خواطر امراة:ثريا الطاهري الورطاسي
عن أدب الخلاف أحكي
ثريا الطاهري الورطاسي
ان لكل موقف مسلكيات ضابطة وثقافة مؤطرة وضوابط حاكمة وموجهة حتى ولو كان موضوع ذاك الموقف اي خلاف ، وهنا تحضرني قصة مستقاة من التاريخ – رغم اني لا أدري مدى صدقها اومصداقيتها – وقد حدثت مع أحد طلاب الإمام الشافعي ، يدعى يونس في مسألة ما ، وأثناء إلقاء الإمام الشافعي درسا في المسجد ، قام يونس- هذا – غاضبا وترك الدرس ، فلما أقبل الليل، سمع طرقا ببابه ، ولما فتحها وجد الإمام أمامه، فقال له : ” يايونس تجمعنا مئات المسائل، وهل ستفرقنا مسألة واحدة ؟
لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات ، فكسب القلوب أولى من كسب المواقف . يا يونس لاتهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها ، فربما تحتاجها للعودة يوما ، يابني اكره الخطأ ولا تكره المخطئ ، أبغض المعصية ، لكن سامح وأرحم العاصي، انتقد القول لكن احترم القائل ”
وهنا تنتهي القصة المرواة
لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات ، فكسب القلوب أولى من كسب المواقف . يا يونس لاتهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها ، فربما تحتاجها للعودة يوما ، يابني اكره الخطأ ولا تكره المخطئ ، أبغض المعصية ، لكن سامح وأرحم العاصي، انتقد القول لكن احترم القائل ”
وهنا تنتهي القصة المرواة
وامامها أجدني قائلة : ما أجمل مثل هذه الأخلاق السامية وأسأل : ايننا منها ؟
فبحكم طبيعة البشرواختلاف طباعهم وطبائعهم وميولاتهم وتفاوت درجات معرفتهم ، تبقى ظاهرة الخلاف – هذه – حاضرة على الدوام ولا يكاد يسلم منها أي جانب من جوانب الحياة بصفة عامة وقد يحدث نرى الخلاف حتى بين افراد الأسرة الواحدة ، وعند سكان العمارة الواحدة وفي نفس الحي وبين الأقران والأصدقاء و…و…و …وتتعدد هذه الواوات مشَكِلة سلسلةلا تنتهي. وانطلاقا منه فإن الحياة بدون اختلاف تبقى رتيبة ، وتجذر الاشارة – هنا – إلى أن الاختلاف المحمود هو ذاك الذي تتنوع فيه الأفكار والاراء دون مساس بالاخر – كيفما كان موقعه – وبعيدا عن أي عداوة اوبغضاء مجانية وعن كل استبداد بالرأي او فرض أي موقف احادي التصور ، أو قرار ناتج عن قناعة أحادية – غالبا ماتكون نتيجة لفهم ضيق او وصاية مجانبة لكل ما هو منطقي وعقلاني – وبالتالي فان الاختلاف المحمود هو الذي لا يفسد للود قضية ، وهو القائم على الاستماع للاخر ومشاورته واقناعه بالحِجَاج المنطقية ، لحفظ حقوق الآخر وصيانة كرامته ، بغض النظر عن موقعه داخل المنظومة الواحدة
فأدب الاختلاف ينبغي أن لا يتيه في فوضى الواقع او التموقع ، لأنه الطريق السليم لتبادل وجهات النظر ومناقشة الآراء دون وصاية أوترفع أو تعصب للرأي الواحد ، تماشيا مع قوله عز وجل :【ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم 】” سورة هود/118 – 119 ”
ويبقى للاختلاف في الآراء ووجهات النظر ، مجموعة من القواعد والضوابط والمسلكيات في الحياة- بصفة عامة – ينبغي مراعاتها، ومنها ضرورة احترام الآخر والتثبت من أقواله ، وعدم سوء الظن به ،وتجنب الحكم عليه من خلال أي مقدمات أو مسلمات معينة، وعدم تجريحه أو التنقيص منه لالشيء، سوى أنه مختلف معنا، وقد نضيف الى كل ذلك عدم تصيد أخطائه بالنبش في مساراته التاريخية وعثراته وزلاته ونشرها بدعوى التنقيص حتى لا نحول ذاك الاختلاف
إلى خلاف ، لا ولن ينتهي
وعموما ينبغي أن لا نسمح لأي اختلاف أن يثير بين الاحبة العداوة والبغضاء ، وذلك عن طريق فهم الآخر وتقديره وتقبله على ماهو عليه ، فيرى الواحد منا رأيه صوابا يحتمل الخطأ ورأي غيره خطئا يحتمل الصواب ، كما يبقى احترام المخالف صفة حضارية واجبة والتعامل مع اختلافه بكل اتزان
وعقلانية ، وليس باعتماد كلمات ومفاهيم ومصطلحات مشينة ومسيئة ، تنهل من احواض التعالي والاستاذية والوصاية ومايدور في فلكها
انسجام مع قوله تعالى :【فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى 】”سورةالنجم/32 “
وعليه لا يسعنا إلا أن ندعوا الى تجنب التجريح والتشنيع ، وما ذاك الا لأن الاختلاف يبقى في جوهره أمرا طبيعيا عند بني البشرشريطة ان لا يتجاوز حدوده ، فاما أن نقتنع بالرأي الآخر أو نرفضه بعد تبادل الحوار المستند إلى التقدير والاحترام القائمين على المُحَاجة المقنعة ، والرافضة لمخاصمةصاحب الرأي الذي نخالفه ، اوالتنقيص منه . فننهل جميعا من قيم ومباديء التسامح . ونستحضر مبدأ الحق في الاختلاف الذي لا ينقص من الكرامة بشئ ونتقبل بعضنا البعض ونعي بأن الحوار ماوجد الأ للإقناع وليس للالزام مؤسسين لسلوكات تنطلق من المحافظة على كرامة الجميع بغض النظر عن أي موقف تواجدنا به