!الإعلام المغربي متعدد لكن بدون تعددية
مجال التدريس منحني الكثير من المتعة والنضج
يسعدنا في جريدة “ ألوان ” أن نستضيف اليوم الإعلامية والصحافية ومقدمة البرامج الفنية التلفزيونية “فاطمة الإفريقي”، ضمن سلسلة الحوارات مع إعلاميين لهم وزن في المجال الإعلامي ، مميزون بعطاءاتهم خدمة للرأي العام، وتنوير المجتمع، من منبر السلطة الرابعة، بكل شجاعة وتفاني، كانت البداية مع الإعلامي عبد اللطيف بنحيى، ثم الإذاعية زهور الغزاوي، وتلتها الإذاعية فاطمة عيسى، جميعهم من طاقم إذاعة طنجة. اليوم نعرج على العاصمة الرباط لنحط الرحال مع الإعلامية فاطمة الإفريقي التي فتحت لألوان قلبها في اللقاء الحصري التالي
السيدة فاطمة الافريقي وجه إعلامي ترك انطباعا لا يمحى في نفوس كل المتتبعين لبرامجها ، شقت طريقها بإصرار وتحدي لكل الحواجز، من مواليد الرباط ، صحافية ومقدمة برامج فنية ومنتجة تلفزيونية ، إعلامية مغربية من أكثر مقدمي البرامج التلفزيونية إثارة للجدل ، اشتهرت بكتابة عمودها الأسبوعي على صحيفة ” أخبار اليوم ” . لم تظهر على شاشة التلفزيون المغربي منذ 2012 ، وفي هذا الصدد تقول لن أقول بأن هناك مؤامرة مع سبق الإصرار، ولكن هناك رقابة ذاتية ، لا أقدم أي مشروع أظهر فيه ، حتى لا أحرج المسؤولين في القناة التي أشتغل بها
في لقاء لها مع طلبة (ماستر التنشيط الثقافي والابداع الفني) تقول : هناك أسماء ووجوه فنية تضغط بقوة من أجل احتكار شاشة التلفزيون ، لكن بعد حروب لم تكن سهلة أديت ثمنها ، خلقت أسلوبا مختلفا للبرامج الفنية
عن بداياتها الأولى كيف كانت حاضرة ، وكيف انتهت؟
تجيب: بدأت ولم تنته بعد ، ورغم مرور أكثر من 30 سنة على خطواتي الأولى في المجال ، فلازلت أعتبر نفسي مبتدئة و أجد متعة في التعلم الدائم والاكتشاف المعرفي ، ففي 1990 كانت بدايتي المهنية ، بعد تخرجي مباشرة من المعهد العالي للصحافة بالرباط ، حيث التحقت بالتلفزيون (قسم البرامج) ، كانت إطلالتي الأولى على المشاهد في رمضان 1991 من خلال البرنامج الرمضاني (سحر) ، وهو برنامج يومي حواري مع مشاهير الفن على مائدة السحور. وهذه الإطلالة اليومية على المشاهد هي التي أعطتني الفرصة لترسيخ صورتي لدى المشاهدين
بعد هذه التجربة بسنة بدأت بث البرنامج الأسبوعي (المجلة الفنية ) والذي دام ثمان سنوات حولت خلاله فكرة المجلة المكتوبة إلى مجلة تلفزيونية ، ورغم مخاوف المسؤولين قررت أن أركب التحدي معتبرة أن التلفزيون هو الذي يحرك البرك الراكدة وخلق الحركية الفنية ، ومن حسن الطالع أن صادفت هذه السنوات ظهور الأفواج الأولى لخريجي المعهد العالي للتنشيط الثقافي والفن المسرحي، فكانت بداية ظهور أجيال جديدة عرفت بهم وبأعمالهم ومساراتهم الفنية ، وتوالت عملية تواصل الفنانين مع البرنامج للتعريف بكل جديد ، إلى أن صرت أجد صعوبة في تغطية كل الأعمال الجديدة
وفي سنة 2000 خضت مع نفس الفريق تجربة جديدة مع برنامج( مساء الفن ) ، وانصب اهتمامي على تناول ملفات الإبداع والثقافة، وواكبت نبض المشهد المغربي بكل جرأة وتنوع ، و استضفت خلاله ألمع نجوم الفن مغربيا وعربيا ، و يمكن اعتباره استمرارية لبرنامج ( المجلة الفنية ) ، فمع تغيير المسؤولين وبطلب منهم تتغير البرامج في عناوينها ، بينما نجد أن مضامينها تبقى واحدة ، وخلال هذا البرنامج انفتحنا أكثر واستعنا بمقدمين آخرين للإشراف على فقرات أخرى مضافة إلى البرنامج ، مؤكدين في كل ذلك على احترام الروح التي بدأت مع البرنامج الأول ، مع الحرص على إبقاء التجديد في أساليب المناولة فقط ، خاصة وانه وبعد مرور 10سنوات من التجربة ، أصبحت لدي جرأة أكبر في عمليات الانتقاء والاختيار
وفي سنة 2010 كانت لي تجربة مميزة في برنامج ( عتاب ) والذي تعود فكرته إلى سنة 2003 ، وعنوان هذا البرنامج هو “شاعري”، نواكب فيه ومن خلاله بطريقة ودية وهادئة سقطات وهفوات الضيوف ، ورغم نجاحه لم يلق تشجيعا ودعما من طرف المسؤولين ، فكنت مضطرة لطلب الإعفاء من الاستمرار فيه بعد عشرين حلقة ، وشخصيا أعتبر هذا البرنامج آخر محطة في مساري كمعدة ومقدمة ومحاورة
ولكن مساري المهني كموظفة بالتلفزيون استمر بشكل عادي وصرت أشتغل وفق حاجيات البرمجة والإنتاج بالإشراف على تنفيذ بعض المشاريع التلفزيونية الفنية
وعن علاقتها بالمجال الدراسي تقول السيدة فاطمة الافريقي: بموازاة مع العمل التلفزيوني أكملت دراستي الجامعية وحصلت على الماستر من كلية علوم التربية و الآن أنا في السنة الأخيرة من إعداد رسالة في الدكتوراه بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء ، وقد تحقق حلمي الأول في الكتابة سنة 2012 ، وكان لي شرف نشر عمود رأي أسبوعي مع الجريدة المتميزة ” أخبار اليوم” ، ورغم توقف التجربة ، لازالت تلك المقالات تحظى بالتقاسم والقراءات على مواقع التواصل ، وأفاجأ بإعادة نشرها من طرف المتابعين حسب السياقات السياسية الاجتماعية
وبعيدا عن التلفزيون والكتابة ، أعمل أيضا بالتدريس منذ سنة 2010 ، بين المعهد العالي للصحافة والإعلام، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق ، وهذا العام بدأت أدرس طلبة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بشعبة التنشيط الثقافي ، ويبقى مجال التدريس من المجالات التي منحتني الكثير من المتعة والنضج وحظ الارتواء من منابع العلم والمعرفة
وعن العمل الاعلامي اليوم مقارنة بما كان عليه سابقا ، تقول السيدة فاطمة الافريقي : لا يمكننا إنكار أن العالم يتغير وان التحولات الرقمية وظهور منصات التواصل الاجتماعي قد كان لهما آثار اقتصادية وقيمة كبيرة على وسائل الإعلام التقليدية ، لقد ظهر فاعلون جدد ، منافسون في مجال التواصل والاعلام ، منحتهم الوسائط الجديدة ومنصات مواقع التواصل حرية النشر وإنشاء قنوات وتداول الأخبار والمعلومات دون الخضوع للتكوين ولقواعد مهنية ولمرجعيات أخلاقية، وهذا خلق نوعا من الفوضى والتضليل وانتشار الاخبار الزائفة ، والضحية الأول في هذا التحول هو المتلقي الذي صار يجد صعوبة في التمييز بين الخبر الصحيح والزائف وسط هذا السيل المتدفق للمنشورات
الإعلام مدرسة معرفية وإنسانية مفتوحة ومتجددة
وتضيف قائلة بخصوص ماعلمتها التجربة الإعلامية عبر هذه التحولات : الإعلام مدرسة معرفية وإنسانية مفتوحة ومتجددة ، والإعلاميون محظوظون جدا لأن مهنتهم تفتح لهم آفاقا في البحث وكسب ثقافة واسعة في مجالات متعددة ، وتتيح لهم فرص اللقاء بأناس متميزين وفاعلين ومبدعين، وتجعلهم على معرفة بتناقضات المجتمع بمختلف طبقاته، وتعطيهم القدرة على فهم سيكولوجية الناس والتقاط التحولات السوسيولوجية ، كما انها مهنة تمنح الذين اشتغلوا فيها بجدية وابداع ونزاهة رأسمالا رمزيا والكثير من التقدير من الناس
سألناها ما الذي يمكن أن تغيره في مسارها المهني لو أتيحت لها فرصة العودة إلى الماضي، ولماذا؟؟
كان ردها قاطعا ، تقول : هي حلقات في سلسلة تجارب مترابطة ، حتى وأن بدت لنا منفصلة ، فنجاحاتنا الكبيرة في محطة ما ، ما كانت لتتحقق لولا تلك الاخفاقات في محطات أخرى ، لن أغير شيئا ، ربما كنت سأمنح وقتا ومجهودا أكبر للدراسة والكتابة وربما كان علي أن أغامر في خوض تجارب اعلامية دولية
لقد أظهرت الكتابات الصحفية الوجه الآخر للإعلامية الشابة الوديعة والخجولة التي كانت تظهر من خلال الشاشة ، غير أن أسلوبك في الكتابة يبرز عن امرأة برأي متمرد يرفض تيارات الرأي السائد ، فما هو ردك عن هذا الأمر؟
لا أتعمد الجرأة ولا أدعي الشجاعة ، أعبر عن رأيي بصدق كمواطنة وكتاباتي تعكس توجهي الفكري وقناعاتي كإنسانة تتفاعل مع قضايا الناس والوطن
نحن نعتقد أن قولها ذلك يأتي من باب تواضع العارفين ، وخير دليل لنا على ما نقول هو ما كتبته ذات يوم من الزمن الماضي في موضوع ” وليدات المغرب” ، ومنه نقتبس
من هم وليدات المغرب الحقيقيون ؟
لمن يشبهون؟ هل يشبهون ابناء بعضنا الذين يدرسون في مدارس خصوصية تبيع لنا أقساما ومعلمين ومناهج محلية ملقحة برتوش مستوردة ، بكتب كثيرة تملأ الحقائب فقط وبأسعار متفاوتة في سوق حرة ، تسرق نصف أجورنا (….) في بلدان الكرامة والحقوق ، الأطفال متشابهون لهم نفس الابتسامات نفس العيون ، يدرسون في نفس الأقسام بنفس الأقلام والكراسات (….) في نفس المدارس يلقنهم الوطن دروس الآداب والحساب والحياة (….) إنها شعارات المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة والحقوق ، ومدرسة النجاح التي حفظناها عن ظهر قلب في الخطابات الرسمية ونشرات التلفزيون ، تبقى مجرد فرقعات اعلامية للدعاية ، وكذبة كبرى صدقناها من كثرة التكرار(….) هنا فقط نكون بصدق بلدالإستثناء
نفتقد الفضاء الإعلامي الحر والبيئة الديمقراطية
وتضيف قائلة : كل ما أكتب أخضعه للكثير من الرقابة الذاتية قبل النشر ، لأننا للأسف نفتقد الفضاء الإعلامي الحر والبيئة الديمقراطية السليمة والآمنة للتعبير بحرية ، وتلك الهوامش المضيئة التي كانت تسمح ببعض التعددية وحرية التعبير في بداية الألفية ، تراجعت كثيرا في منتصف العشرية الثانية ، وصار الوضع اليوم أكثر سوءا وترتيبنا الدولي في حرية الصحافة في تراجع ، الأمر الذي يجعلنا نشعر بالخوف
وعن تقييمها لواقع الإعلام بجميع تخصصاته (المرئية والمسموعة والمكتوبة) تقول : في هذه اللحظة ، ونحن ندخل 2024 لا يمكنني أن أقول إلا أن الإعلام المغربي يواجه أزمة بنيوية ويدخل منعطفا لم يشهده المغرب من قبل حتى في سنوات الرصاص ، وهو التوجه نحو الإعلام الشمولي ذو الصوت الواحد ، للأسف بدأنا نفقد التعددية والتعدد في الرؤى والمعالجة الصحفية
وعن تناسل صحافة المواقع الإلكترونية بالمغرب ، هل هي نوع من الصحافة المفبركة/ المنظمة …. ؟
كان ردها كالتالي : تناسل وتعدد المواقع شيء إيجابي من حيث المبدأ ، إذا توفرت في هذا التعدد الاستقلالية والهوية التحررية الخاصة ، غير أن ما نلاحظه هو تعدد بدون تعددية ، بمعنى الوفرة العددية والندرة في التنوع، دون أن ننكر أن داخل هذه الوفرة توجد تجارب صحفية إلكترونية مهنية متميزة . اما بخصوص سؤالكم حول تفريخ هذه المواقع من طرف جهات معينة لمضايقة الصحافة الورقية فلا أظن ذلك ، لأن المضايقة تكون للصحافة المستقلة والجادة سواء أكانت ورقية أو إلكترونية، وتراجع الورقي هو عالمي بسبب التحولات الرقمية وهيمنة الحوامل الإلكترونية في مجال الكتاب والصحافة بصفة عامة
وعن السبيل للإسهام في خلق قراء يميزون بين الجودة والرداءة ، في ظل وسائل التواصل الاجتماعي التي غزت كل البيوتات ، ترى السيدة فاطمة أن السبيل لذلك هو التربية على ثقافة الولوج إلى وسائل الإعلام، وتقوية الحس النقدي للأجيال الجديدة وإعداد قراء ومتلقين يتمتعون بمناعة معرفية وقدرات ومهارات رقمية تساعدهم على التمييز بين الجيد والأقل جودة ، وبين الزائف والصحيح في المحتويات الرقمية . و شخصيا لا أتفق مع الأصوات التي تنادي بإغلاق قنوات وحسابات التفاهة ، فالتفاهة كانت وستظل ، وهي اختيار حر وبجانبها توجد دائما ملايين المحتويات والمضامين الجادة والمفيدة التي للأسف لا تحقق نسب مشاهدة عالية ، والسبب ليس في وجود التافهين، بل في اختيارات الجمهور ، وهذه هي المأساة الكبرى
وتضيف قائلة عن شأن الإعلام المغربي مستقبلا: إذا لم تتوفر ارادة سياسية شجاعة وصادقة لإنقاذ ما يمكن انقاذه في هذه اللحظة المفصلية الحرجة في تاريخ الإعلام المغربي ، فأتوقع وفقا للمعطيات الحالية بأننا نسير، بل نرنو نحو إعلام الصوت الواحد برئيس تحرير واحد
في 2013 كتبت ” المقال الأخير ” وتقول: جاء نتيجة لحظة غضب وانفعال – وتمنيت لو لم ينشر – وذلك بعد شعوري بأن هناك تجسس على حياتي الشخصية ، وتضييق على حريتي في التعبير ، وجدت نفسي في موقف حرج، فمن هو هذا الرقيب غير المرئي ، ولربما بالغت في ذلك من حيث الكتابة؟
مما جاء في كتابتها نورد ما يلي : (..من أجل عيونه التي أرى بها الشمس، وشوقا للفرح الذي هجر نظراته ، ضجرا من القلق الذي سكن نبضه ، خوفا عليه منهم، حبا فيه وفي حياتي منه، سأتوقف عن الكتابة … لأني لم أعد قادرة على العيش بأسلاك أجهزة الرصد في أوردتي وبحاسوب مزروع في صمام قلبي وبعداد مربوط بأنفاسي، وبحارس على باب الروح يضبطني كل ليلة متلبسة بجريمة الحلم ، سأصمت
كل خميس كنت أكتب المقال الأخير ، وفي كل خميس كنت أسحبه وأستسلم لنصيحة ضميري وغواية الكتابة … هذا الخميس أعترف بضعفي أمام سلاح الرقيب الذي يطل على من عيون أطفالي ، خيرني بين كتابة قصائد المديح أو الصمت ، فضلت الانتحار صمتا ودفن حلمي بكون المقال
حين يصمت المثقفون أمام انتهاكات الحقوق ، أشعر بالخوف ، أشعر به أكثر من أي وقت مضى ، ونحن نعيش لحظة صمت رهيب في غياب الاطمئنان، للأسف وهذا الصمت هو تأديب للجميع ، ومن حقنا أن نخاف لأننا بشر
:سبق أن قدمت الإعلامية فاطمة الإفريقي العديد من الندوات الثقافية والبرامج الخاصة والسهرات العربية ، ومنها نذكر
لائحة لبعض البرامج لفاطمة الإفريقي
2003 مهرجان الأغنية. العربية بالرباط
2004. برنامج سنوي بقناة مهرجان الفيلم الدولي بمراكش
2008. مهرجان التلفزيون والاذاعة بالقاهرة
2009 برنامج ليالي عربية بقناة تونس 7
نالت العديد من الجوائز والتقديرات والتكريمات منها: جائزة أحسن إعداد وتقديم عن برنامج مساء الفن ، بمسابقة نجوم بلادي
جائزة أحسن برنامج منوعات بمهرجان اتحاد االإذاعات العربية بتونس