مهرجان في القلب والذاكرة


المهرجان المرغوب…والدعم المغيب المرهوب
مهرجان قصبة بني عمار بزرهون الذي يحتفي بالحمار يخلق الحدث ويثير الجدل أمام تحديات لازمته منذ انطلاقته الأولى منذ ربع قرن، لكنه يتعرض لنوع من الإقصاء والتهميش فيما يخص الدعم العمومي، فباستثناء وزارة الثقافة، لا يحصل المهرجان على أي دعم من المجالس الترابية أو المؤسسات العمومية.
كثير من المثقفين والمبدعين في شتى التعبيرات الفنية والأدبية ببلادنا تربطهم علاقة وجدانية وثيقة بهذا المهرجان، لأنه في كل الدورات، يراهن على انخراط كل مكونات الجسم الإبداعي في التحديات التي يخوضها من أجل التمكن من تنظيم دورته الجديدة بشروط وإمكانيات محدودة.
وكنت قد حظيت بالمشاركة في إحدى دوراته سنة 2013، حيث أتيحت لي فرصة تقاسم يوميات ساكنة قصبة بني عمار رفقة شعراء وفنانين طيلة مدة المهرجان. وقد لمست مدى انصهار كل ساكنة القرية الجميلة من مختلف الشرائح والأعمار في فعاليات المهرجان، وهم يستعدون للاحتفاء بالكائن الجميل الذي هو الحمار. في هذه الأجواء العفوية المفعمة بالعرفان بجميل هذا الكائن الخدوم، والطموحة إلى خلخلة نظرتنا القدحية الشائعة عنه والمنغرسة في ثقافتنا السائدة.
وكم كان المشهد جميلا عندما تم تقديم أحد الحمير محملا بالكتب ليهديها إلى أبناء القصبة والمنطقة الذين اجتمعوا في القاعة التي احتضنت العروض. كنت قد قدمت بعضا من قصائدي الملحنة واستغربت كيف رددوا معي مقاطع منها وهم يسمعونها لأول مرة.
لحظات جميلة واستثنائية عشتها في هذا المهرجان الذي تسوده العفوية وروح التضامن، لخلق لحظة ثقافية إبداعية بعمق عوالمنا القروية. ولا يسعك إلا أن تحمل في مهجتك نفس أحلام أهل القرية والجمعية التي تنظم هذه التظاهرة، أحلام بغد ثقافي أجمل بهذه القصبة الجميلة، أحلام تظل مع الأسف معلقة حتى إشعار آخر، بسبب غياب الدعم الكافي رغم إصرار الجمعية على ضبط هذا الموعد وعدم إخلافه مع ساكنة المنطقة. ومن الأشياء الطريفة التي تعرضت لها بعد ذلك، أنني خلال حصة للقراءة بالقسم، ذكرت هذا المهرجان للتلاميذ الذين بدت عليهم الدهشة حد السخرية من مسألة الاحتفاء بالحمار. لكن توضيحا بسيطا لدور هذا الكائن الخدوم أزال بعض ملامح الصورة القد حية الراسخة لدى الكثير عنه.
أملنا إن لا يتم إجهاض هذه الأحلام الجميلة خصوصا وأن المهرجان يحظى بصيت عالمي عريض وشهرة واسعة وصار إرثا وتراثا لاماديا لبلادنا.