رحيل صاحب الحلم المحظور

رحيل صاحب الحلم المحظور

وداعا يا صاحب الحلم المزهر

في زيارة أخيرة للديار الكندية في نوفمبر ٢٠٢٢، التقيت الراحل لحسن زينون بمدينة تورونتو ذات مساء بارد، ضرب لي موعدا بقاعة الإنتظار بفندق وسط المدينة، لنلتقي ونذهب لمشاهدة شريط سينمائي ضمن فعاليات السينما الفرونكوفونية، التقينا في السادسة مساء، من اللقاء الأول، أحسسنا أننا نعرف بعضنا منذ الأزل، كان في منتهى الأدب، وابتسامة عجيبة مرسومة على شفتيه، مع بريق في عينيه يوحي بنبض قلب يافع لفنان مرهف الأحاسيس، تحدثنا كثيرا عن كندا والجو البارد، وعن تجربته حينما أتى إلى مونتريال مع زوجته والأطفال للاستقرار بها، وبعد شهور غادروا للمغرب، وتحدثنا ونحن في الطريق عنه وعن كتابه الذي أهداني نسخة وقعها لي، حكى لي عن ابنه شمس الذي اختطفه الموت، وعن حزن دفين

كان في الغد سيسافر لمونتريال حيث منها سيرجع للمغرب
جلسة قصيرة عرفت فيها هرما فنيا حكيما يجر بداخله تاريخا حافلا بالانتصارات التي هزمت الاخفاقات والكبوات، رجل من المعيار الثقيل الذي لم يتوانى أبدا في السير على درب الفن بخطى ثابثة، اتفقنا أن نلتقي حين عودتي للمغرب لأزوره في بيته ، ويطلعني على الاستوديو ويعرفني بزوجته ميشال التي تحدث عنها بحب وبتقدير، وعن مساندتها له في رحلة العمر، لكن الظروف لم تسمح لي بزيارته أثناء الزيارة الأخيرة لقصرالمدة، وهكذا كان اللقاء الأول والأخير وإن كانت بينهما مكالمات وتحيات عبر الواتساب، كانت آخرها تهنئتي له بالسنة الميلادية الجديدة، ولم اتوصل منه برد كعادته، اعتقدت حينها أنه منشغل أو خارج المغرب، حتى وصلني خبر نعيه الصادم

وكأنه ظل وفيا لوصية أحد أصدقائه، عندما أوصاه بالموت ككل البشر و ألا يطمع في أبدية ستجبره على العيش مع الذين يضرب عليهم التاريخ أسوار العزلة، فبتاريخ ١٦ من الشهر الجاري أسلم الروح لباريها
لحسن زينون من مواليد سبتمبر١٤ سنة ١٩٤٤،  يقارب ٨٠ سنة ، فنان متعدد المواهب ، آمن بالعمل قبل الموهبة،  راقص ومصمم رقصات ، و سيناريست ، مخرج ، رسام ، نحات و شاعر يحمل جينات أمازيغية ، رأى النور بمعقل الابداع الحي المحمدي  بحي صوصيكا  بالدار البيضاء ، تشبع بالفن منذ نعومة أظافره بالحي الذي يقطنه، يحكي عن طفولته التي كانت أساس توجهه الفني حينما كبر،
 بالاضافة إلى ما استلهمه من  حركات شارلي شابلن أيام كانت السينما متنقلة بالأحياء، حيث اعتبر تلك الحركات بمثابة رقصة، انخرط في المعهد الموسيقي بالدار البيضاء وبعد تخرجه اصطدم بقرارإداري برفض تمكينه من منحة متابعة دراسته بأوروبا ، ولكنه بالصمود والمجهودات الشخصية استطاع السفر إلى بلجيكا وبالرغم من قرار الرفض والعقبات التي واجهها ، آمن دوما بحلمه، واستمر في المثابرة حتى أصبح فنانا مرموقا يحظى بالاعتراف دوليا، فبعد الخطوات الأولى كراقص في المعهد الموسيقي بالدار البيضاء، قضى فترة ببلجيكا وبالضبط ببروكسل ثم شارلو روا من أجل تطوير مهارته الفنية حيث مكنته عزيمته الراسخة من التألق ليصبح راقصا محترفا بفرقة البالي الملكي ليو الونيا ،و بعد حادثة الراقصة البلجيكية التي اعتقدته روسيا، فأخبرها بأنه مغربي، فأثنت على مهاراته، اذ اشتغل في فرقة للرقص تضم ٨٠ راقصا سافروا عبر العالم بأوركسترا موسيقية

قرر العودة إلى المغرب سنة ١٩٧٣ ، فأسس مع زوجته ميشال باريت سنة ١٩٧٤ مدرسة للرقص ومسرح زينون للبالي، وبعد ممارسة قصيرة ادرك ان التركيبة الفنية المحافظة للشعب المغربي لا تملك ثقافة الرقص الكلاسيكي،  ركز على الرقصات التراثية، حيث انشأ مدرسة للمحافظة على هذه الرقصات وإنشاء ربيرطوار خاص بها والمحافظة على الموروث الثقافي المغربي و المشاركة في تكوين الفنانين والدفاع عن حرية التعبير الثقافي بكافة أشكاله وألوانه – العلاوي الركادة – النهاري – المنكومي – احيدوس – الحساني
زينون عبر خبرته الفنية تمكن من أن يصبح أهم مصمم للرقص في المغرب، الشيء الذي أهله إلى تصميم رقصات في أفلام سينمائية عالمية نذكر منها “الإغواء الأخير للمسيح” للمخرج مارتن
سكورسيزي، و”شاي في الصحراء” لبرناردو برتولوتشي وسهيل بنبركة وغيرهم كثير

،لم يكتف الفنان بالمجال الكوريغرافي، بل تجاوزه إلى دخول عالم الفن السابع في مستهل سنة 2000  بحيث أخرج ثلاثة أفلام قصيرة  وفيلمين روائين: “عود الورد” و”الموشومة” ، هذا الأخير ونظراً لجرأته في تناول الجسد المغربي و بعض المشاهد العارية، شهد ضجة أسالت مدادا كثيرا
جدير بالذكر أن لحسن زينون كاتب ، أصدر عام ٢٠٢٠ سيرة ذاتية تحت عنوان “الحلم المحظور” الصادر عن دار النشر البلجيكية – المغربية مها إديسون – عبر فيه عن ذاته واستعرض فيه تجربت الفنية المصحوبة بالنجاحات والاخفاقات
هذا العمل “أوتوبيوغرافيا” لكنه يتجاوز المسار الفردي للحسن زينون فهو يسائل الماضي الحاضر ومستقبل التراث الثقافي المغربي، فرحم الله الفنان لحسن زينون واسكنه فسيح الجنان ولنا خير في الخلف

ألوان

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com