7تطريزات تاريخية رقم
المناضلة حميدة طرخان العنيزي: حوكمت بتهمة أني أعلم البنات في بيتي
:توطئة للبدء
على الرغم من أهمية الدور الذي لعبته المرأة الليبية في الدعوة للجهاد والحث على الصمود في وجه المستعمر ، إلا أنا نجد أن مختلف الدراسات التي تناولت تلك المرحلة قد أغفلت الأدوار التي كانت تقوم به المرأة أنذاك ، ولم تظهر لنا مقاومتها إلا من خلال دراسة التاريخ الاجتماعي للبلاد ، ومن خلالها برز دور المرأة الكبير في تسيير مختلف الأمور الأسرية من اهتمام بالشيوخ والأطفال وتوفير الماء والطعام ، من خلال عملها الزراعي في الحقول ، وذلك – طبعا – في غياب الآباء والرجال وانشغالاتهم المتكررة في المعارك ، ناهيك عن مساندتهم من خلال التحريض والتشجيع على قتال العدو
:في دراسة بعنوان تغيير دور المرأة في المجتمع الليبي للباحثة سعاد غميض، نجدها تقسم مراحل تطور أوضاع المرأة في ليبيا إلى 6 مراحل ، نتناول منها ثلاثة فقط لطول العرض، رَصَّتها كالتالي
الفترة الأولى: وتنحصر ما بين سنوات 1835 و 1911 وتغطي ا الفترة الأخيرة من الحكم العثماني لليبيا، وقد انعكس تأثيرها بشكل واضح على طبيعة الثقافة التقليدية السائدة في البلاد ، خاصة تلك المتعلقة منها بالمرأة ولعل أبرزها هو انشاء أول منظمة نسائية، انحصرت أعمالها في الجانب الاجتماعي وذلك في1908 وتسمى جمعية نجمة الهلال
الفترة الثانية : وهي الممتدة من 1911 إلى غاية 1943 ، وهي فترة الحكم الإيطالي لليبيا، وقد ساهمت خلالها المدارس اليهودية في تعليم المرأة كل ما يلزمها من مهام في إدارة البيت ، وبعد خروج الإيطاليين من ليبيا أضحى دور المرأة محدودة
الفترة الثالثة : وتنحصر ما بين 1943 و 1951 وخلالها خضعت ليبيا لحكم الإدارتين البريطانية والفرنسية ، ومن أهم العلامات المميزة لهذه المرحلة : انتشار الإدراك بأهمية التعليم وافتتاح العديد من المدارس والمؤسسات التعليمية وبروز العديد من النشاطات الليبيات اللائي اسهمن في تطوير وضع المرأة الليبية ، ومن بينهن سنتوقف عند إحدى رائدات الحركة النسائية وهي
حميدة طرخان : من مواليد مدينة بنغازي في 1892 وتعرف كذلك باسم حميدة العنيزي ، نسبة الى زوجها السيد عبد الجليل العنيزي وتعتبر كذلك رائدة للحركة النسائية ببلدها ، كما أنها تعد أول معلمة ليبية للتعليم الابتدائي في مدينتها بنغازي وأول مديرة ليبية لمدرسة البنات في عهد الإدارة العسكري البريطانية ، وان نبشا في مسيرتها يفضي بنا إلى القول بأنها انتقلت للدراسة بالمعهد العالي للتدريس سنة 1911 بمدينة اسطنبول وعادت إلى أرض الوطن في 1914
وبعد معاهدة أوشي لوزان ، فوجئ الناس بحدوث كارثة كبيرة تمثلت في الطاعون الذي ضرب البلاد سنة 1914 ، وعاود الظهور من جديد في 1917 وفي 1922 ويذكر بعض المعمرين الذين عاشوا خلال تلك المرحلة ان عدد الإصابات والوفيات كان كبيرا جدا ، الشيء الذي خلق نوعا من التآزر والترابط بين الساكنة لمواجهة أزمات الفقر والحاجة والمرض ، وأمام كل ذلك عمدت السلطات الحاكمة أنذاك إلى جمع اليتامى في مراكز خاصة ، وأوكلت لحميدة طرخان الاهتمام بهن . وكانت تلك أول خطواتها في مجال التعليم بشكل تطوعي خلال عامي 1917\1918 ففتحت فصلا دراسيا في بيتها ، متخذة منه مدرسة لتحقيق رسالتها في النهوض بالمرأة ثقافيا واجتماعيا وسياسيا ، ومؤمنة بأنها ستسهم في إمكانية تحولها إلى كائن فاعل ومؤثر في المجتمع الليبي
ومع حلول سنة 1920 ستقوم بالتدريس في العديد من المؤسسات ، متحدية كل المعيقات التي كانت تعترضها والمتمثلة في عادات وتقاليد مجتمع أساسه التعقيد ودعائمه الأمية ، وفي هذا الصدد نجدها تقول في حوار لها مع إحدى المجلات عن تلك المرحلة : كان مجرد إقدامي على العمل وقتذاك ، هو في حد ذاته نضال واجهتني خلاله صعوبات عديدة ، منها التقاليد والاستعمار ، وقد حوكمت من أجل هذه الرسالة بتهمة أني أعلم البنات في بيتي ، ومن هنا يظهر مدى الكبت والضغط والظلم الذي كنا نعانيه من المستعمر . تصوري أن التعليم في وطني كان يعتبر في نظرهم جريمة يحاكم عليها
ولعله الأمر المنسجم مع ما جاء في العدد الصادر من مجلة البيت في فبراير 1936، من مقالة كتبت تحت عنوان إلى بناتي الليبيات العزيزات ، نأخذ من بعض فقراته ما يلي : هذا صوت كاد يخنقني من مدة بعيدة أردت ان أزعق به ، ولكن السكوت القائم حولي كان يمنعني من رفع الصوت . فالمرأة هي الشطر الأهم في إنتاج الذرية فينبغي أن تكون معلوماتها أكثر من الشطر الآخر ، فهي قوام الهيمنة الاجتماعية وعماد تقدم الأمم وبكلمة واحدة هي اول وآخر مربي للإنسان، فبهذه الاعتبارات يجب أن ننظر إلى المرأة، بل بهذا التقدير والاعتماد على النفس يجب أن تنظر المرأة إلى نفسها فتعمل لتحقيق ما تصبو اليه (…) وأنتم أيها الآباء أناشدكم الله في مستقبل بناتكم ، فلا تكونوا من المتعصبين الذين يحولون دون تعليم بناتهن (…) وأنتن أيها البنات العزيزات انفضن عنكن غبار الكسل والخمول وأقبلن على دور التعليم ، فإلى الأمام أيتها النساء ، لنسر إلى جانب الرجال خطوة خطوة
وتقول كذلك عن المرحلة الفاصلة ما بين 1923 و 1929 : كان كل همي ان ارى التعليم ينتشر بين الليبيات ولقد عملت كل جهدي وسعيي لتشجيع هذه الحركة
:وقد ظل يتردد صدى رؤى وأفكار هذه المناضلة في نفوس الليبيات ، الأمر الذي دفع بإحدى قارئات المجلة ، مبدية اعجابها إلى القول
لا يسعني إلا أن أبدي إعجابي وتقديري للمربية الفاضلة السيدة حميدة العنيزي لما تضمنه مقالها القيم من الآراء الصائبة والنصائح الغالية المفيدة
وعموما نخلص إلى أن السيدة حميدة طرخان العنيزي قد ولجت باب الجهاد الوطني ، من بوابة الاهتمام بالمرأة عن طريق تعليمها والعناية بها
:الأمر الذي أهلها للقيام بالعديد من الأدوار نلخصها في ما يلي
ففي سنة 1963 أشرفت على إنشاء مدرسة مسائية تطوعية لتعليم النساء الكتابة والقراءة
وفي1954 ساهمت في تأسيس جمعية النهضة النسائية ، التي عملت على إقامة الأنشطة الخيرية وجمع التبرعات لمساعدة مختلف الأسر المعوزة
وفي 1965شاركت في تكوين الإتحاد النسائي الليبي ، وقد حظيت بتكريم ملكي في سنة 1969
وقد فارقت الحياة في الثاني عشر من غشت عام 1982
ملاحظة ختامية
:فيما يخص المعتمدات نشير إلى ما يلي
المرأة الليبية ودورها في حركة الجهاد ضد الاحتلال الايطالي . وفاء الضاوي ومحمد فليفة . مجلة جامعة السيد محمد علي السنوسي . كلية التاريخ والحضارة
المرأة الليبية : التاريخ والقانون والعنف . يوسف م . شرقاوي
تغيير دور المرأة في المجتمع الليبي . سعاد غميض
كتاب عن حميدة طرخان لأمينة بن عامر
بعض وسائل التواصل الاجتماعي