د. مهدي عامري : حوار خاص لألوان عن الذكاء الاصطناعي الجزء 2
قد يكون الذكاء الاصطناعي منافسا قويا للمبدع
لكنه أداة قوية يجب استخدامها بحكمة لتعزيز رفاهية الإنسان
نواصل نشر الجزء الثاني من الحوار الحصري مع الدكتور مهدي عامري ، المتخصص في الذكاء الاصطناعي ليواصل الحديث عن هذا الموضوع الشيق والهام الذي أصبح حديث من له هوس الاهتمام بالمجالات التكنولوجية. متابعة ممتعة أعزائي أينما تواجدتم
***************
دكتور مهدي عامري، ماذا عن نتائج استخدام الذكاء الاصطناعي في الإبداع الأدبي ؟ هل من شأنه أن يحكم – في أفق السنوات القادمة – على المبدعين الحقيقيين بالموت ؟
لعل استخدام الذكاء الاصطناعي في الإبداع الأدبي يمكن أن يؤدي إلى نتائج متباينة تتراوح بين الإيجابية والسلبية. من جهة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز العملية الإبداعية من خلال توفير أدوات جديدة للمبدعين لتحسين أعمالهم. على سبيل المثال، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في توليد أفكار جديدة، تحسين النصوص، وتقديم مقترحات لتحسين الحبكة أو تطوير الشخصيات. كما يمكن أن يسهم في تحليل الأعمال الأدبية وفهم الأنماط والأساليب الأدبية بشكل أعمق، مما يتيح للمبدعين البشريين التعلم والتطور بشكل أسرع. من جهة أخرى، قد يثير الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في الإبداع الأدبي مخاوف بشأن مستقبل المبدعين البشر. و هناك خشية من أن يؤدي الاعتماد الزائد على الذكاء الاصطناعي إلى تقليل القيمة الممنوحة للإبداع البشري، وقد يصل البعض إلى استنتاج مفاده أن المبدعين الحقيقيين قد يواجهون تحديات أكبر في الحفاظ على مكانتهم وأهمية أعمالهم. و في هذا السياق، يمكن أن يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه منافس قوي، خاصة إذا تمكن من إنتاج أعمال أدبية ذات جودة عالية يمكنها منافسة أو حتى تجاوز تلك التي ينتجها البشر. ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن الإبداع الأدبي يرتبط بشكل وثيق بالتجربة الإنسانية والمشاعر و الحدس و اللاوعي والخيال، وهي عناصر يصعب على الذكاء الاصطناعي تقليدها بشكل كامل. صحيح أنه قد يتمكن الذكاء الاصطناعي من إنتاج نصوص ممتازة تقنيًا، ولكنه يفتقر إلى القدرة على نقل العمق العاطفي والإنساني الذي يتميز به الأدب البشري. لهذا السبب، من المحتمل أن يظل للمبدعين الحقيقيين دور مهم ومكانة مرموقة في عالم الأدب، رغم التحديات التي قد يفرضها التقدم التكنولوجي. و في أفق السنوات القادمة، قد نرى توازناً بين استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة دعم للمبدعين وبين الحفاظ على القيمة الفريدة للإبداع البشري. و يمكن أن يتحقق ذلك من خلال التشجيع على التعاون و التكامل بين البشر والذكاء الاصطناعي، حيث يستفيد المبدعون من القدرات التحليلية والتقنية للذكاء الاصطناعي دون أن يفقدوا هويتهم الإبداعية الأصلية
هل هناك أمثلة ملهمة في السنوات الأخيرة لمبدعين عالميين اعتمدوا على الذكاء الاصطناعي في خلق أعمالهم (روايات – لوحات…) ؟
:نعم، هناك العديد من الأمثلة الملهمة لمبدعين عالميين اعتمدوا على الذكاء الاصطناعي في خلق أعمالهم في السنوات الأخيرة. فيما يلي بعض الأمثلة
ماريو كلينجمان: فنان ألماني استخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء أعمال فنية تعتمد على خوارزميات تعلم الآلة. أحد أعماله الشهيرة هو “ذكريات العابرين الأول“، وهي لوحة مولدة بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي وتم بيعها في مزاد سوذبيز
باتريك تريسي: فنان فرنسي يستخدم الروبوتات المبرمجة لرسم اللوحات. تريسي يبرمج الروبوتات لتقليد أسلوبه الفني في الرسم، مما يخلق تجربة فريدة تجمع بين التكنولوجيا والفن *
آنا ريدلر: فنانة بريطانية استخدمت البيانات والذكاء الاصطناعي في مشاريعها الفنية. عملها “فيروس الفسيفساء” هو مثال رائع على كيفية استخدام البيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي في الفنون التشكيلية *
أحمد الجمل: أستاذ وباحث في مجال الذكاء الاصطناعي ومؤسس مشروع “أرتندكس“، الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل وإنشاء فنون تشكيلية. و أحد مشاريعه الشهيرة هو “آيكان”، الذي يخلق لوحات فنية تعتمد على تحليل بيانات ضخمة من الأعمال الفنية التاريخية
هولي هيرندون: موسيقية أمريكية استخدمت الذكاء الاصطناعي في ألبومها “بروتو“. و استخدمت هيرندون نظام ذكاء اصطناعي يُدعى “سباون” للمساهمة في إنتاج الموسيقى، مما أضفى طبقات جديدة ومعقدة على أعمالها *
توم وايت: فنان وباحث يستخدم الذكاء الاصطناعي لتوليد رسومات وأشكال جديدة. و مشروعه “محركات الإدراك” يستكشف كيف يمكن للذكاء الاصطناعي رؤية وفهم العالم من خلال الفن *
و لعل هذه الأمثلة توضح كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة قوية في أيدي المبدعين، مما يفتح آفاقاً جديدة للإبداع والابتكار في مختلف المجالات الفنية
أين ستذهب المشاعر التي لن يستطيع الذكاء الاصطناعي التعبير عنها في كتاباته التي ينسجها بناءً على برمجته ومعطياته؟
ان المشاعر التي لن يستطيع الذكاء الاصطناعي التعبير عنها في كتاباته ستظل جزءًا أساسيًا من الإبداع البشري. و الذكاء الاصطناعي، مهما بلغ من تطور وتقنية، يعتمد على المعطيات والبرمجة التي تم تزويده بها، وبالتالي فإن قدرته على التعبير عن المشاعر الحقيقية تكون محدودة ومقيدة بالبيانات التي تم تدريبه عليها. و هذا يعني أن عمق العواطف، التجارب الإنسانية الفريدة، والتعابير العاطفية الصادقة التي تميز الأدب البشري ستظل ميدانًا حصريًا للمبدعين البشر. ان المشاعر الإنسانية تنبع من تجارب شخصية وحياتية معقدة تتجاوز البرمجة والخوارزميات. لذلك، فإن القصص والنصوص التي تحتوي على تعبيرات عاطفية عميقة، وتأثيرات وجدانية صادقة، ستظل متاحة فقط من خلال الإبداع البشري. صحيح… يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحاكي هذه المشاعر إلى حد ما، ولكنه لن يتمكن من تجسيدها بنفس العمق والأصالة التي يتميز بها الإنسان. و بالتالي، ستظل المشاعر الصادقة والحقيقية جزءًا لا يتجزأ من الأدب والفن البشري، ولن يتمكن الذكاء الاصطناعي من تجاوزها بشكل كامل، مما يضمن بقاء قيمة وأهمية
الإبداع البشري في مجالات الأدب والفن
كيف تتصور د. مهدي عامري مجال الذكاء الاصطناعي خلال السنوات العشرة القادمة؟
في خضم الثورة التكنولوجية التي نشهدها اليوم، أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيشكل محورًا رئيسيًا في تطور المجتمع على مدى السنوات العشر القادمة. فبفضل قدرته على التعلم العميق وتحليل البيانات الضخمة، أظن أن الذكاء الاصطناعي سيسهم بشكل جذري في تغيير معالم العديد من الصناعات مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والتمويل، والنقل. على صعيد الرعاية الصحية، أرى أن الذكاء الاصطناعي سيمكن من التشخيص المبكر للأمراض وعلاجها بطرق أكثر دقة وفعالية، مما سيؤدي إلى تحسين جودة الحياة وزيادة متوسط العمر المتوقع. و في مجال التعليم، أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيوفر أدوات تعليمية متقدمة تتكيف مع احتياجات كل طالب على حدة، مما يعزز من جودة التعليم ويساهم في تقليص الفجوات التعليمية. أما في القطاع المالي، فمن المؤكد أن الذكاء الاصطناعي سيمكن من تحسين إدارة المخاطر وتطوير استراتيجيات استثمارية ذكية تعتمد على تحليل بيانات السوق بشكل مستمر ودقيق. مما سيسهم في تحقيق استثمارات أكثر أمانًا وأقل عرضة للتقلبات. و في قطاع النقل، أرى أن الذكاء الاصطناعي سيسهم في تطوير أنظمة القيادة الذاتية التي ستجعل النقل أكثر أمانًا وكفاءة، مما سيقلل من حوادث المرور ويوفر الوقت والجهد. و إلى جانب هذه القطاعات الرئيسية، أعتقد أن مجال الذكاء الاصطناعي سيشهد تطورات ملحوظة في مجالات أخرى مثل الأمن السيبراني، حيث سيوفر حلولًا أكثر تطورًا لمكافحة التهديدات الأمنية وحماية البيانات الحساسة. كما أرى أنه سيكون له دور كبير في تعزيز التجارب الترفيهية من خلال تقديم تجارب افتراضية متقدمة وألعاب تفاعلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي. أما على المستوى الاجتماعي، أظن أن انتشار الذكاء الاصطناعي سيطرح تحديات جديدة تتعلق بالخصوصية والأخلاقيات، مما سيتطلب تطوير إطار قانوني وأخلاقي يضمن استخدامه بطرق مسؤولة وآمنة. كما أن التحول الرقمي الذي سيصاحبه سيؤدي إلى تغييرات كبيرة في سوق العمل، حيث سيحل الذكاء الاصطناعي محل العديد من الوظائف التقليدية، ما سيجعل من الضروري تأهيل القوى العاملة وتطوير مهارات جديدة تتماشى مع احتياجات العصر الرقمي. و بناء على ما سبق أؤكد على أهمية التعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث سيكون من الضروري تبادل الخبرات والمعرفة بين الدول لتعزيز الابتكار وتحقيق التنمية المستدامة. وأرى أنه يجب الاستثمار في البحث والتطوير لدفع حدود الذكاء الاصطناعي وتحقيق اكتشافات جديدة تفتح آفاقًا غير مسبوقة. وفي نهاية المطاف، أظن أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية، بل هو أداة قوية يجب استخدامها بحكمة لتعزيز رفاهية الإنسان وتحقيق تقدم حقيقي في مختلف جوانب الحياة. و لعل التحدي الأكبر في السنوات العشر القادمة سيتمثل في كيفية تسخير هذه التكنولوجيا المتطورة بطريقة تحقق التوازن بين الابتكار والمسؤولية الاجتماعية، وتضمن استفادة الجميع من فوائدها دون إغفال الجوانب الأخلاقية والإنسانية
كلمة أخيرة لمتابعي موقع “ألوان” عبر العالم
أعزائي متابعي موقع “ألوان” عبر العالم، أود أن أعبّر لكم عن خالص امتناني واعتزازي بتواصلكم المستمر ودعمكم الرائع لفعل القراءة الهادفة. إن تفاعلكم ومشاركتكم الفعالة هي ما يحفّزنا على تقديم الأفضل دائمًا، والسعي إلى تقديم محتوى غني ومتنوع يلبي اهتماماتكم ويثري معارفكم
و أنا أؤمن بأن العالم مليء بالألوان المتنوعة التي تضفي على حياتنا جمالًا وتفرّدًا. وأرجو أن أكون قد وفقت لنقل هذه الألوان إليكم من خلال مقالاتي، وتحليلاتي وقصصي، التي أرجو أن تكون مصدر إلهام وإثراء لكم جميعًا. وفي ظل التطورات السريعة التي يشهدها العالم، من المهم مواكبة كل جديد وتقديم محتوى متميز – يقترحه جيل من صناع المحتوى الجاد – و يعكس أحدث الاتجاهات والأفكار. كما أدعوكم دائمًا للتفاعل ومشاركة آرائكم وأفكاركم، فهي مصدر إلهامنا المستمر. و أشكركم مجددًا على ثقتكم ودعمكم، ونتطلع إلى مزيد من التفاعل والإبداع معكم في المستقبل
نتمنى لكم قراءة ممتعة ورحلة مميزة بين ألوان المعرفة و الاعلام و الحياة
دمتم بخير وسعادة
د. مهدي عامري