أقصوصة للكاتب المغربي محمد صوف
الخط البني
يردد صديقي أن اسمه تيودور . يقولها أكثر من مرة . اسمي تيودور ثم يصمت .ثم يضيف اسمي تيودور ج , يقولها
أكثر من مرة . ثم يصمت ثم يضيف . اسمي تيودور ج رابوان .
أقلت صديقي ؟
لا شك أني أهذي.
أصدقائي هم عبد النبي و إدريس و نور الدين و سليمان و غالم و أحمد ومحمد وحسن واللائحة تطول . فمن أين جاء هذا التيودور الذي أجد صعوبة في التلفظ باسمه .
يردد صديقي أنه من ويستبوروغ . بماساشوسيتش . ثم يكرر ذلك متأنيا في القول و كأنه يتهجى .
ـ أقلت صديقي مرة ثانية ؟
أنا أهذي فعلا . لأن أصدقائي من سباتة و عين الشق و درب السلطان والبرنوصي و مرس السلطان ..
لا أعرف ويستبوروغ . ولا أعرف ماساشوسيتس سوى عبر الأشرطة ولا أستطيع النطق به كما فعل صاحبي . إذا حدث و نطقت بذلك فسأفعل بفرنسية تحمل لكنة ولد الحي المحمدي سابقا البرنوصي حاليا .
لو طلبت مني الآن أن أحدد معالم الصديق تيودور لما استطعت . أستطيع أن أصف لكم بدقة أشكال و ألوان كل صديق صديق . و لا أستطيع ذلك بالنسبة لتيودور. هل هو أشقر أم أسمر ؟ ؟ سمين أم نحيف طويل أم قصير ؟
حتى صوته الذي خيل لي أني سمعته يردد اسمه و عنوانه لا أستطيع أن أتبينه .
أ قلت خيل لي ؟
لقد قلت أعلاه أني أهذي .
يضع يده على كتفي . أعرف أنه يضع يده على كتفي لكني لا اشعر بها .
أشعر بكتفي . ولا أشعر بيده .
ويقول لي أنا مثلك .
هل تتصورون أن تيودور ج رابوان مثل محمد أحمد بن الصاحب ؟
يضيف .. أنا سابع إخوتي .
ثم يصمت . ويشير لي بسباته . أعرف أنه يشير لي بسبابته لكني لا أراها .
و يقول . و أنت سابع إخوتك .
ما يقول صديقي تيودور صحيح .
سأتابع الحكاية و أتوقف عن التعليق . فأنا منذ البدء أقررت بأني أهذي .
كان الله في عونكم .
إذا أتعبكم هذا الهذيان فمن حقكم أن تتوقفوا هنا و الآن عن قراءة هذه القصة . ألسنا في دولة الحق و القانون ؟
ها أنا أشرع في الخروج عن الموضوع .
لأعد إذن قبل أن يطفح بكم الكيل .
يصمت صديقي تيودور ثم يضيف مشيرا إلي بسبابته . والدك سابع إخوته . ووالدي سابع إخوته .
صحيح ما يقوله عن والدي .
تعود سبابته التي أعرف أنه يصوبها نحوي دون أن أراها مصحوبة بصوت لا أسمعه و لا أشعر به .
جدي سابع إخوته . وجدك أيضا .
ما لا أعرفه أنا و يعرفه هو هو أن جدي سابع إخوته . و مع ذلك أصدقه .
صاحبي هذه المرة يبتسم لي .. أي نعم . يبتسم لي أنا . لا لغيري
لا تسألوني عن ابتسامته فأنا لم أرها . ولكنه يبتسم .
إياك أن تعتقد أن هذا العالم برؤسائه و عظمائه و منظريه قادر على فك رموز الطبيعة أو التحكم فيها .
لا أحد منهم يعرف شيئا عن أسرارها .
لم أعد أفهم ما يقول صديقي تيودور ولا العلاقة التي تربط بين كوننا سابعي أخوتنا و معرفة العالم بأسرار الطبيعة يقول صديقي . قد تجد قولي غريبا و لكنه ليس كذلك . سأسرد عليك بعض ما أراه من حقائق ولك أن تكذبني إذا شئت..
في طفولتك كنت تسكن أمام مقبرة المدينة . و كنت تقضي يومك راكضا بين القبور .
ينتظر صاحبي أن أزكي قوله بحركة من رأسي و لا أفعل . لا لأن ما يقوله مجرد اختلاق بل لأنه الحقيقة بعينها .
يبتسم . يصمت . يضيف .
و أنت طفل كان سؤال واحد وحيد أوحد يدور في خلدك . ماذا يوجد تحت هذه القبور ؟ هل هو عالم خفي لا يحق لنا أن نراه ؟ هل يقضي كل داخل إلى القبر بقية الزمن ممددا هناك ؟ أم أنه بمجرد أن ينهال عليه التراب ينهض ويغوص في فضاء يختلف عن فضائنا .
ينتظر صاحبي أن أزكي قوله بإيماءة إيجاب . و لا أفعل .
ما يقوله ليس اختلاقا .
يبتسم . يصمت . يضيف .
و يوم دخلت مستودع الأموات بعين الشق لأول مرة فتنتك الجثث . وتمنيت أن تحضر حصة تشريح واحدة منها كأضعف الإيمان . و من ذلك اليوم و أنت تغبط كل طبيب شرعي و تعتبره محظوظا .
صحيـــــــــــح .
و عند ما عشقت السينما كنت تواظب على مشاهدة أشرطة الرعب والهامات و المخلوقات الغرائبية . كان يكفي أن ترى جمجمة على ملصق شريط لتسارع إلى مشاهدته
صحيــــــــح.
هوايتك الخفية التي تخشى أن تقر بها هي طرد الأرواح عن الأشباح
صحيـــــــــح .
طيلة الحديث يوقع صديقي فترة استراحة خلالها يبتسم ويصمت ثم يقول .
و في الختام كدت أراه .كدت اشعر بأنفاسه .كدت أسمع همسه وهو يحاول أن يقول : أنت مشروع ساحر لكنك لا تدرك قواك الخفية .
أستعيد شريط اللقاء و أحاول أن أتبين بأي لغة تحدث صديقي. دون جدوى . أحاول أن أعرف لماذا تحمل مشقة الظهور الخفي أمامي . دون جدوى .ثم لماذا أنا ؟لست أول سابع إخوة في هذا الكون .
لعله سمع ما أقوله لكم الآن . فردد .. لست أول سابع إخوتك ولكن كون والدك و جدك سابعي إخوتهما ليس مجرد صدفة .
رأيت هذه المرة إصبعه المصوب نحوي و سمعت صوته .
– إياك أن تعتقد أن ذلك صدفة .
وردد :
– إيــــــــاك .
هذه المرة أرعبني . و وددت أن يدركني الصباح .
( من مجموعة ” أزعم أن …( الصادرة سنة2008)