عنيبة محمد الحمري: وداعا أيها الشاعر الوديع
إلى روح الشاعر الأخ سي محمد عنيبة الحمري
فقدنا يوم الأربعاء 25 دجنبر 2024 الشاعر والمربي الأستاذ سي محمد عنيبة الحمري ، فرأينا أفذاذ الحي المحمدي يتساقطون كأوراق الخريف ، ربطتنا به علاقة تربوية كبيرة معه مذ عرفناه في دروب الحي المحمدي . كان هرما في أخلاقه النبيلة ، وهدوئه الشعري الصاخب مع ثلة من أبناء الحي المحمدي البررة ، هو والمرحوم سي أحمد الجوماري ، والصغير المسكيني ، ومع شعراء عصره الجميل : إدريس الملياني ومحمد هناوي الشياظمي وعبسة الحسين ( الحبيب هو الاسم الأصلي ) وآخرين أثثوا المشهد الأدبي بقوة في الشعر المغربي .
حين سألته عن صدور ديوان شعره الأول ” الحب مهزلة القرون ” ( 1968 م ) أهدني نسخة موقعة كتب بها ” إلى رغبتي الصادقة أخي المصطفى تكاني في قراءة ديواني الحب مهزلة القرون ” .
” اسمه : عنيبة محمد الحمري ، اسم بلا إيحاء خاص ، ليس مثل الأسماء التي لها رنين .
مدينته : الدار البيضاء ، العالم الأجرب الذي يطارد أبناءه ويغرقهم في ظلامه في تعبه اليومي من أجل الخبز ، هذا الإنسان ، من هذه المدينة الغول ، أصدر أخيرا ديوان شعر … ” عبد الجبار السحيمي .
[ مقدمة ديوان ” الشوق للإبحار ” شعر محمد عنيبة الحمري / الطبعة الأولى 1973 – مطبعة الأندلس – الدار البيضاء ].
ولد محمد عنيبة الحمري في الحي المحمدي بمدينة الدار البيضاء سنة 1946 . بدأ مساره الدراسي الابتدائي في ” مدرسة الاتحاد ” بدرب مولاي الشريف – الحي المحمدي ؛ رفقة أصدقاء العمر ، ثم انتقل ليتم دراسته بثانوية المولى إدريس الأزهر ( ليرميطاج حاليا ) ، وتلقى تعليما معربا ، حصل على الإجازة في الأدب العربي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس سنة 1969 ، وعلى شهادة استكمال الدروس سنة 1975 . عمل أستاذا لمادة اللغة العربية بالدار البيضاء ثم ناظرا بثانوية الإمام مالك بها إلى تقاعده . تفرغ لأعماله الأدبية والثقافية ، وشارك في العديد من الملتقيات الأدبية والمنتديات الشعرية . شغل مهمة كاتب عام فرع ” اتحاد كتاب المغرب ” لموسم 1974 / 1975 ، وعضو مكتبه التنفيذي لموسم 1989 / 1991 .
” بدأ ينشر سنة 1964 ، ونشر بعدة صحف ومجلات :
الصحف : الكفاح الوطني / البيان / المحرر الثقافي / العلم الثقافي .
المجلات : مجلة الأطلس / أقلام / آفاق / الثقافة الجديدة .
له أعمال شعرية منشورة منها :
* ” الحب .. مهزلة القرون “- عنيبة محمد الحمري / الطبعة الأولى مارس 1968 – مطبعة الأندلس – الدار البيضاء ؛
* ” الشوق للإبحار ” محمد عنيبة الحمري / الطبعة الأولى 1973 – مطبعة الأندلس – الدار البيضاء ؛
* ” مرثية للمصلوبين ” محمد عنيبة الحمري / الطبعة الأولى 1977 – مطبعة الأندلس – الدار البيضاء .
[ المرجع : الأدباء المغاربة المعاصرون – دراسة ببليوغرافية إحصائية / عبد السلام التازي – منشورات الجامعة . الطبعة الأولى نونبر 1983 – الدار البيضاء .]
ومن دواوينه : ” حين يخطئ الموت طريقه ” / إعداد الشعراء ” . كما صدر له كذلك ” في الإيقاع الشعري ” كتاب في العروض .
كتبت عنه مالكة العاصمي : ” وهو يتميز بالقدرة على التعبير الدقيق وتصوير الموضوع تصويرا واضحا مختصرا بسيطا ، يلتقط منه الصورة واضحة ، فليس في كتابته غموض من ينظر إلى داخله بعمق ، ولكنه تعبير واضح مختصر … فأغلب قصائده قصيرة قصرا يشجع على القراءة تبعا لذوق العصر الذي يكره التركيز وإعمال الذهن مما تتطلبه الكتابات الجادة أو القصائد الطويلة … ” .
[ مقدمة ديوان ” الشوق للإبحار ” شعر محمد عنيبة الحمري / الطبعة الأولى 1973 – مطبعة الأندلس – الدار البيضاء ].
شغلته منذ بدء حياته الأدبية القضايا التي هزت العالم العربي بعد نكسة 1967 م . وهو ما جعلني أن أقدم لأصدقائي في هذه الومضة الأدبية تعزية لروح الأخ سي محمد عنيبة الحمري ، لإعادة قصيدة : ” حديث عن المعركة ” التي نشرها في ديوانه الأول ” الحب مهزلة القرون ” حول القضية الفلسطينية ؛ وذلك تأبينا لروحه الطاهرة :
القصيدة : حديث عن المعركة
القضية الفلسطينية قضية العرب التي جاب أطوارها كل المثقفين والمفكرين العرب عامة والأدباء والمفكرين المغاربة خاصة ؛ قضية شغلت حيزا زمنيا كبيرا في عقول وقلوب ومجالات فكرهم منذ أن أسست الحركة الصهيونية كيانا في مؤتمر بال في سويسرا برئاسة تيودور هرتزل سنة 1897 ، وعبر وعد بلفور 1917 ، وما تلا ذلك من ثورات خلال منتصف القرن الماضي ، ونكبة 1948 ، والعدوان الثلاثي 1956 ، ونكسة 05 يونيو 1967 ، فأجَّجَتْ عواطفَ كل المفكرين والمثقفين والأدباء لمناهضة ما سلبته أرض فلسطين من بقاع تركت الجرح العربي داميا إلى الآن .
رياحُ الشرق هبَّت من سُبات
تُـريدُ العِـزَّ للوطن الكبير
تَـباشير الضياءِ لنا انتصار
ونحن نخوضُ معركةَ المصير
” فإسرائيلُ ” ما كانت لتحيا
بأرض أهلها طيَّ الحصير
فليس يُـخيفنا أنْ يستعينوا
” بأمريكا “ملوثةِ الضمير
وأن تفنى جيوش العرب غَدْرا
على قصف المدافع والصفير
فَــأَوْلَى أن يُردد قد أُبيدوا
على الأوطان أثناء المسير
وألَّا تسمع الدنيا خضوعا
من العرب الكرام ، وللحقير
ويا ذُلّ العروبة أن يدوسوا
” الوثاق “ويسكتوا يوم الزئير
أسرهم قِتال فاستكانوا
ترى أم جنبهم عند السرير
إذا وطن العروبة دِيس يوما
فيا سحق السكوت بلا هدير
مع المستعمرين نخوض حربا
إذا قيل انتهت يوم النفير
فما فشلت جيوش العرب يوما
وما كانت لتفشل في الهجير
ففي ” أحد ” أساء القوم رأيا
فكان النصر في كنفِ المغير
فطبعُ الحرب أن ينهال قومٌ
ويركن آخرون بلا نصير
كسبنا الحرب يا أعداء قومي
بثكل الأم ، بل قتل الصغير
كسبنا وحدة عربية بعد
فرقتنا … فهيا للمصير
أيا سفن العروبة إننا رغم
أعضاء الضحى نحيا فسيرى
فمهما شوه الأعداء حقا
بأسلاك وأمواج الأثير
فلن تهدَأَ معاركُنا لنا منذ
عهدٍ حقنا رغم الضرير !
[ ديوان ” الحب مهزلة القرون ” ص 85 – 88 ]