تطريزات تاريخية: السيدة الحرة: التطريزة 1
السيدة الحرة ، أميرة الجهاد البحري
يسعدنا جدا في جريدتكم ألوان ( إدارة وهيئة تحرير ) أن نفتح نافذة خاصة بكل ما يتعلق بالمرأة العربية أولا والعالمية ثانيا ، كتابة وإنتاجا، إبداعيا وتاريخا و وثائقيا ، وذلك بهدف إطلاع القراء على تراث وواقع الحركة النسائية في كل بقاع العالم ،آملين أن تصلنا اقتراحات وكتابات واجتهادات المهتمين والباحثين المشتغلين على مختلف قضايا المرأة – ذكورا وإناثا – ، راجين في نفس الوقت من الجميع، الفاعلية والإسهام في إثراء هذه النافذة بما يتم التوفر عليه حول قضايا المرأة عبر الامتدادين العربي والعالمي
ونستهل هذا الافتتاح بتطريزات تاريخية سيتم التطرق خلالها إلى الدور الفعال الذي لعبته نساء خالدات في تاريخ النضال المغربي. والبداية مع السيدة الحرة
كثيرة هي الشخصيات التي ساهمت في صنع تاريخ البلدان في العالم، واستطاعت ترك بصمتها، ونقشت إسمها إما بأحرف من ذهب أو بالدماء، ذلك هو حال شخصيات كبار نحتت أعمالهم تاريخ السياسة، وبذلك فهي لن تمحى ولن تزول أبدا
“ارتأيت أن أحط الرحال عند اسم كبير في تاريخ المغرب، إنه اسم “السيدة الحرة
السيدة الحرة – واسمها أيضا عائشة – ولدت بمملكة غرناطة عام 1485 بعد أن هربت عائلتها إلى شمال المغرب بعيد استرجاع غرناطة ، وهي بنت علي ابن موسى بن راشد مؤسس مدينة شفشاون وأميرها، وأمها إسبانية من (قاديس)، اعتنقت الإسلام وسميت بالزهرة واعتبرت أهم نساء المغرب آنذاك
وقد كان المغرب خلال هذه المرحلة مقسما إلى عدة دويلات منها
إمارة شفشاون لبني راشد –
إمارة بنو المنظري بتطوان –
إمارة دبدو بالشرق –
إمارة هنتاتة بمراكش –
بينما الاحتلال البرتغالي بقي بالسواحل، أما الحكم الوطاسي فقد اقتصر على المناطق الشمالية الغربية واتخذ فاس عاصمة له
عاشت السيدة الحرة بشفشاون، وهي بنت علي بن موسى بن راشد أمير وحاكم شفشاون، واخت ابراهيم بن راشد الصدر الأعظم عند السلطان الوطاسي، ،تلقت تعليمها على يد أكبر الفقهاء، و تميزت بالذكاء وسرعة البديهة، تزوجت من القائد المنظري حاكم تطوان في عهد والدها علي بن راشد وكان ذلك عام 1510، من أجل تحالف إمارة شفشاون وقيادة تطوان لأجل تقوية الدفاع ضد البرتغال، و بفضل حنكتها كان زوجها يفوضها و يستشيرها في أمور السياسة والحكم،وبذلك اكتسبت خبرة وتجربة سياسية كبيرة ،وحكمت تطوان بعد وفاة زوجها، وسيرت أمر المدينة دون معارضة، واهتمت بالجانب العسكري، فأمنت المدينة من التهديد الايبيري الدائم، وشكلت جيشا من أجل الجهاد البحري
ثم تزوجت السيدة الحرة بالسلطان أحمد الوطاسي عام 1541 وطلبت منه اقامة الحفل بمدينة تطوان، وكانت المرة الوحيدة في تاريخ المغرب التي يتزوج فيها ملك خارج العاصمة وهذا يدل على قوة شخصيتها، فتركها خليفة له على تطوان وعاد إلى فاس مما يوضح أن خلفية الزواج كانت سياسية لتقوية الدولة الوطاسية شمالا، خصوصا بعد قيام الدولة السعدية بالجنوب والتي كان هدفها السيطرة على المغرب كاملا
أولت السيدة الحرة اهتماما كبيرا للجانب العسكري لعلاقته بالجهاد البحري والبري(وهو ما يسميه الإيبيريون بالقرصنة )، وتحت قيادتها استطاع الجيش تأمين القسم الغربي من سواحل المتوسط ،واهتمت بتجارة الرقيق والاسرى، واتقسمت سيادة البحر المتوسط في بداية القرن 16م مع القبطان العثماني خير الدين بارباروس – وذلك جميعه موثق في الكتابات التركية – واستفادت من عدة دعائم لتقوية أسطولها وهي زواجها من السلطان الوطاسي، ونسبها لآل راشد، وكونها اخت الصدر الأعظم، ثم خبرة خالها فيرناندو مارتين في الموانئ، وهو من أنشأ ميناء مارتين (المعروف حاليا بمدينة مرتيل )
بعد زواجها من السلطان الوطاسي، ضمت ولاية تطوان تحت حكمه ، الأمر الذي أغضب آل المنظري وبعض السكان الذين انقلبوا عليها عام 1542 ليحل محلها الحسن المنظري الذي طردها واستولى على ممتلكاتها وانفرد بالحكم
عاشت السيدة الحرة بعد تنحيتها عن الحكم في مدينة شفشاون في رعاية أخيها محمد إلى أن توفيت ودفنت بالزاوية الريسونية بالمدينة ذاتها، ولا يزال قبرها إلى يومنا هذا
ان السيدة الحرة أذاقت الاستعمار الايبيري الويلات وأنواع العذاب خاصة في الجهاد البحري، فرسموا عنها اسطورة كانوا يخيفون بها أبنائهم، واختلطت حكاية قوتها بالخيال ونعتت بجنية البحر، وتمنوا لو رأوها مصلوبة فوق أعمدة بوارجهم، ولا زالت الأخبار تروج اليوم حتى في المخيال الشعبي عندنا دون معرفة أصلها، كأن يقال : (100 جن و جنية ولا وحدة شاونية) ، كناية على تفوقها ومهارتها، ،كما ذكرت أيضا في الكتب الأجنبية وسميت ب (الكونتيسة) ويرجع أصل الأسطورة الشعبية (عيشة قنديشة ) وذلك تحريفا لكلمة (الكونتيسة) وحيكت حولها العديد من الأساطير لتصل لمعظم البلدان