قصيدة جديدة حصريا للشاعر حسن حامي
أَسَافِين
اسْتَفسَرَنِي أخٌ
:كَم كَرَّمني و أَعزَّ
لِمَ لا تكتبُ عن غَزَّة؟
عَن صمودِ شعبِهَا
عَنِ الدماءِ التي سالَت
و بعدُ لم يَنقَطِعْ سيْلُهَا؟
ليسَ للشّعرِ فائِدَة
إِن لم يَكنْ شاهدَا
على كتابةِ
أَكثَر من شاهدَة؟
إن لم يُعِد إلى الحياة
أرواحاً شاردَة؟
ما قيمةُ الشِّعارات
و الجُملِ التي تُديرُ
للمَعانِي ظهرَهَا؟
تُبخِسُ اللغَةَ
تعبثُ
بِنحوِهَا و بلاغَتهَا
!!و تُكسِّرُ عِطفَها
ما البكاءُ وقد جفَّ الدمعُ
و البصيرةُ
نَكتَت عَهدَهَا
:كِدتُ أُجيبُهُ
بأنَّ ‘دارَ لُقمانَ
ما زالَت على حالِهَا’
لكنَّنِي أُعزُّهُ
و ‘دارُ لُقمانَ’ لا ذنبَ لهَا
في الرَّمدِ الذي
كادَ يعمي أَهلَها
:أَجبتُهُ
ليسَ للدَّمِ، إِذ يُهدرُ
!دَرجاتٌ و مَراتِب
ناسٌ كثيرةٌ تموت
و لا تُقامُ عليها
!! صلاةُ غائِب
هذا زمنُ القوةِ
تَتَحالَفُ فيهِ الضِّباعُ
!والذِّئابُ و الثَّعالب
يُقالُ : لا يوجدُ حقٌّ
إلَّا و وَراءَهُ
طالِب
لكن الحِكايَةَ كُلَّها
مِن حبكَةِ مُراوغٍ
مُشاكِس
—حتى ولَو غُلبَ
في أبهَى المجالِس—
يَدَّعي بأنَّه غالِب
يقتاتُ من رُعبِ الضحايا
يُنوِّعُ الدَّسائِس
والمَقالِب
يَرومُ الأسبقِية
يَتنقَّل كالظلِّ
في كلِّ جَانِب
يَبغضُ النَّدية
لا يَعرفُ خِلًّا
لا يذكرُ صاحِب
لكنَّ النَّاسَ عُميان
و أَسافينُ أَحزان
تُضمِّدُ جِراحَها
بالتّفنُّنِ
في حِقنِ المَصائِب
و كأنَّها
فِئرانُ تَجارِب
مُؤلمٌ و محزِنٌ
ما يَجري
و كأنَّ القتلَ هوايةٌ
أَصبحَت تُغري
المأساةُ ليس: مَن سَبَق
بل مَن تَسلَّق سورًا
و عَلَق
أينَ أّصحابَ المُقاطعَة
و المُمانعَة
و المُتابعَة
مَن يَحترِفُونَ اللّاءات
حتى ولو أشرقَتِ الشَّمسُ
—أحيانًا—
و أَضاءت مَمرَّات
يرفُضونَ أَن يتنفَّسُوا
من دونِ جَلدِ ذَات؟
هل رأّيتَ انضباطَهُم
في صفوفٍ مثاليَة
أمامَ تمثِيليات
من يَجهَرونَ
—ليلَ، نَهار—
بالعَداءِ لهُم
—دوَّلًا أجنبيَّة—
كَم من حقوقٍ خَرقَت
ومِلفَّاتٍ فَبركَت
لِلتّشويشِ
‘على ‘ القضية
يَلتزِمونَ الصَّمتَ
لعلَّهُم يَظفَرُونَ بأمِّ التأشيرات
و إقامةٍ طَويلةِ المَدى
— يا ليتَها مجَّانية—
يَنعمونَ بكأسٍ هُنا
و عصيرٍ مُركَّزٍ هُناك
و عُروضٍ مُرجانيَة
هل أَلغَوا سفرًا
مِن و إلَى
—وجهاتٍ مَرجعِية—
لن يَرغبُوا عنها
—مَهمَا ساءتِ الظُّروف
و تصدَّعتِ الصُّفوف—
يَبخلونَ بِقولِ [لَا]
—لا ضَيرَ فيها—
—استِهلاكية—
—ليسَ إلَّا—
و عندما يَنطقون [نعَم]
يُتبِعُوهَا
بالحَسرةِ و النَّدَم
وسوفَ يُنشِدون
نفسَ النَّغمات
حتى و لَو علِموا
بِأنَّ حربًا مُدمِّرةً
—لا مَحالةَ آتيَة—
هل قاطعُوا مدارسهُم؟
“هل فنَّدُوا تاريخهُم”
هل تَبجَّحوا
بلغاتٍ
غير لغاتِهِم؟
هل استساغُوا
معنى الكرامةِ
فِعلَا
قبلَ أن يصبحَ
لَوْكُ الكلمات
لتجارتهِم أصلَا ؟
هل وَجدوا
لمقاومةِ ‘فيروسِ’ الخَوفِ
و التَّنصُّلِ
و التَّلؤكِ
مَصلَا؟
قبلهُمُ كان درويش
و القباني
و السياب
وغيرُهم كَثيرون
فِي حقَبٍ مُختلِفَة
عاشُوا هُمومَ الهزيمَة
تَنقَّلُوا بينَ نفسِ الشَّوارعِ
و الأرصفَة
طَرقُوا نفسَ البَاب
اخترقُوا نفسَ العُباب
خيرًا ظَنُّوا أنهم يفعلُون
قبلَ أن ينسَلَ الحِجاب
و يَغرقَ الدَّمُ في اللُّعاب
و على بَعضِهِم البعضَ
ينقَلِبُون
كم جَيَّشًُوا من جُيوش
على الوَرَق
حتى كادتِ الأَرضُ
مِن صُراخِهِم
أَن تَحترِق
كَم من رصاصَةٍ
أطلقوهَا
صدرَ بَعوضةٍ
واحدةٌ منها
لم تَخترِق
كَم مِن مُنظِّرٍ نَجمهُ سَطَع
عاشَ حياةً مَخمليَّة
و لَم يكُن —بِعلمهِ
أو بِجَهلِهِ —سِوى
مُتعهِّدٍ
مَطيَّةٍ
مُرتزِق
انتَصرُوا للثورةِ
بحجمِ ما وزَّعوا
من قُبلات
على عَذَارى—غَوانٍ
فاتِنات
في عواصمَ أهلُهَا
يُوزِّعونَ عليهِم
في كلِّ الأَوقات
أَقبَحَ اللَّعنات
ادَّعوا أنَّ المرأةَ
في أَشعارِهِم
تَرمزُ للوَطنْ
و لم يُساهمُوا
بِدرهمٍ واحدٍ
في شِراءِ كَفنْ
أَو في كَفالةِ من تيتَّمُوا
مِن بغدادَ— إلى بيروت—
مِن طرابلسَ—
إلى عَدَن—
و غَيرِها
من أَريافٍ
و مُدُن
في وطنٍ كبير
مُتشَرذِمٍ
عبثِيٍّ
مُنقَسِم
خَوَّنُوا مَن خَالَفهُم
دَخلُوا ديارَهُم
دونَ أن يستأذِنوا
أسقَطُوا مَن أَرادُوا
—و نصَّبوا محلَّهم دُمًى
تخبِطُ في الأَنام
و تجترُّ العَفن—
هل أدركُوا يومًا
قيمةَ الكرامةِ
و العِزَّة
و قد انفلتَ الأمرُ من يدهِم
ببنَ هَمزَةٍ و غمزَة
بربوعٍ داميَة
لا تقلُّ
شَرفًا
فَخرًا
و عِزَّة
عن غزَّة؟
أَصبحُوا حلًّا و عقدا
ينتفِضون
بينَ مَزَّةٍ و مَزَّة
:يُردِّدون
—حتى و لو نَقضُوا عهدَا
و أَتلَفُوا مهدَا—
‘عَنزَة و لو طارَت’
!!!— عنزَة… عَنزَة
! غزَّة
والأَراضِي في جِوارِهَا
لَن يُطمرَهَا —أَو يُحييهَا—
غَيرَ أَبنائِها العَارفينَ
بِ—شِعابِها—
! غزَّة
مِثلَها
مِثلَ بغداد
بيروت
و دمشق—
تحتاجُ إلى أكثرِ
مِن هزَّة
لِتُصحِّحَ وضعَها
و تُخلِّصَ نَفسَها
مِن قبضَةِ مَن
يُتاجِرونَ بِها
مَن رَهنُوهَا
لحساباتِ غَيرِهِم
كم حِرباءَ عليهِم
أَلسَعُوهَا!
مَن ركبُوا أرشِيفَ التاريخ
و إلى الآن
لم ينجَحُوا
في تَرويضِ حِصان
—أَو زَرعْ أُرزَة—
فأينَ منهم غزَّة؟
لم يَكسِبُوا نِصفَ رِهَان
لم يُسجِّلوا فوزَا
لَم يفكُّوا لُغزَا
تَطاحنُوا حَولَ الرُّموز
و لَم يُنصِفُوا رمزَا
اجتَهدُوا في تقسيمِ الأَوطان
و إلى الآن
لَم يفلِحُوا سوى
في تَحريرِ الرّيح
و مُحاكَمةِ الدخان
حسن حامي: 17 نونبر 2023