قصص قصيرة جدا
!!قصص قصيرة جدا “: خطباء وخطابات “
!! خطيب المسجد
خطيب مسجدنا لا يجيد الخطابة إلا بالصراخ والزعيق ، والصوت الجهوري المخيف ، لأنه لا يحفظ من القرآن سوى آيات العذاب والتهديد والوعيد ، وجهنم والسعير ، وأحاديث عذاب القبر المملوء بالثعابين والديدان ، التي تلتهم الأجساد والأبدان ، لكل عاصٍ من بني الإنسان ،،، ويحاول الخطيب الغضبان ، أن يجمِّل خطبته بالسجع والبيان ، في محاولة لإبراز تمكنه من اللغة والكلام ، وينسى خطيبنا ” الفنان ” ، أن القرآن ملئ بآيات الرحمة والغفران ، وأن الله الذي ذكره في خطبته بأنه الجبار وشديد العقاب ، هو الودود والرحمن والوهاب ، ويتناسى ما يوجد في الأحاديث القدسية ، والأحاديث النبوية ، من التخفيف عن عباد الله المؤمنين الغير قادرين ، في الصلاة والصيام ، وغيرها من العبادات والأحكام ، ومن الترغيب بديننا الوسطي الحنيف ، دون تشدد وتطرف ولغط ، من أمثال هذا الخطيب ، الذي صعد للمنبر بالغلط
!! خطيب المهرجان
خطيبنا في الاحتفال والمهرجان، لا يكتفي بتوصيل رسالته عبر الكلام باللسان ، فهو كثير الحركة باليدين ، وبعض الأحيان بحركة الرأس والعينين ، والتعبير بالتأشير ، وكأنه يوجه الحديث والخطاب ، لقوم من الصم والبكم ، مترجما الكلام بالإشارة ، محاولا بكثرة التأشير والتشبير ، توصيل معنى العبارة ، ومع حماسته في الخطاب ، أشار بإصبعه كأنه مسدس ، ففقأ عين أحد الجالسين بجواره على منصة الخطابة ، ونقل الضيف المصاب ، الذي أصابته شظايا الخطاب ، إلى المستشفى لتلقي الإسعاف والطبابة ، فنبهه أحد الحضور ، بضرورة تخفيف الكلام باليدين خلال الخطابة ، والاكتفاء بالتعبير باللسان والشفتين ، والابتعاد عن هذه الحركات ، قبل وقوع المزيد من الإصابات ، والاضطرار لإلغاء الاحتفالات
!! خطيب السلطان
في بلاط الحكام ، من الرؤساء والأمراء والسلاطين ، ما يعرف بـــ ” كاتب الخطابات ” ، خاصة في زمن الزعماء المعينين من الأميين والأغبياء ، أو من ورثوا الرئاسة بالخلافة ، أو من مغتصبي السلطة بالانقلاب ، أو ما يزور من انتخاب ، وقبل أن يخرج الزعيم لإلقاء الخطاب ، يكون كاتب الخطابات ، قد أعد له خطابا رنانا ، مليئا بالشعارات ، يزين فيها الهزائم ، ويحولها إلى انتصارات ، ويبرر له الفساد والسرقات ، وما يجنيه الأبناء والبنات من مكتسبات ، وحصولهم على الملايين والمليارات ، بجدهم وكدهم وتعبهم ، وليس بفعل قرابتهم من الزعيم الشريف ، الذي لا يوجد في حسابه ثمن رغيف ، وأنه المؤمن الزاهد في الحياة والرئاسة ، وصاحب الأمانة والكياسة ، والعالم بشؤون الدولة والأمن والاقتصاد والسياسة ، وأنه من أجل مصلحة الشعب مستعد للتضحية ، والقبول بتعديل الدستور ، والبقاء في سدة الحكم لفترة رئاسة ثانية وثالثة ، وإن اقتضى الأمر رابعة وخامسة ، أو حتى طول العمر ،،، قرأ الزعيم الخطاب باستغراب ، فاستدعى كاتبه الهٌمام ، وأبلغه أنه قرر إعفاءه من منصبه ، ومن كافة المهام ، واصفا إياه بالمنافق الكذاب ، وبأنه لو ألقى هذا الخطاب ، لخرج عليه الشعب بثورة ، تلقي به من النافذة ، قبل أن يهرب من الباب