أقصوصة للأستاذ صلاح الأحمر
كسرة خبز
لمحتها جالسة القرفصاء عند باب المخبزة، دلفت مسرعا إلى داخل المكان ولم أعرها كبير اهتمام .كانت متدثرة بثوب من الحياء ، تطرق في خجل وتحدق في اللا
شيء
طردت فكرة جالت بخاطري، أنها ربما مثل الأخريات تنتظر التفاتة عطف في عطاء . وأنا أغادر ناولتها رغيف خبز ساخن ومضيت على عجل. رمقتني بنظرة فرح حزينة فبادلتها عفو اللحظة واضعا يمناي على يسار صدري ، أحسست حينها بخافقي يقفز من بين ضلوعي لا يلوي على وجهة. أكملت خطاي مسرعا لأعبر الشارع ، لم أنتبه لصوت العربة القادمة من الاتجاه الآخر ، لكن صرير عجلاتها على ظهر الطريق صم أذني وأعقبه صوت ارتطام قوي . وجدت جسدي فوق زجاج العربة الأمامي وتدحرجت إلى الأرض. لم أفق من هول الصدمة إلا على ضجيج المارة الذين تجمعوا في دائرة أحاطت بمكان سقوطي .هرج ومرج لم أدر معه ماذا حدث . سمعت أحدهم يهمهم من بعيد عن رضى الوالدين
قاطعه آخر من هناك: بل إن معجزة ما جعلت مكابح العربة تستجيب بالتوقف في مسافة أقصر من حسابات صانعيها
قال ثالث : إن ربك رب الخير، قد نجاه من موت محقق ، فلعلها صدقة في الخفاء
ردد رابع : إن حظه يفتت الصخر ، يا للهول! فالإنسان محسود حتى على بعد هنيهة من الموت ، ابتسمت موجوعا من صدمة المفاجأة ، وألم السقوط أحسست بالأسفلت من تحتي مثل موقد أطفىء للتو .الشمس تلسع بصري بشوا ظ من الضوء الساطع .شعاع من صهد الصيف الحراق يخترق كل مسامات جسدي أغمضت عيني فبدا لي وجهها البشوش مشرقا بين طيات غمامة شاردة . مدت إلي بحنو كسرة ساخنة من تلك الخبزة ذاتها ، وبنبرة حزم رقيقة قالت لي
!قم يارجل، واحمد ربك أنك مازلت بخير –
رأيت في عينيها نظرة امتنان حانية وافتر ثغرها عن ابتسامة زاهية ، حتى خيل لي أن الوجود كله اختصرته تلك النظرة الودودة الغامضة . لوحت لي بيدها النحيلة فتحاملت على نفسي وحاولت أن أرد على تحيتها ، لكن لساني كان ثقيلا ، ويدي لم تسعفني كي أرفع إبهامي بعلامة الرضا
اختفت على ظهر سحابة مسافرة ولم يطل بعدها رقادي. ذلك الحادث أضحي ذكرى بعيدة من أيام خلت، لكن آثاره ما زالت في نفسي كرهاب دائم عند كل محاولة لعبور الشارع . والآن بعد كل هذه الأعوام التي مضت عقب تلك الواقعة، ها أنذا مازلت أبحث عن وجهها المضيء أمام أبواب المخابز في كل الأزقة والدروب والمدن علني أصادفها هناك .أدمنت التحديق في الغيوم الراحلة كلما مرت أمام ناظري . تابعت السحب المسافرة في خيالي إلى حيث لا حدود ولا نهاية، وفي كل مرة يرتد إلي البصر محبطا وهو حسير، ترى أين هي ؟ قطعا ليست هناك، ولكنها هنا في ملح خبزي في كل لقمة حلال ، وطي كل صدقة عابرة دون من أو رياء
صلاح الأحمر
الرباط 19يوليو2024م