حضور المرأة في السينما العربية

حضور المرأة في السينما العربية
الصورة مأخوذة عن موقع العمق المغربي : تكريم المخرجة المغربية فريدة بليزيد
              ذ. رحمن خضير عباس

المرأة العربية : من المتلقي إلى المنتج في المجال السينمائي

يقول الفنان السينمائي شارلي شابلن: “كل ما يحتاجه الشخص لصناعة فيلم كوميدي، هو شرطي ومتنزه وفتاة جميلة ” ورغم اللغة المتهكمة الساخرة في قول هذا الفنان الذي يشكّل إعجازا في الفن السينمائي، ولكنه يُشير إلى أهمية وجود المرأة كثالوث في العمل السينمائي، وتضاف إلى الفضاء الاجتماعي العام والذي يمثله المتنزه، إضافة إلى وجود الشرطي الذي يمثل مجموعة من رموز السلطة. والمرأة في ذهن شابلن تمثل كل أنواع الجمال الروحي والعاطفي والمعرفي، إضافة إلى رقة الأنوثة وجمال الأمومة وقدرتهما على إضفاء الرخاء النفسي والعاطفي على الحياة العامة، وقد رسمت السينما العالمية حضورا ذا أهمية للمرأة، ولكنّ هذا الحضور اُستغل من قبل الشركات الإنتاجية الباحثة عن الثروة والكسب التجاري ، ليجعل منها بضاعة للجذب والإثارة، وذلك من خلال تحقيق معايير جمالية باذخة، قد تتحقق عن طريق التبرج وعمليات التجميل والأزياء

الراحل محمد خان

وقد شهدت السينما العربية في بدايات تكوينها وعبر مسيرتها تقليدا ومحاكاةً للسينما الغربية، معتمدة على نفس المعايير، ولذا فقد فشلت في رسم لوحة واقعية للمرأة، فكانت النماذج الشائعة هي الفتاة اللعوب التي تُغري الرجل بجمال جسدها، والفاتنة التي تقوم بوسائل الإغواء، أو الراقصة التي تثير متعة رجال يميلون طربا لحركات جسدها، وهي ترقص بينهم، أو قد تكون سكرتيرة تُشبع غرائز رؤسائها، أو خادمة جميلة ولكن العوز جعلها تخدم في بيوت الموسرين، فتتعرض كرامتها للانتهاك، أو امرأة تخدم سيدها الرجل وتخشى سطوته، وتفضل أن تكون خادمته لتنال رضاه، ورغم وجود مثل هذه النماذج في المجتمع، ولكنها غير شائعة. ولكنها ( نجحت) في رسم صورة نمطية مشوهة للمرأة، ورغم عدم واقعيتها، ولا تعكس حقيقةً المرأة التي هي كيان اجتماعي عريض لا يمكن جعله موضوعا للإمتاع البصري من خلال اختيار بعض النماذج النادرة، والتركيز عليها وتنميطها ، كي تُصبحَ عنصرَ جذب لأكثر الشرائح الاجتماعية التي تبحث عن مُتعة الفُرجة، وفي الحقيقة فإن هذا التوجه في السينما العربية ما هو إلا انعكاس للنهج الهوليودي الغربي الذي يقوم بصناعة نجوم ونجمات الإغراء وما يسمى بالموديل، وتسليع الجسد الأنثوي بجعله بضاعة صورية، تدر لشركات الإنتاج أموالا طائلة، ولكن على حساب الجمال الحقيقي للمرأة باعتبارها أمّا وصانعة للحياة ومربية وربة بيت وموظفة وعاملة، ولا تختلف عن الرجل إلا بكثرة أعبائها. كما ركّزت السينما العربية على الجوانب السلبية للمرأة، من خلال تضخيم بعض الصفات، فهي ثرثارة وبليدة، وهي مملة ومزعجة، وتثير الشجار مع زوجها، وقد تأتي على هيئة الحماة التي تُثير ( النكد) اليومي، ببحثها عن المشاكل. أو المرأة الفضولية التي تراقب الناس والجيران، وترصد تحركاتهم وتدس أنفها فيما لا يعنيها. وأعتقد بأن هذه الصورة النمطية مجحفة، لأن وجود مثل هذه النماذج النسوية، لا يعني شموليتها وتعميمها على النساء جميعا، وقد يكون ذلك التوجه قد انغرس في الفن السينمائي من خلال الرؤية الذكورية التي هيمنت على إنتاج الأفلام وإخراجها، أو يكون الدافع من وراء ذلك تسويق الأفلام والربح المادي الذي تجنيه من خلال هذا التركيز على النماذج السلبية وتضخيمها، لأنها ستجد المتلقي جاهزا لقبولها، ومن ثمّ ستنغرز في وعي المشاهد كحقائق ومسلمات لصورة المرأة. وما ذكرته لا ينفي وجود بعض الأفلام التي ناصرت قضايا المرأة، وقدمت نماذج إيجابية لها كمكافحة لشظف العيش وقسوة الواقع، وتعاني صراعا لمجتمع ذكوري زاخر بقيم تهميش المرأة والحطّ من قيمتها، وذلك من خلال بعض الأعراف والقيم القبلية في أغلب الدول العربية، والتي تنظر إليها بشكل هامشي، ولكن هذه الأفلام قليلة قياسا إلى الكم الهائل من الأفلام النمطية التي تحدثنا عنها. ورغم تقدمية نظرة بعض المخرجين العرب إلى المرأة، ولكنها تبقى دون المستوى المطلوب، إضافة إلى أن بعضها يعرض هذه القضايا من خلال رؤية أبوية، تمنح المرأة حنانا مشروطا، وهذا ما وجدناه ببعض الأفلام التي تتميز بالاعتدال. ففلم ( دعاء الكروان) من إخراج هنري بركات قدم رؤية نقدية لمثالب المجتمعات الأبوية، ولكنّ نظرته المتعاطفة لا تكفي لرفع الحيف عنها. أما المخرج محمد خان فقد بذل جهودا في سبيل الدفاع عن المرأة في كثير من أفلامه ، فقد رسم لنا بعض النماذج التي تتسم بالواقعية، من خلال المرأة الخائفة مما يحيط بها من أزمات ، وكان المخرج محمد خان يحتفي بالتفاصيل الجمالية ليظهر مدى ما تتمتع به المرأة من مكانة جديرة بالاحترام، ورغم جهود هؤلاء المخرجين ونظرتهم المنصفة تجاه مكانة المرأة، إلا أنها تبقى دون الحد المطلوب

كان لدخول المرأة معترك الإخراج والإنتاج السينمائي أثره في الحضور الفعلي للمرأة، فقد صوّبت عدسة كامرتها صوب المجتمع، من أجل إعادة اكتشافه وإبراز قيمه ومثالبه وأمراضه من خلال عيون الأنثى التي بقيت تنظر إلى نفسها لمدة طويلة من خلال كامرة الرجل ، ورغم أن ذلك يقتضي نوعا من المناورة للتحايل الفني على الرقيب الاجتماعي، بحيث لا يُشكّل الموضوع المطروح عنصرا مغايرا للمألوف من التقاليد والعادات. مما جعل المهمة أكثرَ تعقيدا “فيتحول إلى بحث ثقافي وسوسيولوجي وجندري أيضا”. مما أوقع بعض المخرجات أن يقعن بالمباشرة أو اللغة الهتافية أو الطرح المباشر على حساب المعايير الجمالية والفنية، والتي بدورها تجعل المادة السينمائية أكثر تأثيرا وبلاغةً. ترى المخرجة السعودية ريم البيات السينما بقولها: “السينما هي رابط أساس للمشاركة الإنسانية في الحياة، وقد فتحت لنا أفاقا لنعرف العالم ” وهذا إقرار من هذه السيدة بأن الحضور الحقيقي للمرأة هو في المشاركة في الفعل الإبداعي ، ولا تبقى المرأة مجرد متلق للمفاهيم، بل منتج لها ، وقد رأينا الكثير من النساء الخليجيات في الكويت والسعودية والإمارات قد دخلن غمار صناعة السينما، وتركنّ لمساتهن على شاشة الفن السابع مما خلق فنا سينمائيا يجاهر بحقوق المرأة، ويسلط الضوء على مشكلاتها. ولعل المساعدات المالية لهنّ من خلال مُنح مبادرة( ضوء) قد ساعدتهن في تخطي الصعوبات المالية التي تقف عائقا بوجه الكثير من أوجه الإبداع

أما صناعة السينما في العراق فكانت متعثرة، لأسباب عديدة لا مجال لتناولها، ولكن هذا لم يمنع حضور العنصر النسوي، ومن أبرز النسوة في مضمار الإخراج الفنانة فردوس مدحت التي بقيت وراء الكاميرا كمخرجة رغم مواهبها في التمثيل، تتحدث عن بواكير العقبات التي اعترضتها حينما اختارت المسرح، تقول: ” لم أنس موقف شقيقي حينما دخلت أكاديمية الفنون الجميلة فرع المسرح، فقد اقتحم أخي المسرح غاضبا، وسحبني من شعري في حرم الجامعة وممراتها، رافضا أن أختار التمثيل، ولكنني تشبثت بالفن رغم كل العقبات” وهكذا فإن قيم العادات والتقاليد لم تُطفئ في هذه المرأة وهجها الإبداعي، وقد قامت بإخراج الكثير من الأفلام التي تتناول الواقع المر الذي تعيشه النساء العراقيات، في ظلّ قيم العشيرة، والحروب والحصار. أما المخرجة ميسون باجة جي التي درست الفلسفة والسينما في مدرسة سلايد للفنون، وشاركت في تأسيس “الكلية المستقلة للسينما والتلفزيون” في بغداد. ومن أعمالها فيلم: ( عدسات مفتوحة في العراق ) . وترحل عبره إلى عالم خمس نساء من خمس مدن عراقية، يعملن ويعشن معاً في بيت دمشقي قبل العودة إلى الوطن لمباشرة المشروع. ومع التقاط الصور، يبدأن برواية قصصهن.. فيتحدثن عن طفولتهن، ومعاناتهن من أجل التعليم والحب.. ويروين حكايات الحب والخيانة، والموت والولادة، والحروب، والاختطافات، والعنف، ومظاهر المقاومة اليومية. ومن هذه الخيوط، تحيك هؤلاء النساء قصة متكاملة تؤكد أن الناس المقهورين والمغلوب على أمرهم قادرون على مقاومة الدمار الذي يواجه عالمهم، وأنهم بالإبداع يثبتون وجودهم وهويتهم

 للمرأة المغربية حضور قوي في السينما، يتمثل في وفرة الأسماء النسوية في الإخراج والإنتاج والتمثيل، وحسب بعض الإحصائيات غير الرسمية، فإن أربعين بالمائة من الأفلام السنوية من توقيع مخرجات مغربيات، بعضهن انتقل من التمثيل إلى الإخراج ، والبعض الآخر سار في طريق الإخراج من البداية. ومن أهم المخرجات السيدة فريدة بليزيد التي تعتبر رائدة في هذا المضمار وقد تكون المواضيع المتناولة لا تختلف كثيرا عن الأفلام التقليدية، ولكننا نلاحظ بصمات نسوية، فيها الكثير من الجرأة، فالفنانة ليلى المراكشي تناولت اضطهاد المرأة بطريقة ساخرة، وقد كانت بعض أفلامها مثيرة للجدل. الكثير من المخرجات تأثرن بالسينما الغربية من خلال دراساتهن أو اغترابهن ، لذلك تكتسب بعض أعمالهن صبغة مختلفة، مما يوحي بأنهن تجاوزن سقف ما هو مسموح به من الضوابط التي تفرضها القيم والأعراف المجتمعية . وإذا كانت المرأة الخليجية قد تجاوزت عقبة التمويل في العمل، فإن الفنانة المغربية مخرجة أو منتجة تعتبر مسألة التمويل من أهم العقبات التي تواجه أعمالها، لذلك تلجأ أحيانا إلى طرح (بضاعة فنية) مألوفة ومتصالحة مع السوق التجارية، كي تسد نفقات العمل الفني، وهذا ما يؤثر سلبا على طبيعته. يُضاف إلى ذلك حصار اللغة المحكية ( الدارجة) والتي تتحول في أغلب الأحيان إلى عائق لتسويق الأفلام المغربية إلى المشرق وذلك لعدم شيوع هذه اللهجة هناك، بعكس المغاربة الذين يفهمون أغلب لهجات المشرق، وهذا الأمر يؤثر على فكرة انتشار الأفلام والمسلسلات المغربية في العراق، والشام، ومصر، والخليج. مع أن اللهجة المغربية أقرب إلى الفصحى قياسا إلى لهجات أخرى

لقد استطاعت المرأة العربية أن تُثبت جدارتها وقدرتها على الخوض في المجالات الإبداعية، ومنها الفن السينمائي حيث تحولت من موقف المتلقي للفن إلى المنتج له، وهذا يدل على عافية ثقافية، يمكن أن تتعزز وتتطور من خلال إشاعة الثقافة السينمائية التي ينبغي أن تبدأ في المناهج الدراسية لطلبة الابتدائية والثانوية، ومن ثمّ تتشرب هذه الثقافة في وعيهم ليصبحوا أكثر قدرة على التطور المعرفي، فلكي تتطور السينما ينبغي أن تعتمد على قاعدة الوعي الاجتماعي الذي بدوره يتبادل التأثير بين الفن والجمهور. وإذا كان المسرح مدرسة للتعلم، فالسينما تقاسمه هذه المهمة العسيرة وهي تثقيف المجتمع وتعليمه وتطويره

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com