تطريزات تاريخية رقم 6
“الشهيدة التي لم تمت”
نواصل نشر سلسلة “تطريزات تاريخية ” عن نساء تركن بصماتهن في تاريخ شعوبهن من خلال شجاعة مستميتة، وكفاح ونضال كبير من أجل رسالة آمن بها ، وحملنها بفخر حتى آخر نفس. هذا العدد من ألوان يتناول مناضلة جزائرية، نترك القارئ يكتشف حكايتها مع الأستاذة ثريا الطاهري الورطاسي
لم تحظ المرأة الجزائرية بالعناية اللازمة في استكشاف وتتبع رحلاتها الكفاحية، وبقيت الأدوار التي قامت بها ثاوية في الظل رغم أنها ساهمت وبشكل ملحوظ في التحرك من أجل مقاومة الاحتلال الفرنسي الذي امتد ما بين 1954 و1962 ، ومن بين الأسماء البارزة يذكر التاريخ : فاطمة نوسمر – فاطمة خليف – زينب القاسمي ‐ حسيبة بن بوعلي – مليكة قايد – فضيلة سعدان ، وغيرهن من النساء
سنتوقف في هذه المحطة عند رمز من هذه الرموز: مناضلة جزائرية إسمها “فاطمة خليف”، من مواليد ألف وتسعمائة وثمان وثلاثون، بقرية أولاد عيسى قرب مدينة تلمسان ، وهي رمز الثورة الجزائرية التي يطلق عليها اسم “الشهيدة التي لم تمت” ، وقد عاشت في فضاء نضالي يمتد من الأسرة إلى القرية التي كانت تتواجد بها . كانوا يأخذونها – وهي شابة – لحضور اجتماعات جيش التحرير ، ومما تقوله عن بدايتها الأولى في هذا الإطار أن: والدي استشهد، وأغلب أفراد عائلتي رموا بالرصاص في واقعة 6 يونيو 1956، أثناء معركة كبيرة بمنطقة بوسدرة، دامت ثلاثة أيام بلياليها، شاركت فيها الدبابات والمدرعات والمجنزرات، وما يزيد عن عشرين طائرة حربية ، وستة فيالق من رجال الهندسة الميكانيكية، أغلب جنودها من اللفيف الأجنبي من رجال الكمندوس، فأحرق منزلنا ولم يعد لنا بيتا نأوي إليه، فرافقت بعض أخواتي اللائي بقين على قيد الحياة مع عائلات المداشر الفارة والتحقنا بالجبال
قد ألقي عليها القبض وهي المصابة بالجروح البليغة في نوفمبر 1956، على إثر معركة دامية ، وأخذت مقيدة بالأغلال حافية القدمين وملابسها ممزقة ، كانت تمشي والدماء تنزف منها ، ورغم وضعيتها المزرية تلك ، فقد سلط عليها جنود الاحتلال وزبانيته أبشع أنواع التعذيب وكل أصناف الإهانة المعنوية ، والكي بالنار والكهرباء ، كما أرغموها على شرب المياه الملوثة بمختلف الوسائل الكيماوية والأوساخ ، وإمعانا في التنكيل بها ، كانوا يجرحون مناطق مختلفة من جسدها – خاصة المناطق الحساسة – ويقومون بدهنها وطلائها بالأملاح
وفي محاولات يائسة من المستعمر للحصول منها على المعلومات المتعلقة بمخازن الأسلحة والذخيرة الحربية ، ومراكز التموين، فقد بقيت ثلاثة أشهر كاملة تحت وابل التنكيل وكل أصناف التعذيب، ومع ذلك ظلت صامدة ولم تبح بأي شيء مما تعرفه . ولم تنته حملات التعذيب هذه إلا في شهر مارس1957، عندما ألقت بها القوات الفرنسية في قريتها ، لتحظى بعلاجات أولية ، وعناية بعض أفراد عائلتها ممن بقوا على قيد الحياة ، وقد أُجْبِرَت على القدوم اليومي إلى إحدى المراكز المخصصة للإمضاء والتنقيط
وبعد تهريبها ليلا -من طرف رجال المقاومة- إلى أحد مراكز العلاج السرية ، جاءت وحدات الجيش للبحث عنها واستنطاق سكان قريتها بهدف العثور عليها، ولما فشلت كل محاولاتهم أخذوا أختها الصغيرة عائشة التي لم تتجاوز 15 عاما من عمرها كرهينة. وبعد التمشيط والحصار المضروب على جبل” جرف لحمر ” الذي كانت تتواجد به فاطمة ، ثم قصفها بالمدفعية والطيران ، فأصيبت بجروح بليغة بسبب شظايا القنابل التي ثم إلقاؤها على مخازن السلاح. وقد حدث أن أُدْخِلت باخرتان من الموانئ المغربية لدعم المجاهدين ، فألقي عليها القبض في إحدى المعارك مع بعض الجرحى ، وأرسلوا جميعا إلى مراكز التعذيب ببرج (بحتل) ، وهي مقيدة بالسلاسل في عنقها ويديها ورجليها ، وطُلِبَ منها أن تشتم المجاهدين غير انها فاجأت السلطات العسكرية بعد أن أعطوها مكبر الصوت قائلة : “أن المجاهدين ليس لهم أي أكواخ من الأشجار والأعشاب في الغابة ، بل لهم قصور في الجنة وهم أبطال شجعان مجاهدون فيي سبيل الله والوطن . وان كل من يرتد عن ثورته وجهاده فهو كافر مصيره جهنم فلنمت شهداء والمجد والخلود للشهداء “. وأثناء كلمتها ظلت تتعرض للضرب والشتم من قبل الضابط الفرنسي ” تيسو ” داخل السيارة العسكرية ، إلى أن اغمي عليها فأخذت إلى مستشفى بتلمسان لتتعرض للمزيد من التعذيب الجسدي، والتنكيل المعنوي على يد أحد الأطباء الفرنسين، بحيث خاطبها الجندي الذي قام باستنطاقها بقوله : اذا قتلناك فستتخلصين من الدنيا ، وإذا خلعنا عينيك كهذا الرجل المجاهد الذي أمامك، فإنك ستعيشين ولا تتمتعين بالدنيا ، ولذلك سنبقيك على قيد الحياة وتعيشين العذاب والشقاء والبؤس والحرمان . فتم قطع يديها بالمزبرة وألقي بها في قريتها ، وبعد ذلك أُخِذت من قبل جيش التحرير الوطني للعلاج ، وتكلفت بمساعدتها إحدى صديقاتها في كل متطلبات الحياة من مأكل وملبس وتنظيف
وفي إحدى المحطات النضالية أصيبت مرة أخرى بجروح بليغة ، فألقي عليها القبض وهي تئن من شدة الألم ، ومما زاد في معاناتها أنها كانت في الشهر الثامن من حملها وعوض أن تقدم لها الاسعافات الأولية ، كما تنص على ذلك جميع الأعراف نجد أن المصالح المختصة للجيش الفرنسي “ساس”، ستعمد الى التنكيل بها وتعذيبها في محاولة يائسة لإرغامها على البوح بأسرار مشاركتها في المعركة، رغم الإعاقة التي لا تؤهلها لذلك ، ومن شدة التعذيب أغمي عليها حتى أوشكت على الإجهاض. ليتم نقلها بعد ذلك في الثاني من نوفمبر 1961مع قافلة من المعتقلين إلى “محتشمة سبدو” ، وتم عزل النساء عن الرجال تحت وابل من الشتم والضرب ، المعزز بنهش الكلاب ، وفي ليلة 11 ديسمبر 1961 ، كانت الظروف السجنية مأساوية بامتياز نتيجة لانخفاض درجة الحرارة ، وهبوب الرياح وتساقط الثلوج ، وفي هذا الجو المشحون بالآلام والاوجاع ، ستضع ” فاطمة ” وبمساعدة صديقتها فاطمة قاسمي – مولودها المسمى: نصر الدين
وقد حاولت السلطات الفرنسية التنكيل بها للتخلص من وليدها ، غير أن الموقف المشرف للسيدات السجينات المتوج بالدخول في اضراب مفتوح عن الطعام فرض على المستعمر أن يترك المولود مع والدته في السجن ليتحول إلى مؤنس لهن جميعا، وقد توج كل ذلك بإطلاق سراح فاطمة خليف مع ابنها نصر الدين في آخر شهر أبريل 1962، لتنتقل إلى رحمة ربها وهي في الثمانين من عمرها ، بعد أن تركت إرثا غنيا من النضال والتضحية من أجل الوطن
:ومن أقوالها المأثورة نستحضر ما يلي
لم أكن ابحث عن الشهرة أو التكريم ، وكل ماكنت أريده هو تحرير بلدي من الاستعمار –
المرأة الجزائرية لعبت دورا هاما في الثورة الجزائرية وكان لها نصيب كبير في النصر –
:ملاحظة للختم : من المصادر والمستندات المعتمد عليها في إعداد هذه الورقة التعريفية ، نورد ما يلي
“رأي اليوم: صحيفة عربية مستقلة: “من بطولات المرأة الجزائرية في الثورة
فاطمة خليف: مجاهدة من أجل الحرية
دور المرأة الجزائرية في النضال التحرري: ليلى تيتة
مجلة روافد للبحوث والدراسات . المجلد 6 العدد2
Aljazeera.net women