عبد الوهاب الدكالي وعبد الهادي بلخياط : بين التعبير والتطريب

عبد الوهاب الدكالي وعبد الهادي بلخياط: وجها لوجه

 بين…بين

         ذ. عبد المجيد شكير

هما طرفان أو أكثر عاصرا بعضهما البعض، ونعما معا بالشهرة، فانقسم الناس بينهما ما بين مفضل لهذا، ومعجب بذاك، قد يكونان مغنين أو ملحنين أو شاعرين غنائيين أو ممثلين، اشتد بينهما تنافس الندية، وظلت علاقتهما قائمة على التقدير والاحترام المتبادلين، رغم ما شابها أحيانا من خلافات وتوترات، وحول هذا الموضوع نقدم سلسلة (بين بين) وهي عبارة عن مقارنات فنية نكشف فيها عن مؤهلات كل طرف، واقفين على أهم أعماله، وأبرز محطاته الفنية، مركزين على أهم مواضع الالتقاء والاختلاف بينهما

ينحدران معا من مدينة فاس ويتقاربان كثيرا في السن ، كلاهما من مواليد الأربعينيات . هو الموسيقار.. وهو عميد الأغنية المغربية الفنان عبد الوهاب الدكالي.. وهو الحنجرة الذهبية.. هو صوت المغرب الفنان عبد الهادي بلخياط.. ولكنهما يختلفان من حيث أسلوب الغناء.. فبينما اختار الأول أسلوب التعبير العصري الذي يعتمد على الإحساس بالكلمة، اعتمد الثاني أسلوب التطريب الكلاسيكي الذي يعتمد على قوة الصوت وجماله.. فكان لكل واحد منهما عشاق وأنصار، حتى شكلا مع مرور الزمن قطبي الأغنية العصرية

التقيا صدفة في بيت عبد النبي الجراري، لا أحد آنذاك كان يتكهن بأن هذين الشابين اللذين لم يتجاوزا العشرين من عمرهما سيصبحان أكبر نجمين في الأغنية المغربية،  ويؤكد بلخياط أن الدكالي سبقه زمنيا بحوالي سنة ونصف (في سنة 1960 كنت أتردد على بيت الجراري،  آملا في لحن منه خصوصا وأنه كان معروفا بتشجيعه للمواهب الصاعدة، فكنت أصادف آنذاك الدكالي يتمرن على قطعة /أنت/، وكان قد غنى قبلها الطومبيل – الخال).. كان طموحهما إلى إثبات الذات كبيرا جدا، فخاض الاثنان تجربة الهجرة إلى الشرق ) الدكالي ما بين 1962 و 1965( و) بلخياط ما بين 1965 و1967( غنى الاثنان هناك ألحانا شرقية لأعلام بارزة مثل بليغ حمدي ومحمد الموجي، ولكنهما عادا في نهاية المطاف إلى المغرب عازمين على رفع راية الأغنية المغربية، ومنذ نهاية الستينيات وبداية السبعينيات،  انطلقت شرارة التنافس بينهما، تنافس غنمت منه أغنيتنا روائع تطاول الزمن، وضمان نجاح أغانيهما سعى الاثنان إلى استقطاب أسماء متمرسة . فعلى مستوى الكتابة نجد الدكالي يتمسك بالشاعر محمد الطنجاوي وينسج معه ثنائيا استمعنا إليه في :  هذي يدي- هو الحب -مولد القمر- العهد -المسؤولية –مليون هكتار

… كان الطنجاوي مقابلا للشاعر عبد الرفيع جواهري ، والذي صنع مع بلخياط أمجادا تحدث عنها/ القمر الأحمر – ميعاد – رموش/ واللافت هو أن أطول أغنية عند بلخياط هي القمر الأحمر للجواهري وأطول أغنية لدى الدكالي هي مولد القمر للطنجاوي وهنا تحضرني بعض الأسئلة من مثل: ألم تكن قطعة (مولد القمر) ردا على (القمر الأحمر)، لاسيما أنهما معا اشتركتا في كلمة (القمر) وقد أكد التاريخ أن الدكالي لم يغن للشاعر جواهري غير قطعة زجلية سجلها بمصر تحت عنوان (نوارة)، وأن بلخياط لم يغن للطنجاوي غير قصيدة يتيمة هي (رحلة حب).  وإذا كان الدكالي بذكائه الشديد عرف كيف يستثمر مجموعة من الأقلام مركزا على نصوصها المضيئة، فبعد نجاحاته مع أحمد الطيب العلج : ما أنا إلا بشرـ النظرة ـ كتعجبني ـ اديني معاك ـ حكاية هوى ـ الليل والنجوم… وعبد الرحمان العلمي : (رجانا فالله ـ لهلا يزيد اكثرــ الولف صعيب ـ عيني ميزاني…) وحسن المفتي (مرسول الحب ـ أنا والغربةـ حجبوك عني العدا…) قدم لنا محمد البتولي في كتابات من نوع جديد (كان ياما كان ـ مونبرناص…) وعمر التلباني الذي انتقى له قطعا ذات بعد انساني (سوق البشرية ـ الله حي ـ غزاة…)، وأما بلخياط فقد وضع يده على قلم ذهبي الكتابة ألا وهو علي الحداني، ولم يترك له فرصة لمعانقة الدكالي (لم يغن الدكالي لعلي الحداني سوى قطعة واحدة هي / مغامرة/) ولإرضاء علي الحداني وشغله عن الدكالي حاول بلخياط أن يدخله إلى عالم عبد القادر الراشدي المراقب بالزجالين فتح الله المغاري وأحمد الطيب العلج (مامنك زوج) وإلى عالم عبد الرحيم السقاط (قطار الحياة ـ البوهالي ـ) ثم وجد في ألحان عبد القادر وهبي الشعبية ضالته فصال وجال بأغاني (الله يهديك ـ الصبر تقاضى ـ عوام ـ يابنت الناس ..) حتى إذا استنفد مخزونه اتجه صوب ملحن تنعته الأصابع بالتألق، ألا وهو أحمد العلوي (الله الله يا داك الإنسان ـ محبوبي..) وصوب ملحن يتقن صنع الألحان الجذابة وهو حسن القدميري (ماتاقشي بيا…)

واستفاقت الآذان ذات يوم على أغنية وطنية ساحرة يغنيها الدكالي صحبة نعيمة سميح (رحلة النصر) لمحمد البتولي، وقد عرفت الأغنية نجاحا كبيرا وانتشارا واسعا على مستوى وسائل الإعلام، وبعد فترة رد بلخياط بأغنية وطنية أيضا وشاركته في الغناء لطيفة رأفت (محلا النظرة في بلادي) للوافي فؤاد، وفي مراكش وخلال مهرجان الأغنية المغربية سنة 1997 بلغ التنافس بينهما أشده حيث شارك الاثنان في المسابقة (الدكالي بقطعة أغار وبلخياط بقطعة بين العمارات)، وقبل موعد المسابقة كان الدكالي متكتما على الأمر، وانزوى عن الأنظار كعادته مهيئا مفاجأته الإبداعية للمهرجان، ومن شدة تقربي من بلخياط في تلك الفترة أشهد على استعداده الكامل للتنافس مع الدكالي على الجائزة الأولى، وكانت النتيجة لصالح الدكالي

ولكن هذا التنافس لم يمنعهما من اللقاء مرات ومرات، فشاركا معا في العديد من السهرات والحفلات، واجتمعا في فيلم واحد من إخراج عبد الله المصباحي (أين تخبئون الشمس) سنة 1980 وفيه غنى بلخياط من ألحان الدكالي قطعة (يا هذا الكون)، وفي حفل مباشر بفرنسا، وقف النجمان معا أمام الجمهور يغنيان معا أغاني بعضهما البعض (مرسول الحب ـ لهلا يزيد أكثر ـ ما منك زوج ـ قطار الحياة.( كل واحد منهما يحترم الآخر، فعندما تسأل الدكالي عن بلخياط يرد بأنه من أحسن الأصوات في العالم العربي، لذلك فهو لم يجد غضاضة في حضور حفل تكريم بلخياط من طرف مجلس الموسيقى، حينها تقدم للخشبة مقدما له تحية التقدير، كما تناقلت وسائل الإعلام صورة تجمعهما يقدم فيها الدكالي تذكارا لتكريم بلخياط سنة 2002 (الرباب الذهبي)، وسئل الدكالي مرة عن الأغنية التي كان يتمنى أن يغنيها فأجاب بأنها هي قطعة (ما منك زوج) وأما بلخياط فيرى أن الأستاذ الدكالي فنان كبير قدم للأغنية المغربية الشيء الكثير، لذلك لم يتحرج في حضور الحفل الذي أقامه الدكالي بمناسبة فوزه بالجائزة الأولى في مهرجان مراكش السالف الذكر وتقديم التهنئة له، والتقطت عدسات الكاميرات صورة تجمعهما أثناء الحفل، ولا ننسى أن بلخياط كان يعيد أغاني الدكالي خصوصا في بداياته (لا تتركيني ـ أجيو نتسالمو…) بل إنه سجل قطعة (ما أنا إلا بشر) على أسطوانة

الأكيد أن الدكالي وبلخياط فنانان كبيران قدما للأغنية المغربية الشيء الكثير، وكان التنافس بينهما في صالحها، وبفضلهما تجاوزت الحدود وتردد صداها في العديد من المسارح العربية والأوروبية، ورفعا رايتها عاليا في السماء بما انتزعاه من جوائز وتتويجات، وبما استحقاه من تكريمات (فوز بلخياط بالميدالية الذهبية في مهرجان الأغنية الإفريقية بالجزائر في نهاية الستينيات ـ غناء بلخياط على مسرح الأولمبيا بفرنسا ـ غناؤه أيضا بدار الأوبرا بالقاهرة ـ فوز الدكالي بالجائزة الكبرى في مهرجان القاهرة الدولي للأغنيةـ تكريمه من قبل بابا الفاتيكان ـ تسلمه لمفتاح مدينة نيويورك من قبل عمدتها…)

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com