جميلة بوعزة: تطريزات نسائية 10
جميلة بوعزة : واحدة من اللواتي زرعن الرعب في المقاهي والشوارع ضد المستعمر الفرنسي
:تقديم للتطريزات التاريخية
وتستمر جريدة ألوان الإلكترونية في نشر هذه الأضمومات النسائية التي يخصنا بها حصريا الاستاذ المختار عنقا الادريسي من المملكة المغربية ، وتدخل في باب النبش عن الأدوار الطلائعية التي قامت بها النساء المقاومات والمجاهدات في دول المغرب العربي ، إلى جانب الرجال من أجل المساهمة في التحرير من سيطرة وتسلط جيوش الاستعمار (ألوان)
:مدخل تاريخي أولي
تعتبر الفترة الفاصلة مابين سنوات 1954 و 1962 من أهم مراحل الثورة الجزائرية وتعد منعرجا حاسما في مسيرة تحقيق الاستقلال والتحرر من الهيمنة الفرنسية، وقد شاركت فيها كل أطياف الشعب الجزائري بما فيهم المرأة التي كانت تعيش حالة من الانغلاق المفروض عليها ، كما يرى المؤرخ رابح لونيسي واخرون في كتابهم المعنون: “رجال لهم تاريخ متبوع بنساء لهن تاريخ “، ويضيف أن المرأة لم تقف مكتوفة الأيدي ، بل شاركت جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل لتحرير الوطن . ولتحقيق ذلك تم إنشاء تنظيم نسائي سمي بجمعية النساء المسلمات الجزائريات،وتحول في نوفمبر 1954 إلى لجنة تعمل تحت قيادة مامية شنتوف واقتصرت مهمتها في البداية على مساعدة عائلات وأسر المسجونين والاهتمام بالمرأة وتدعيم برامجها الساعية للحرية والاستقلال ، تبعا لما ورد في كتاب عائشة قنيفي المعنون بكفاح المرأة الجزائرية . دراسات وبحوث الملتقى الوطني الأول حول كفاح المرأة .وفي20 غشت 1956 تقرر تنظيم ملتقى أو ندوة وطنية خرجت بمجموعة من القرارات تعرف بمقررات مؤتمر الصومال حول المرأة ودورها في الثورة التحررية كما يرى بذلك المترجم الصادق عماري ، وقد أشادت هذه المقررات بالدور البطولي الذي قدمته النساء الجزائريات على مر العصور، ضاربة المثل بالفتاة القبايلية المسماة للالة فاطمة نسومر التي أبلت البلاء الحسن في هذه الحركية – ولنا لها عودة في التطريزات اللاحقة – ومن هنا كانت بداية مشاركة المرأة الجزائرية في ثورة التحرير وقد اخترنا أن نتوقف بقراء جريدة ألوان عند احداهن وهي
:جميلة بوعزة الجزائرية
رأت النور بمنطقة العفرون/ البليدة سنة 1939 ، وتشكل رفقة كل من بوحيرد وبوباشا مايعرف في تاريخ النضال النسائي بالجميلات الثلاث . وقد نشات على حب الوطن وبغض المستعمر وأفعاله الجرمية، ولم تكن تتجاوز 15 من عمرها وهي الطالبة بالتعليم الثانوي ،تتابع مختلف أحداث الثورة الشعبية ، وكان طبيعيا أن تنتظم ضمن خلايا المجموعات المسلحة العاملة بالعاصمة فقامت بوضع عدة قنابل بأماكن متفرقة يتواجد بها الفرنسيون،وقد انخرطت إلى جانب كلا من زهرة ظريف وجميلة بوحيرد وحسيبة بن بوعلي ومليكة قايد وغيرهن في الخلايا التي أسستها جبهة التحرير ، ونتيجة لبطولاتها أصبحت المطاردة رقم 2
وقد أسندت لها مع رفيقات درب النضال ، مهام تنفيذ العمليات الفدائية داخل مختلف الأحياء التي يسكنها الفرنسيون ، وتكلفت بنقل القنابل و المسدسات وتسليمها إلى الفدائيين في أماكن قيامهم بالعمليات ، وقد كن اكثر فاعلية من الرجال ، حيث تمكن من المرور على نقاط التفتيش بكل أريحية وسهولة، وهو ما اعترف به الجنرال ماسو في كتابه La vrai bataille d’Alger بقوله لقد حملت المرأة الجزائرية القنابل ووضعتها في أماكنها المناسبة، واصبحت جماعة تشكل شبكة حقيقية بفضل أجهزتها وجمالها الفاتن والبراءة المصطنعة في سلوكها واستطاعت بكل سهولة أن تخترق الأوساط التي تريدها دون إثارة انتباه العدو . كل ذلك كان يتم بسهولة متناهية وبثقة كبيرة ، فكانت الواحدة منهن تحمل الأسلحة والقنابل والمتفجرات ، في قُفَفٍ لضمان الانفلات من مراكز التفتيش المنتشرة في كل مكان ، ولما تفطنت القوات الفرنسية للدعم الذي تقدمه الفدئيات أمثال جميلة بوعزة لرجال المقاومة ، أصبحت بذلك المرأة مستهدفة من طرف قوة الإحتلال مثلها مثل الرجل
وقد كانت أول عملياتها الفدائية في صيف 1956 ، بإحدى بنايات ديدوش مراد ، بعد أن أمدتها بالقنبلة جميلة بوحيرد التي كانت قد سبقتها إلى الانخراط الطوعي في العمل النضالي ، وبنجاحها في هذه العملية أكدت إنخراطها بكثير من النجاح في منظومة العمل الفدائي بالعاصمة ، ومن ذلك الوقت أصبحت تتكفل بنقل القنابل حينا وبعمليات التفجير في أحايين أخرى
وفي يناير 1957 أصبحت جميلة بوعزة من العناصر الفاعلة وبجدية كبيرة في معركة الجزائر، فقامت بتفجير ملهى كوك هاردي، فقتل به أكثر من 20 فرنسيا وجرح 89 اخرين ، وقد خلقت بعملها ذلك الكثير من أثار الخوف والرعب في نفوس الأوروبيين وهو ما وضحه يوسف بن خدة عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب الجزائري في قوله : في جانفيي1957 قبل الاضرابات، قامت جماعة فدائية بحي القصبة بوضع متفجرات في مقهى الاوتوماتيك وسقط نتيجة لذلك العديد من القتلى والجرحى في اوساط الفرنسيين ، فكان وقع هذه العملية عليهم مثل الزلزال المدمر . وبعد ذلك مباشرة سيقوم الجنرال ماسو بفرض حضر التجوال من التاسعة ليلا إلى الخامسة صباحا
وكتفت القوات الفرنسية من عملياتها الموجهة نحو المداهمة والمراقبة والبحث عن عناصر الثورة الذين كانوا وراء معركة الجزائر، ووراء الإضراب العام الذي شُرِع فيه يوم 28 يناير 1957 ، اضطرت جميلة بوعزة إلى البحث عن عمل ، وهو ما تأتى لها عندما وجدت وظيفة في مركز البريد بساحة الشهداء ، ولعله الأمر الذي ساعد أجهزة المخابرات على رسم صورة لها مستعينين بوصف لمشاهديها ومتتبعيها ، بعد أن ظلت في الخفاء ، وهو ما سهل اعتقالها في أبريل 1957 على يد السفاح غرزياني بعد أن نصب لها كمينا في مكان عملها المدني ، فنقلت مباشرة إلى منطقة الأبيار ، ووضعت في الزنزانة مع أخيها الذي لم بكن عمرة يتجاوز آنذاك 12 سنة ، ومع رفيقة دربها جميلة بوحيرد ،ظلت تعاني من الضرب والتعذيب بمختلف ألوانه حتى فقدت وعيها، وأعترفت وبشجاعة تامة بأنها تنتمي إلى جبهة جيش التحرير الوطني ، وبأنها واحدة من اللواتي زرعن الرعب في المقاهي والشوارع الشيء الذي أدى بالجلاد إلى الرفع من وثيرة تعذيبها ، وقد نصبت عائلتها المحامي الفرنسي الشهير جاك فرجس للدفاع عنها ، وقد أصيب بصدمة عندما شاهدها لأول مرة ، ووجهها قد فارقته ملامح الحياة إثر امتلائه بزرقة اللطمات التي كانت تتعرض لها ، وأمام التنكيل بها فقدت عقلها تحت وطأة وقسوة التعذيب وكانت تصدر وهي في قاعة المحكمة حركات جنونية وتتفوه بكلمات جارحة وتمزق ثيابها عن جسدها وتشيرإلى الحضور باصبعها وكانها توجه اليهم مسدسا وتصرخ تاك تاك تاك ، وقد اضطر معها رئيس المحكمة الى احالتها على طبيب مختص ، جاء في تقريره ان جميلة سليمة العقل ولا تعاني من اي شيء وانها تتظاهر بالجنون فقط ، ورغم ان المحامي طلب من لجنة المحاكمة اعادة فحصها ، غير ان طلبه قوبل بالرفض ووجهت لها الكثير من التهم ومنها : (احراز المفرقعات والشروع في قتل وتدمير مبان بالمفرقعات والانضمام لجماعة القتلة ) وامام كل ذلك حكم عليها بالاعدام يوم 14 يوليوز 1957 .وهو الامر الذي لم يتحقق بفعل الضغط العالمي واحتجاجات المنظمات النسائية في الكثير من دول العالم ، فتحولت عقوبتها الى السجن المؤبد ، وظلت تحت التنكيل والتعذيب إلى أن أطلق سراحها في 1962
ومع إطلاق سراحها تكفلت جبهة التحرير الوطني بنقلها مع مجموعة من المجاهدات إلى تونس حيث استقبلتهن الحكومة المؤقتة بالكثير من الحفاوة
وبعد استقلال الجزائر عاشت جميلة بوعزة حياتها امرأة وطنية مخلصة ادت واجبها بكل فخر إلى توفيت في فجر الجمعة بعيادة الأزهر بالعاصمة عن عمر يناهز 78 سنة
:وقد نخلص في نهاية هذه المتابعة إلى
أن نضال المرأة الجزائرية ضد المستعمر لم يبدأ مع انطلاق ثورة التحرير ، بل يعود الى القرن 19 مع المقاومات الشعبية المسلحة
لقد أحدثت الثورة الجزائرية تغييرا جذريا في الحياة السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية للجزائرين عامة ، وفي حياة النساء خاصة
منذ الوهلة الأولى انخرطت المرأة في حركية الثورة ، فشاركت الطفلة والشابة والعجوز في صف واحد ، وحملن السلاح كجنديات وقمن بما يتطلبه النضال العسكري من قوة البدن وخفة الحركة
اثبتت المرأة مكانتها ووقفت جنبا إلى جنب رفقة الرجال مناضلة بمختلف الوسائل والطرق والاساليب
:المستندات المعتمدة
ليلى تيتة : دور المرأة الجزائرية في النضال التحرري من خلال مواثيق الثورة 1954 – 1962 جامعة الحاج لخضر . باتنة الجزائر . منشور بمجلة منتدى الاستاذ العدد 13 .2013
رابح لونيسي واخرون . رجال لهم تاريخ متبوع بنساء لهن تاريخ
أنيسة زياني وسيراز بلشهب دور المرأة الجزائرية في الثورة التحريرية. الجميلات الثلاث أنموذجا . تحت إشراف صالح حيمر . مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر دفعة 2019 جامعة العربي التبسي
تبسة الجزائر