رواية “الزنجية” للكاتبة الجزائرية عائشة بنور
رواية “الزنجية” إضافة للرواية العربية والإفريقيـة
القاهرة : تسنيم يونس
رواية الزنجية إحدى الروايات المهمة التي صدرت في السنوات الأخيرة بدون منازع للأديبة الجزائرية المتميزة عائشة بنور، فهي أديبة تحمل رؤية وفكرا. فأعمالها لا تأتي اعتباطا من أجل عمل يحمل هرتلة كتابية دون فكرة او مضمون لايخرج منه القارىء بمعنى او هدف وفلسفة ما
نشرت الكاتبة بنور أعمالها بالجزائـر وخارجها، لها العديد من الأعمال الروائية، مثل روايات “السوط والصدى”، و “اعترافات امرأة”، “سقوط فارس الأحلام”، “نساء في الجحيم” وترجمت أعمالها إلى الفرنسية والانجليزية…. ورواية الزنجية التي حصلت الدار المصرية المغرببة بالقاهرة على حقوق طبعتها الجديدة بعد صدورها بالجزائر والسعودية ، هي رواية تتداخل فيها الأنواع من سينما وتشكيل و موسيقي، وكما قال الناقد عبدالله لالي أن الكاتب البارع هو من يجعل من نصّه دسما، يحتاج فهمه واستيعابه وتشرّب معانيه؛ إلى عملية هضم بطيئة، كأنّها تُعدّ على نار هادئة فتتسرّب أفكاره إلى روح القارئ مثلما يتسرّب نسج الحياة في النّبات الأخضر على مهل وتراخ، ولكنّه حين يُنبت الجذور يجعلها تمتدّ عميقا في التربة.. وحين ينبت الفروع والأوراق يجعلها تمتد شامخة في السّماء، تزهو بجمال الحياة في كلّ جزء منها.. ذلك هو النّص (الروائي) النّاجح. وكأنّ الروائيّة عائشة بنّور نذرت نفسها للدّفاع عن قضايا المرأة في العالم، فبعد ملحمتها عن المرأة الفلسطينية التي تواجه ظلم المحتلّ بقلب يتحدّى الإعصار، وبصدر يواجه الرّصاص، ورواية اعترافات امرأة ، فها هي تعود إلى القارة السمراء لتغوص في أعماق (الزنجيّة)، التي تولد مع الألم، ليكون توأما لروحها وظلّها الذي يزيد حياتها عتمة، امرأة تعاني الصّدمة المستمرة منذ أن أمس بها رجلان مفتولا العضلات، واقتدّت عجوز شمطاء جزءا من جسدها النّحيل، لتحيل حياتها إلى جحيم متصل، في عملية ختان (التقليد المقدّس) مريرة، ويبقى ظلّ تلك الحادثة المؤرقة كابوسها الرّهيب.وتسعى إلى الهجرة إلى دولة أخرى مع البطل الثاني (زوجها) إلى بعض الدّول العربية، هروبا من هذا الواقع القاسي وبحثا عن السعادة المفقودة
أما النّاقد السوداني عزّ الدّين ميرغني فقد كتب في دراسة له يقول أن رواية الزنجية إضافة للرواية العربية والإفريقيـة
فهي تشرع أبواب الفجوات المسكوت عنها، فتغوص في عمق جراح الأنثى الإفريقية وتختزل واقعا مريرا تعيشه المرأة خاصة في بلدان افريقيا السوداء، حيث تتحرك فيها البطلة بلانكا، أو الأنثى الإفريقية الزنجيّة في نفق التقاليــد وتتخبط في دوامة الجهل والقهر والعنف كتعرضها للعنف النفسي والجسدي وما ينجر عنه من آثار نفسية وسلوكية تنعكس على حياتها الكاملة مستقبلا كظاهرة ختان الفتيات وهن في عمر الزهور وكذلك في مواجهة آثار الصراعات القبلية والحـروب والإنقلابات
فالبطلة بلانكا وزوجها فريكي يقرّران الهجرة إلى بلد شمالي يحلمان العيش فيه تحت سقف مع رغيف خبز واطمئنان. لكن يحدث لهم في البلد الحلم ما لم يكن في الحسبان، يجدان واقعا آخر يبخّر أحلامهما
تتعرض الرواية أيضا إلى وجه آخر من المعاناة الإنسانية، العنصرية والعنف ضد الفتيات ، بالإضافة إلى موضوع الهجرة ونزوح الأعداد الهائلة من الأفارقة ، وخاصة المرأة والأطفال نحو دول الشمال بحثا عن رغيف الخبز والحياة الكريمة، وما يتعرضون له من مخاطر في شساعة الصحراء هروبا
عذراء افريقيا تحوّلت رغم خيراتها وثرواتها إلى مقبرة للموت، ومرتع للفساد، والأمراض كالإيدز والملاريا فأصبح المكان مقمـوعا، وشخصياتـه مقهـورة، وتفاعـل مأساوي رهيـب تعيشه شخوص الرواية في ظل الخوف من المجهول
” تكتشف أيضا البصمة الأسلوبيّة الخاصّة والمميزة للكاتبة عن غيرها. فالمستهلّ الوصفي للمكان ولبطلة الرواية (بلانكا)، ينقلك نقلة مكانية وجغرافية مثيرة وتصبح المحفز الثالث للرواية. وبعدها تحسّ بأنّك سائح ومتلقّي معرفة جديدة، في مكان جديد..” بغض النّظر عن الفكرة الأساسيّة التي انطلقت منها الروائيّة، وهي فكرة (ختن البنات)، والتي قد تختلف حولها الرؤى بأنّها اضطهاد وقهر للمرأة ، أم هي مجرّد عمل ديني أو اجتماعي قد يكون مؤلما لكنّه مفيد مستقبلا ، مثل ختان الرّجل الذي فيه منافع كبيرة للرجل، دينيا وطبيّا، ومثل ثقب الأذنين للزينة، وعمليّة التلقيح التي تسبب الحمّى في كثير من الحالات، وغيرها من الأمور التي يكون فيها بعض الألم لكنّها في جوهرها مفيدة للإنسان، بغضّ النظر عن كلّ ذلك، فإنّ المرأة تعاني فعلا كثيرا من مظاهر التخلّف والبؤس في إفريقيا وآسيا وكثير من دول العالم الثالث، وتتعرّض لشتى أنواع القهر والاستعباد المعنوي، وحتى الجسدي، بل إنّ هذا الاستعباد تعيش أوربا والغرب بصفة عامة في شكل حضارة مزيّفة، تحرم المرأة من الأمومة وتروجها على شكل جسد محموم يقدّم المتعة العابرة
رواية الزنجيّة تكشف إلى العمل الخطير المنظم من أجل نشر الإيدز في إفريقيا من خلال اغتصاب الفتيات الصغيرات، وهذا يحيلنا على مرض الساعة، (كورونا) الذي أشارت كثير من التحقيقات والأبحاث أنّه عمل منظم، من أجل التخلّص من جزء من البشريّة، كبار السنّ وأصحاب الأمراض المزمنة، وكذلك العمل على استغلال هذا الوباء المفتعل، أو المستغل من أجل الترويج للقاح الجديد، الذي تجنى من ورائه الثروات الطائلة. ص 49
وهذا أمر ليس بعيدا عن الأنانيات الغربيّة، وسماسرة العالم الذين لا يرعوونعن المتاجرة بدماء النّاس، وآلامهم في الحروب والصراعات المتعدّدة في العالم، وقضايا مثل هذه تستحق أن تعالج روائيّا، وأن تسلّط عليها الأضواء على أمل يبزغ نور يكشف للنّاس الدّروب المظلمة، والآفاق المغبّشة
جدير بالذكر أن عائشة بنور نشرت مقالات في جرائد مختلفة حول قضايا المرأة والطفل ونالت عدّة جوائز منها الجائزة الدولية الأولى في مسابقة “أدب المرأة” عن هيئة اتحاد الأدباء بالولايات المتحدة الأمريكية