4 الليبية خديجة الجهمي: تطريزات تاريخية
خديجة الجهمي: مقاومة ضد الاحتلال الإيطالي
:هامش للبدء
على الرغم من الأهمية التي تكتسيها الأدوار التي لعبتها المرأة في الحركات التحررية والصمود في وجه الغزو الأجنبي لمختلف دول المغرب العربي الكبير، إلا أن الكثير من الدراسات التاريخية لم تكن لها منصفة ، أو بالأحرى تغافلت الأدوار والتضحيات الجسام التي قامت بها النساء آنذاك – ولازلن – يقمن بها ، فتعرضن لكل أشكال التعنيف وطالهن الاعتقال والنفي وكل ما يدور في هذا الفلك . وقد ارتأينا أن نحط الرحال في الجزء الرابع من هذه التطريزات التاريخية، التي نخص بها حصريا جريدة “ ألوان” عند المقاومة الليبية
لقد تعرضت ليبيا في عام 1911 للاحتلال الإيطالي ، الذي استمر لثلاثة عقود تقريبا ، عرفت البلاد خلالها حرب إبادة بهدف إزاحة الليبيين وتوطين الإيطاليين ، وقد واجه الشعب الليبي ذكورا وإناثا هذا الاحتلال بمقاومة مسلحة شرسة ، تعرضت خلالها المرأة الليبية – كما الرجل – للاعتقالات الجماعية وحملات النفي والتهجير
وبعد هزيمة إيطاليا في الحرب الكونية الثانية عام 1943 خضعت ليبيا للإدارة البريطانية والفرنسية ، وخلال هذه المرحلة عرفت البلاد اهتماما من الأهالي بتعليم البنات وحصولهن على فرص أفضل للتعليم مما كان عليه الأمر من قبل ، وهكذا ساهمت النساء وبأشكال طوعية في تقديم يد العون المتنوع للمجاهدين ، وقيام بعضهن بأدوار استخباراتية عن تحركات العدو إلى المجاهدين، وعلى الرغم من أن الدور الأساس للمرأة في حركة الجهاد والمقاومة الليبية كان محصورا في الإعداد والدعم ، بحيث كان حمل السلاح منوطا بالرجال. وإن أشارت بعض المراجع إلى أن النساء فعلن
:ويمكن أن نخلص مما تقدم – ونحن نحاول التوقف عند دور المرأة في حركة المقاومة الليبية – إلى ما يلي
في أواخر العهد العثماني تأثرت المرأة الليبية بالثقافة التقليدية السائدة آنذاك في المجتمع والتي كانت تقيد حريتها وتحد من تحركها وتحرمها من مختلف حقوقها
أما إبان العهد الإيطالي فقد تأثرت أوضاع البلاد بتعنت السياسات الاستعمارية وتعرضت الساكنة للاعتقالات الجماعية وحملات النفي والتهجير ، بحيث عمدت السلطات الإيطالية إلى استغلال فرص التعليم التي اتاحتها للإناث ، واتخذتها وسيلة للترويج لسياستهم وثقافتهم داخل المجتمع وللتغلغل في الاوساط الشعبية الليبية
مع تزايد الوعي أمام كل ذلك التعنت الاستعماري ، فقد شاركت المرأة في حركة المقاومة الليبية ضد الغزو الإيطالي ، مقتصرة في بداية الامر على اعداد الطعام والملابس ومد المجاهدين بالسلاح والماء وعلاج الجرحى ونقل الشهداء من ساحات المعارك الضارية ، وقامت بعض النساء بأدوار استخباراتية إلى المجاهدين عن تحركات العدو ، وقد شاركت نساء في القتال وحمل السلاح،وهنا نستحضر اسم ” سليمة بنت مقرس ” التي تعرضت للإصابة بالرصاص في صدرها، فنقلت إلى مضارب قبيلتها لتلقي العلاج وبعد شفائها عادت لتأخذ مكانها من جديد مع المجاهدين
وقد ارتأينا أن نتوقف عند إحدى النساء البارزات في تاريخ المقاومة الليبية وهي السيدة ” خديجة الجهني ” على أن نعود إلى أخريات في اللاحق من التطريزات التاريخية
:السيدة خديجة الجهني
هي خديجة محمد عبد الله الجهني من مواليد بنغازي في 15 مارس 1921 ، والدها هو الشاعر محمد عبد الله الجهمي وتعرف باسم (بنت الوطن) ، اديبة واذاعية ليبية من أوائل النساء المدافعات عن حقوق المرأة ، وبإصرار من والدها التحقت وهي في سن السابعة بالمدرسة الإيطالية في 1928 ، عملت ممرضة متطوعة اثناء سنوات الحرب الكونية الثانية ، ثم غادرت بعد ذلك إلى القاهرة لتلتحق بمدرسة عابدين ، وتنضم إلى نادي الشباب الطرابلسي ، وبعد تخرجها التحقت بالعمل مذيعة في إذاعة بنغازي ، وبذلك تصبح ثاني مذيعة بالبلاد . ومن ذكرياتها مع جدها تقول بانه كان يناديها مداعبا باسم (جيجا ) وهو اسم عجوز أرمينية معروفة في الاوساط الشعبية آنذاك ،كانت تحقن بالإبر تطوعيا ، بدون اي مقابل وتضيف قائلة: ” فكيف نعيش انا وأمي وأختي جازية وربيعة” . لم يكن من المنطقي أن نكون في عنق جدي ، يعول أربعة أسر غيرنا ” وتضيف قائلة : ” عندها أخرجت ماكينة الخياطة وبدأت العمل. لم يكن هناك قماش ، لكن المظلات التي تسقطها الطائرات في الحرب الدائرة – وهي من نسيج الحرير الطبيعي وتخاط بشكل دائري – اوحت لي بالحل فلم يكن من الصعب فتق الخياطة الأصلية واعدادها قطعا من القماش ، كما كنت أصبغها بالألوان وأفصلها إلى سواري رجالية وقفاطين، وبذلك صار لدي كثير من المال ، الذي لا يحقق اي شيء (…) فالألف فرنك (…) في زمن الحرب لا تأتي برغيف الخبز
كل ذلك يقع في بال امرأة مسكونة بجروح الحياة ، امرأة ذات قلب حي ، ويقين راسخ بأن استتباب وتحرر المجتمع يقع على الطرفين ، وبأن دورها الريادي لا يقل عن دور أخيها الرجل . وتأسيسا على ما تقدم نقول بأن السيدة خديجة الجهمي توفيت في 11 غشت عام 1996، عن سن75 سنة، وتبقى رمزا من رموز النضال النسوي الليبي ، ومثالا للمرأة العربية التي تحدث الصعاب من أجل المساهمة في تغيير واقع المرأة نحو الأفضل، وكيف لا وهي التي ترى بأن المرأة “لا يمكن أن تخلق ذاتها مالم تكن مثقفة وواعية بحقوقها واجباتها وخلاصة القول أن الأثر النسائي في حركة المقاومة الليبية لا يمكن تغافله رغم ان الكثير من الكتابات التاريخية لم تنصفهن ، ومن الأسماء التي تحتاج الى التوقف نذكر على سبيل المثال لا الحصر: ( حميدة طرخان العنيزي – فاطمة بنت الحاج محمد – حواء بوسبيعة – نورية الأزرق وغيرهن كثيرات )
احسنتِ الاختيار الأخت الفاضله زهراء لانها علم من أعلام ليبيا