عيد الحب: حقيقة ثابتة أم كذبة صدقها العالم ؟
يجوز الربا في الحبّ، فمَن أعطاكَ حبًّا ردّه ضعفين: الشمس التبريزي
:استهلال أولي
والعالم يحتفل بعيد الحب الذي يصادف الرابع عشر من شهر فبراير من كل عام ، بدورنا في جريدة ” ألوان “ التي هي بالأساس منكم وإليكم جميعا إناثا وذكورا، ارتاينا أن نحط الرحال عند هذه المناسبة / المحطة ، مقريين في البدء أن المحبة هي دفء للانسانية عامة وهي على حد قول الثعالبي : ” ثمن كل شيء وإن غلا ، وسُلَّم إلى كل شيء وإن علا ” . أما الحب فهو تلكم الكلمة الصغيرة التي تكبر مع المحب، ويكون معها المحبوب(ة) أغلى ما في حياتنا لأنه يجسد كل ما نملك من لحظات الفرح . وبالاستناد إلى ( موسوعة الأخلاق والسلوك ) نجد أن
المحبة أو الحب لغة: هو نقيض البُغْضِ، وأصل هذه المادة عادة ما يدل على اللزوم والثبات ، واشتقاقه يكون من أحبه إذا لزِمَه ، ونقول : أحببت الشيء ، فأنا محب –
المحبة اصطلاحا: وهي الميل إلى الشيء السَّارُّ. وقال الرَّاغِبُ : المحبة هي ميل النفس إلى ماتراه وتظنه خيرا –
وعطفا على كل ماتقدم ، نقول بأن “عيد الحب ” هو الفرصة السانحة لإظهار الإهتمام والمحبة للمرأة بطرق اختلفت وتنوعت مع أساليب وظروف حياتنا بصفة عامة ، هذه المرأة التي قد تكون الحبيبة أوالزوجة أوالرفيقة أو الصديقة أوالأخت أو البنت، وهي في طبعها تلكم الانسانة المتفائلة، الراغبة في نشر ألوية السعادة والهناء خلال كل مراحل ولحظات عمرها مع هذا الأخر، لأنها دائمة التفاؤل ، ولذلك قيل قديما : إذا أردت قياس السعادة فقسها بقلب المرأة التي في حياتك ، وأهمس لها وعبر لها عن محبتك لتتذوق كنه السعادة وحقيقتها الدائمة
واحتفاء من جريدة ألوان بهذه المناسبة يسعدنا أن نقدم للقراء كتابتين أولاهما للأستاذ المختار عنقا الادريسي ، تحت عنوان ” الفالنتين أو عيد العشاق ” والثانية للاستاذة ثريا الطاهري الورطاسي عنونتها ب: عن الحب الحقيقي أحكي
الفالنتين أو عيد العشاق
:هوامش للبدء
لقد انتشر في الآونة الأخيرة اهتمام ملفت للانتباه ، لما يعرف بعيد الحب أو عيد المحبة كما يحلو لي أن أسميه، حتى غدا هذا الأمر هاجسا للعديد من الناس، وتسارع معه الإهتمام بهذه المناسبة العالمية لمنزلتها العاطفية والرِّبْحية على حد سواء ، ولعله الأمر الذي دفعني إلى التوقف مليا عند هذه المناسبة العالمية ، بعد أن كنت قد فكرت ونحن على بوابة ذكراه التي تصادف اليوم الرابع عشر من فبراير، أن اكتب
أولا لرفيقة دربي الطويل ” ثريا ” ، والتي كثيرا ما كنت هاضما لكل حقوقها باسم المحبة ، وهي التي كانت ولا زالت تقاسمني حلاوة ومرارة الحياة اليومية في مختلف تلاوينها ومحطاتها ، وأضاءت لي شمعة في ظلام ليل دامس ماكان له أن يُنَار لولاها ، وحرصت على أن تقدم لي حياة ممتعة جميلة وهنية ، جعلتني أشعر بالطمأنينة حتى في أحلك المواقف، وبكياستها استطعت أن أتخطى كل العقبات وبقيت دائم التطلع للغد المشرق الوضاء والمشع بالمحبة والصفاء
ثانيا لابنة المرحوم أخي حفيظ “أمينة” ، التي ربيتها منذ بداياتها الأولى، وكانت زهرة ندية تكبر أمامي، وتعاني من المرض الذي غالبا ماكان لها ناقلا إلى عوالم أخرى غريبة ، فتقاسمت معها كل اللحظات القاسية ، لأنها بمثابة أول بناتي اللواتي لم ألدهن – ومازلت على العهد – خاصة وأن عيد ميلادها يصادف يوم الفالنتين
ثالثا ، لكل النساء اللواتي عرفتهن ، أخوات ورفيقات وصديقات جمعتني بهم جغرافية المحبة والأهتمام الفكري ، عبر امتداد رقعة هذا الوطن فكن جزءا من حياتي واهتمامي وتكويني وتاريخي المتأرجح وفق دالة تصاعدية، وخط زماني فارق ، فنبض قلبي – ولا يزال – باحترامهن ومحبتهن وتقديرهن وأنا العابر الأرجواني في الزمن التاريخي ضمن صيرورة منفلتة لحظاتها
غير أني صرفت النظر عن كل ذلك ، بحكم مسؤوليتي التطوعية داخل جريدة ألوان، التي تفرض علي المواكبة الدائمة والنشطة ،فحولت بوصلة الكتابة إلى التوقف عند هذه المناسبة لأحتفل مع كل ” الفالنتينيين “بإماطة اللثام عن بعض من جوانب هذه المناسبة، معتبرا أن المحبة هي أسمى من أن توجه إلى شخص واحد يكون بمثابة أناك الأخر ، ومعلنا أني أشد بحرارة على أيدكم جميعا وأهديكم ضياء عيناي ، ودفء القلب أعطيكم ، على حد تعبير أحمد قعبور
في الرابع عشر من شهر فبراير من كل عام ، تحل مناسبة عيد الحب وهي ذكرى عالمية ، يتم خلالها الحرص على تبادل الرسائل وبطاقات المعايدة والهدايا المكونة من الورود والشكولاته ، وتغلف بقماش من الستان الأحمر، وتوضع في صناديق على شكل قلوب ، رامزة إلى الأهتمام والمحبة والامتنان والعشق للحبيبة ، التي قد تكون زوجة أو رفيقة أو بنتا أو أختا أو صديقة ، وقد تكون ذلك جميعه . وفي ثمانينيات القرن الحالي تطور أمر الهدية فصارت – عند بعض الفئات – تتركز على تقديم للمجوهرات ، وعادة ما تعرف هذه المناسبة ب(فالانتين داي) وهو في أصله احتفال مسيحي حسب الكنيسة الغربية . ويتم كذلك الإحتفال بهذه المناسبة في السادس من يوليوز حسب الكنيسة الشرقية . وبالنبش التاريخي نجد أنه في عهد الإمبراطور الروماني ” كلاوديوس” خلال القرن الثالث الميلادي، كان يعتقد أن الزواج يسهم في تعطيل الشباب وانشغالهم عن أداء الخدمة العسكرية ، ومن أجل الحيلولة دون النقص في الجنود ، عمد الإمبراطور إلى منع الزواج . غير أن القديس ” فالنتين ” وهو أحد كهنة روما – كان يؤمن بضرورة الزواج ، وحتمية الارتباط بين العشاق – فوقف في وجه قرار المنع ليتم القبض عليه ويتهم بالتآمر على الأمبراطورية
وإبان تواجده بالسجن تعرف على الحارس ” أستيريوس ” الذي كانت له ابنة تسمى ” جوليا ” تعاني من قصر في النظر فطلب والدها من القديس السجين أن يقوم بتعليمها ، ويقرأ لها دروسها عندما تذهب إليه في سجنه ، فنشأت بينهما قصة حب ، التي تحولت إلى” الفالنتين ” وعموما، تعددت الحكايات والأساطير عن من هو هذا القديس فالنتين ، ومنها نسوق مايلي– فالنتين الذي كان يعيش في روما ، وقد قتل حوالي 268 م أو 270 م ، وتم دفنه قرب طريق (فيا فلامينا ) في كنيسة ( سانت براكسيد) بروما
فالنتين الذي عاش في ( تورني) وأصبح أسقفا لمدينة ( انترامنا) وهو الاسم الحديث لمدينة ( تورني) ، وقد قتل خلال فترة الأضطهاد الذي تعرض له المسيحيون أثناء عهد الإمبراطور ” أوريليان” وتم دفنه قرب ” نيافلامينا ” ولكن في مكان مختلف عن المكان الذي دفن فيه القديس فالنتين الذي كان يعيش في روما
وفي بعض الروايات نجد أن هناك قديسا ثالثا يحمل نفس الاسم ، قتل في افريقيا مع عدد من رفاقه ، ولاتوجد عنه اية معلومات أخرى
وهنا ينبغي أن نشير إلى أن ارتباط “عيد الحب ” بالقديس ” فالنتين” ، يعود الى عام 1380 عندما كتب الشاعر الانجليزي ” جيفري تشوسر ” تكريما لملك انجلترا المسمى “ريتشارد2 ” في عيد خطبته للسيدة “آن” من مملكة (بوهيميا) ، جاء فيها :[ وفي يوم عيد القديس فالنتين حين يأتي كل طائر بحثا عن وليف له في مستهل الربيع الأنجليزي ” وافترض قراء القصيدة أن هذا الشاعر الأنجليزي كان يشير إلى الرابع عشر من فبراير باعتباره عيد الحب . وعقب انتشار قصيدته تحول الجميع إلى تبادل رسائل الحب في يوم 14 فبراير . وبحلول القرن 19 ، أصبح لهذه المناسبة طابعا تجاريا صرفا ، فعمد بعض الفنانين في الكثير من الدول العربية إلى تنظيم الحفلات الساهرة مع العشاءات الفاخرة في المطاعم والفنادق الفخمة ، احتفالا بهذه المناسبة
وعن موقف بعض الدول الإسلامية من هذه المناسبة نجد أن الشخ ” محمد بن صالح العتيمين ” قد أفتى بعدم جواز الاحتفال بعيد الحب قائلا [ انه عيد بدعي لا اساس له في الشريعة ولأنه يدعو إلى اشتغال القلب بالأمور التافهة المخالفة لهدى السلف الصالح فلا يحل أن يحدث في مثل هذا اليوم شيء من شعائر العيد سواء كان في المأكل أو المشارب أو الملابس أو التَهَادي أو غير ذلك ، وعلى المسلم أن يكون عزيزا بدينه والا يكون إمعة يتبع كل ناعق ]
اما الدكتور” عبد العظيم المصطفى” عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة، وأستاذ الدراسات العليا في جامعة الأزهر ، فقد أفتى بالاباحة قائلا [ أن تخصيص أيام بعينها للاحتفال بها من أجل توثيق العلاقات الاجتماعية بين الناس مثل عيد الحب مباحة ، ويجوز حضور الاحتفالات التي تقام من أجل ذلك بشرط أن لا يعتقد انها من شعائر الدين، ولا نقوم فيها بما يؤدي إلى ارتكاب الإثم، وان يكون طريقا لإرضاء الله عز وجل بشكر نعمه وتقدير منحه ، والاعتراف بفضله وجميله على خلقه وعباده، وفي ما أحل شرع الله عز وجل وأباحه. ومتى كان الاحتفاء بها كذلك خاليا تماما من الهرج والمرح والرقص واللهو والخلو والاختلاط والبدع والخرافات وسائر المحرمات والمحظورات ، وكل ما يؤدي إلى الفساد متى كان كل ذلك يباح حضورها ويجوز احياؤها والمشاركة فيها مجاملة وكرباط وود وحسن علاقة وكريم صلة على حبهم الله وهدى رسوله صلى الله عليه وسلم ]
ونجد أن أمر الإحتفال بهذه المناسبة في المغرب ينظر اليه على أنه من الأمور الشخصية ، وأنه احتفال أوربي خرج إلى العالمية ، ولا يرى معظم المغاربة في ذلك اي تناقض مع قيم المجتمع ، ويبقى احتفالا رمزيا يتبادل الناس خلاله الورود والهدايا المتنوعة ، وقد أصبح مناسبة تجارية مهمة يتحالف فيها الحب والمال وتحصد الارباح ، وعموما فهو مناسبة سنوية تأتي في نطاق الانفتاح والتفاعل الثقافي والاجتماعي الذي يعيشه المجتمع المغربي المتاثر بأوروبا والقريب جغرافيا منها
اما في جمهورية مصر العربية فيتم الإحتفال به مرتين، ويعود السبب فيها إلى أن الكاتب المصري ” مصطفى امين ” كان قد نشر فقرة بعنوان “ فكرة ” سنة 1974 في جريدة أخبار اليوم دعى فيها أن يكون يوم 4 نوفمبر هو عيد الحب المصري ، حيث روى انه شاهد في ذاك اليوم جنازة في حي السيدة زينب فتعجب من وجود ثلاث رجال فقط يسيرون في الجنازة ، فاختار ” فكرة ” هذا التاريخ ، واقترح أن يكون عيدا للحب بهدف نشر السلام والمحبة بين الناس فكتب قائلا [ نريد أن نحتفل لأول مره يوم السبت 4 نوفمبر بعيد الحب ، حب الله وحب الوطن وحب الأسرة وحب الجيران وحب الأصدقاء وحب الناس جميعا … هذا الحب سوف يعيد إلينا كل فضائلنا ويبعث كل قيمنا يوم كانت النخوة والمروءة ميزتنا والشهامة صفتنا ] . وبذلك أصبح عيد الحب هو الرابع من فبراير من كل عام
وما دمنا بصدد الحديث عن القيم والأحاسيس والشعور الذي تولده لنا المحبة عامة وعيد الحب خاصة ، فانا نستحضر ماجاء في كتاب النبي لصاحبه “ جبران خليل جبران
[ اذا المحبة أَومَتْ إليكم فاتْبعوها. اذا ضَمَّتكم بجناحيها فأطيعوها. اذا المحبة خاطبتكم فصدقوها]
:ثم يضيف قائلا
[المحبة لاتعطي إلا ذاتها
المحبة لا تاخد إلا من ذاتها
لاتملك المحبة شيئا ولا تريد أن أحد يملكها . لان المحبة مكتفية بالمحبة ]
:وعن الحب والمحبة في حياة بعض الادباء وكتاباتهم ، نورد مايلي
عند “جبران خليل جبران” نجد انه قد أحب ” مي زيادة ” دون أن يلتقيها ولا مرة واحدة ، فكتب لها قائلا ( أشعر يا ” مي ” أنني بركان سُدت فوهته )
اما “ إحسان عبد القدوس ” فكتب لزوجته ” لولا ” قائلا (إلى السيدة التي عبرت معي ظلام الحيرة والحب في قلبينا….حتى وصلنا معا إلى شاطيء الشمس ، إلى الهدوء الذي كان ثورتي، والصبر الذي رطب لهفتي ، والعقل الذي أضاء فني ، والصفح الذي غسل أخطائي، إلى حلم صباي وزفيرة شبابي وراحة شيخوختي ….إلى زوجتي والحب في قلبينا ]
اما عميد الاديب العربي ” طه حسين ” فقد كتب إلى الفتاة الجميلة “ سوزان بريسو ” التي خالفت كل التوقعات والتكهنات وقبلت به زوجا وهو الكفيف ، قائلا [ بدونك أشعر أني ضرير حقا ، أما وأنا معك فإني أتوصل إلى الشعور بكل شيء]
وهذا ” نزار قباني ” كتب في رثاء حبيبته العراقية “بلقيس ” قائلا [ بلقيس ياعطرة بذاكرتي ….يا زوجتي وحبيبتي وقصيدتي ، نامي بحفظ الله أيتها الجميلة فالشعر بعدك مستحيل والأنوثة مستحيلة “
اما الروائي الفلسطيني “غسان كنفاني ” عاشق الاديبة السورية ” غادة السمان ” فقد عبر لها عن حبه قائلا [ انني أعود اليك مثلما يعود اليتيم إلى ملجأه الوحيد وسأظل أعود ]
وهذا الشاعر الفلسطيني الكبير ” محمود درويش ” الذي وقع في حب الفتاة الإسرائيلية ” ريتا ” واسمها الحقيقي “ تامار باهي” كتب لها قائلا [ اني احبك رغم أنف قبيلتي ومدينتي وسلاسل العادات ، ولكني أخشى اذا بعت الجميع تبيعينني فاعود بالخيبات ] وذلك قبل أن يكتشف أنها تعمل لدى مخابرات الموساد الإسرائيلي
اما الشاعر الفلسطيني ” مراد البرغوثي ” فقد كتب لزوجته قائلا [ انت جميلة كوطن محرر ، وانا متعب كوطن محتل ]
واخيرا هذا “ احمد رامي ” الذي عشق كوكب الشرق ” ام كلثوم ” من اول نظرة بعد أن كانت تغني بحديقة الازبكية بالقاهرة ، فكتب لها قصيدته [ جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما ارتاح … حرام عليك … خليه غافل عن اللي راح ]
واخيرا اقول في نهاية حديثي عن الحب والمحبة بمناسبة :عيد الحب
أن المحبة الحقيقية هي أن نقف عاجزين عن شرح الشوق إلى من نحب ” الزوجة و الرفيقة والصديقة والبنت والأخت ” ، وعلى عتبات هذه المحبة المنفلتة، قد تحتضر اللغة شوقا ولوعة وانتظارا
وان الحب هو دفء للقلوب لا يعرفه ويدرك قيمته إلا العازفون على أوتار البهجة والفرح الذي يحتاجه المرء ، فهو لا يولد أو يتولد ، بل يخترق العيون، ويسكن الأفئدة كالنور الساطع بريقه ، ينير كل الظلمات
المختار عنقا الادريسي
البيضاء في 12 نوفمبر 2024 **************
عن الحب الحقيقي أحكي
الحب الحقيقي لا توصفه حروف ولا كلمات ولامعاني، هو قمة النضج، وهو تجربة وجودية عميقة تنزع الإنسان من ألمه، وتجعله بعيدا عن وحدته وبرودتها القاتلة ، ويقدم له حياة دافئة ممتعة مع وجوه طيبة وجميلة ، ويجعلنا نتقاسم مع أناس احببناهم واحبونا ، كل اللحظات الهنية ، ويشعروننا بالطمأنينة حتى في أسوأ لحظاتنا . وبذلك فهم وهن من يستحقوا أن نمنحهم العمر كله ، ونغدق عليهم / عليهن كل الحب المتدفقة شطئانه، واللامتناهية لحظاته
الحب الحقيقي ليس فارسا متخيلا ، يمتطي صهوة جواده ، وليس رعشة انتشاء تسري في البدن ، ولا هو ملاك لايتغير، ولاسحابة صيف عابرة لم تمطر كما أنه ليس حياة دائما وردية، بل هو لحظات عصية صعبة ، وقدرة على تخطي كل الحواجز والمعيقات ، والتشبت بالالتزام والالزام الحقيقي الذي يولده التفاهم والتوافق والتسامح المشبع بالكرامة . وهو كذلك تشاركية في القيم والسلوكات والمسلكيات ، عندما يتعلق الأمر بالتمييز بين الصواب والخطأ، ولن يتحقق او يأتي الا بالوضوح بين الشريكن والإحترام المتبادل للحدود الشخصية واستحضار الخصوصية المميزة لكل منهما ، حتى لا نقع في شرك ودوامة الاحراج ، الذي قد لن ينتهي ويؤثر على المسيرة الحياتية ويدخلها في نقاشات لا منتهية
كما ان الحب الحقيقي ليس بالسحابة العابرة ، بل هو سماء صافية، ونسمة حانية، ودعوة جميلة لأحبتنا، – بغض النظر عن مواقعهم بالنسبة لنا – وهو تجربة إنسانية نسامح فيها ونتسامح مع من يقاسمنا ويشاركنا نفس المشاعر والأحاسيس ، ويساندنا على تخطي كل الصعاب، و يخاف علينا، – ويكون ذلك بشكل تقابلي بين الطرفين – يرشدنا ويوجهنا لتخطي العقبات والأزمات من أجل مواصلة الحياة معا، والاستمرار على النهج المتعارف عليه والملتزم به في صيغته الثنائية أو التشاركية في حالات المحبة الجماعية والمتعددة الأطراف
والحب الحقيقي هو الذي يسعى فيه الطرفان باستمرار الى المحافظة على علاقتهما، والتحلي بالتضحية والرغبة في التصالح مع الذات اولا ، ومع الآخر ثانيا ، فمن أجل هذا الآخر – الذي قد يكون زوجا /ة ، ابنا / بنتا ، اخا / اختا …… او ما الى ذلك – فان الأنانية تمحى من أجل كل أولئك، ومن أجل المحافظة على الخيط الناظم للنسيج العلائقي بين للجميع ومن أجل الجميع ، بعيدا عن كل رياء عاطفي أو اجتماعي
ولعل الحب الحقيقي يبقى منحصرا وشاملا لأناس سطروا أسمائهم ونقشوها بمداد من الفخر في القلب والذاكرة ، وأناروا دروب حياتنا في تشاركيتها المطلقة ، وغيروا بذلك عتمة النفس وحولوها إلى نهار براق ومشرق على الدوام ، الأمر الذي يعلل نبض قلوبنا بحبهم وتقديرهم على الدوام ، وهم – بطبيعة الحال – أولئك الذين حتى النسيان يرفض نسيانهم أو التغافل عنهم / عنهن ، وكيف لا وهم / هن المستوطنين في القلوب والقاطنين دواخلها ،فهم الذكرى الجميلة في حياتنا المتقاسمة في كل تلاوينها ومحطاتها
ومن جهة اخرى فان الحب الحقيقي لا ولن يموت أبدا، رغم انه – حسب بعض الظروف – قد يعرف بعض الفواصل، أو يتعرض لبعض الهزات الطارئة ، غير انه لا ولن يعرف الاستسلام، وقد يكون بمثابة عكاز يتم اللجوء إليه في حالة اليأس الطاريء ، فنكون ملزمين / ملزمات بأن ننصت إلى همومهم ونبحث عن كل ما يعالجهم ويدخل البهجة عليهم ، دون ان نتوخى من وراء ذلك اي مقابل او جزاء
واخيرا فان الحب الحقيقي هو كتف / اكتاف تسندنا وتؤازرنا حين تثقلنا هموم الحياة التي تنوعت وتشابكت ،في هذه الألفية الثالثة ،وتعددت تمظهراتها ، وهو كذلك بمثابة الروح الجميلة والقلب الطيب والموقف الرصين، والكلمة الوازنة ، التي تجعل خاصية الحب وَلاّدَةُ للاهتمام المسترسل وغير المشروط ، فيتجلى ويتمظهر في مختلف سلوكاتنا وقراراتنا ومواقفنا الحاضرة والمستقبلية – على حد سواء – ويكون بمثابة النهر الدافق الذي ننهل منه ، كل قيم المحبة والوفاء خلال أوقات ضعفنا ، خاصة وان المحبة في جوهرها
هي نعمة الاهية ، واعطية ربانية ، ننعم بها قبل ان يلهينا الزمن وتطوحنا المسافات الى البعيد ، وحتى قبل ان يحين وقت الانتهاء و الزوال ونغيب وكأنا لم نكن . وقبل كل هذا وذاك ،فان نبض القلوب لا يمكن ان تنسى او تتناسى الاحبة – على مر الزمان – مهما كانت درجاتهم او مواقعهم في منظومة المحبة المتشعبة والمتعددة الاطراف
ذ. ثريا الطاهري الورطاسي
الدار البيضاء في 16 يوليوز 2023