السينما والدوافع النفسية
أنا الأعلى” الحضورالقوي”
السينما والدوافع النفسية الأساسية تتحرك الكائِنات البَشريّة مَدفوعة برغبات مثل الجوع ، والجِنس، والعُنف ، والبَحث عَن أحد تِلك المُتع هو ما يكثر وُجوده فٍي الأفلام. لقد ولدنا بمجموعة من الدوافع الأساسية المتمثلة عند فرويد بـالـ “هو” والتي سرعان ما ندرك أن إشباعها بشكلٍ كامل أمرٌ مستحيل، فنتحايل ونتفنن ونتعلم كيف نقدِّم المساومات والتنازلات الضرورية في الحياة وهو ما يمكن الرمز له بالـ “أنا”، وفي النهاية تكسبنا البيئة والثقافة والمجتمع والأهل حساً مزدوجاً يتأرجح بين الصواب والخطأ وهو الـ “أنا الأعلى”. إذا أخذت قصة ليلى والذئب على سبيل المثال فإن اللون الأحمر في معطف ليلى يمثل الثورة والصخب والفوضى فيما ليلى نفسها تعكس الأنوثة والخصوبة ونرى أن ليلى أرادت اشباع رغباتها بعدم الانصياع لأوامر والدتها وبخوض مغامرة تأخذها إلى غابةٍ كبيرة مملوءة بالأزهار والطيور غير مدركة ما يمكن أن تحف تلك الغابة من أخطار والغابة هنا ترمز إلى النفس التي تغويها عن طريق ذئب يرمز للرغبات والدوافع الحيوانية أو الـ “هو” ويدفعها إلى التوغل بعيداً في تلك الغابة ليتمكن الذئب من الوصول إلى منزل جدتها والتي تمثل حالة من الـ “أنا الأعلى” لابتلاعها. ثم ابتلاع ليلى كنوعٍ من التهديد لها أنها ستصير إلى مصير مجهول في حال قامت بتفعيل رغباتها بالحرية والانطلاق أو عدّم الانصياع للوالدين، إذا نظرنا إلى السينما فنجد أن معظم القصص تبنى على المبادئ عينها للدوافع البشرية القوة والمال والجنس ويمكن أن أضرب أمثلة كثيرة جداً ولكن سأتحدث هنا كمثال عن فيلم “طيران فوق عش الواقواق” حيث نلاحظ جلياً أن ماكمورفي “جاك نيكلسون” المتهم بعدة قضايا منها الاعتداء الجنسي والإدمان الكحولي والقمار نجده شخصية جذابة مرحة محبوبة معشوقة من النساء وحتى من الأصدقاء وهو بطبيعة الحال أكثر حريّة من الجميع ثائراً ضد المعايير الاجتماعية والسلطة القمعية المتمثلة بشخصية الممرضة “راتشد” التي غالباً ما نرى سلوكها البارد وتكتيكاتها المحسوبة للتحكم بالمرضى في ترميز للمعايير الاجتماعية القمعية التي تحدد الانسجام وتخمد الفردية. ويستكشف الفيلم التوتر بين الاندماج وبين التفرد فيُتوقع مثلاً من المرضى في المستشفى النفسي والذين يشكلون كافة أطياف المجتمع الامتثال للوائح صارمة مما يكبت هويّاتهم الحقيقية ودوافعهم المتمثلة بالـ “هو” ليدخل مكمورفي ملهماً الجميع اعتناق هويّاتهم الحقيقية وإظهار شخصيّاتهم عن طريق الاقتناع بهويّتهم التي تتمثل في أغلب المواقف بمجموعة من الدوافع مثل التدخين، الجنس، الكحول، القمار، ويشير إلى أن الصحة العقلية الحقيقية إنما تكمن في حرية أن تكون نفسك وتقاوم الضغوط الاجتماعية التي تجبرك على الانسجام وتسلبك جوهرك الحقيقي. مع نهاية الفيلم نرى أن مكمورفي الثوري والمجرم الجامح يتعرض لجراحة “بَضع الفص الجبهي” وأن الشخص الوحيد الذي تحرر من المجتمع أو من ذاك السجن كما صوّره الفيلم هو “تشيف” الذي خدّع الجميع بأنه أخرس وأطرش ولكنه يمتلك قوة بدنية هائلة تمكنه من الوصول إلى هدفّه المنشود وهنا يظهر نيتشه بفلسفة القوة ولعلَّ هذا ما أراد المخرج أن يوصله من الفيلم. إذا عدتُ إلى أمثلة أخرى فنجد نتائجاً مشابهة عن أن قمع الرغبات أو الـ “هو” سيجنبك الكثير من المتاعب ولنأخذ فيلم (الصرخة) فنجد أن البنات اللعوبات والمنغمسات في دوافعهن الجنسية هن من لا ينجين من الموت المحتَّم وغالباً ما يكون موتهن أكثر عنفاً وتتم إطالة المدة الزمنية له، حتى في أفلام المختلين النفسيين غالباً ما نرى أنهم يتمتعون بثلاثة أشياء رئيسية الجاذبية، المال، والقوة البدنية كفيلم صمت الحملان لـ أنطوني هوبكينز الذي يمثل شخصية الدكتور هانيبال ليكتر نجد أنه يتمتع بحريّة كبيرة خارج سجنه من المال والقوة البدنية والذكاء الشديد والجاذبية الجنسية، وحتى داخل سجنه فهو يتمتع بحريّة الخيال وبمميزات لا تمنح لغيره من المساجين ونجد أن الأمن والسلطات هي من تطلب منه أن يعمل معها وغالباً ما يتغلب بذكائه عليهم. فيجتمع له المال والجنس والقوة كلٌ في آن معاً، وفي الواقع فإن لدى الشخصيات السايكوباثية في الأفلام شعبية كبيرة وجمهور واسع من المحبين والمتعاطفين أكثر من المتعاطفين مع الضحايا، وهنا يخطر لي أن هذا الوضع لا ينطبق فقط على الأفلام، ولكن يتعداه إلى الواقع فكثيراً ما رأينا تعاطفاً مثيراً للانتباه مع القتلة المتسلسلين، وحتى القتلة العاديين في حال امتلكوا الجاذب أو الذكاء مثال على ذلك “تيد بوندي” و”جيفري داهمر”.
المُهَنّدْ النَاصِرْ