدد من النساء أول جمعية للدفاع عن المرأة التونسية وحثها على المطالبة بحقوقها وذلك في 1936، وقد تقدمت رفقة مجموعة من المناضلات التونسيات أمثال توحيدة بن الشيخ وبدرة بن مصطفى و نعيمة داوود و نبيهة بن ميلاد بمطلب للاعتراف بالجمعية سنة 1938 . ورغم أن والدها كان من ابرز معارضي الطاهر الحداد رائد تحرير المرأة في تونس ، فقد شجعها وساندها في كل تحركاتها النضالية من أجل تحرير المرأة ، وبذلك غَدَا اسمها مقرونا بالاتحاد النسائي
ولم تكتف بهذا الحراك، بل امتد اهتمامها إلى الانشغال بالكتابة الصحفية في العديد من الدوريات، مثل مجلة المسرح1937 ، ومجلة شمس الإسلام 1938 ، متناولة العديد من المواضيع ذات الصلة بقضايا المرأة باعتبارها مهضومة الحق،  ومظلومة الجانب ، لأن تقسيم الأعمال بين الجنسين يبقى أمرا ضروريا في نظرها . ولاشك في أن هذا الخطاب يعكس ماكانت تطمح اليه في الدفاع عن الحقوق النسائية . وقد كانت كذلك شديدة الإلحاح على ضرورة الحرص على تعليم البنات ، وفي هذا الاطار نجدها قد كتبت بتاريخ 20 نوفمبر 1938 بجريدة تونس الفتاة مقالة تحفيزية للمرأة ، منها نقتطف : المرأة التونسية تطورت وصارت تراقب سير الأمور، وهي تستحسن وتستهجن وتمدح وتذم وتفهم حالة البلاد من كل نواحيها ، وتشارك في مختلف المجتمعات الخيرية والاجتماعات العلمية ، وإني لمسرورة بكل ذلك ، وقد أسمع أحيانا بعض ما يقلقني مثل الاعراض عن الزواج ونحو ذلك ،  وإني أدعو قومنا للعمل بجد وكد في سبيل العلم والمعرفة،  وتأسيس المدارس ونشر العلم وإزالة العقبات عن وجه الفتاة التونسية وترك الأحاديث ، والتشمير عن سواعد الجد في سبيل العمل المفيد
ومن كتاباتها في قضايا المرأة يستوقفنا قولها : ليس في الحياة المنزلية ماينقص من مقام المرأة ولا مايحط من شرفها ، ولا ما يصح أن يقال فيه ، إنها مظلومة الجانب أو مهضومة الحق ، لأن تقسيم الأعمال بين الجنسين يبقى ضروريا . وعليها أن تكون مستعدة لحمل الأمانة التي قضى الله عليها بحملها وحفظها

وبعد الاستقلال ستستبعد عن المساهمة الفعلية في حركية العمل النسائي ، بسبب غضبة رئيس الجمهورية أنذاك إثر خطاب كانت قد ألقته في معهد كارنو بالعاصمة ، دعت فيه إلى المساواة المطلقة في الحقوق السياسية بين المرأة والرجل
و يوضح عادل بن يوسف استاذ التاريخ المعاصر مشددا على ضرورة ترميم الذاكرة المحلية ثم الجهوية فالوطنية لكتابة تاريخ منصف للجميع ، دون عاطفة أو انفعال وشتم وثار  لإعطاء كل صاحب حق حقه بالحياد وعلى المسافة نفسها من الجميع . ويضيف كذلك قائلا بأن لنا ذاكرة معطوبة ينفرد فيها الرجل بالدور والموقف البطولي ويغيب دور المرأة في الحركة الوطنية
وتبقى الخلاصة التي يمكن ان ننتهي اليها في اماطة اللثام عن بعض اوجه النضال النسائي التونسي من خلال الاستعراض الوجيز لمسيرة بشيرة بن مراد موجزة في ملاحظات نرصها كالتالي
أولا : التأكيد على انها قد ساهمت بعد الاستقلال في إنشاء العديد من الجمعيات النسائية للدفاع عن حقوق المرأة التونسية
ثانيا: جميع الوثائق تؤكد على انها عانت كثيرا من مسلسل التهميش ، لتعيش بقية حياتها في ظروف لا تليق بحجمها النضالي وتضحياتها الجسام ، في بيت شديد التواضع إلى أن انتقلت الى رحمة ربها
ثالثا : احتراما لمكانتها الوطنية وانصافا لها ، تم في سنة 2014 إنتاج فيلم تونسي يؤرخ لنضالاتها ويحكي قصة حياتها وتضحياتها من أجل حقوق المرأة عنون ب “التونسية من إنتاج وإخراج المنصف بربوش 
:من المستندات المعتمدة في هذا الاستعراض، نورد ما يلي
 الشروق .2017 . نساء رائدات. بشيرة بن مراد رائدة الحركة النسائية في تونس 
 الأصلاح . مجلة إلكترونية فكرية ثقافية يصدرها منتدى الفرابي للدراسات والبدائل
 مجلة حقائق التونسية . ماي 1993 .زهرة الجلاصي . بشيرة بن مراد الرمز النضالي إنجازات وشهادات
 رصيف 22 عدد 28 يونيو 2023 منيرة حجلاوي مقاومات تونسيات جابهن الاستعمار ، وظلمهن التاريخ والذاكرة
 سبوتنيك عربي حوار مع المؤرخ التونسي عبد اللطيف الحناشي
 المحطة التلفزيونية التونسية 2 برنامج حكاية مع التاريخ فيلم عن بشيرة بن مراد تحت عنوان التونسية

ثريا الطاهري الورطاسي

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com