أوراق من ذاكرة الماضي

أوراق من ذاكرة الماضي

…نبش في ذاكرة الأيام

كل عام وأنتم بخير

          ثريا الطاهري الورطاسي

عدت إلى أوراقي لأشاطرها همومي، وأسكب فيها من وجع روحي سيلا من الكلمات العابرة، فأخذتني الكتابة إلى عوالم  بعيدة ، لا معنى فيها للزمان والمكان، فتحت دفاتر الماضي، فوجدت الماضي هو نفسه المستقبل لكنه بصيغة أخرى
ويمضي بنا العمر، ونطوي كل يوم صفحة من صفحاته، ولا ندري هل حقا عشنا الحياة أم أننا فقط على قيدها أحياء
ونقلب الصفحة والصفحات لنسترجع ذكرى أحياء، لاشيء يضاهي رائحتهم ولو اعتصرت فرنسا بأكملها (باعتبارها مركزا للعطور ) في قنينة عطر وعطرهم مازال يملأ ذاكرتنا
وبين الصفحة والأخرى، نتوقف فتطالعنا وجوه غادرتنا وما فقدها إلا وجع يستوطن القلب، وتبقى أماكنهم تهمس لنا بهدوء قائلة: لقد كانوا هنا يوما ورحلوا
وبين الذكرى والأخرى، أماكن لا تساوي شيئا وهي خالية ممن نحب، والحنين احساسنا الدافئ بالشوق إليهم، وإلى الشعور بهم، أناس نتمنى أن يعودوا إلينا ونعود إليهم في محاولة يائسة منا لاسترجاع لحظات كانت جميلة ودافئة

!كان زمنا رائعا أدار  لنا ظهره  ورحل عنا ومنا كالحلم الجميل
!نتوقف ما بين ثنايا الصفحات، لنفسح المجال أمام الصمت الرهيب الذي يحملنا هما كبيرا أو حلما أكبر
وتتشابه الأيام باللذة والمرارة، وبياض الصفحات، وتمر الأيام والأسابيع والشهور والأعوام ،  وتبقى في الذاكرة لحظات لاتعترف بقانون النسيان، نسجل حضورها مع أحبة/أصدقاء عشنا معهم أجمل الأوقات وأطيب اللحظات
!ونطوي الصفحة، فنحتاج أحيانا إلى إطفاء السراج كي لايرى أحد ظل ليالينا ، أو حين يطفو بداخلنا شغف لشيء كنا نمشي إليه حفاة….
وبين ثنايا الصفحات، نتضائل وننكمش ونحن نبحث عن أحلام الطفولة في شيخوخة هذا العالم الأرعن ، فنجد قلوبا ما خلقت إلا لتسعدنا وتذكرنا بأن الحياة مازالت جميلة، وأن الطرقات مضيئة بشكل جيد، وما علينا إلا اختيار الطريق السوي والصحيح
أفتح الصفحة وأسير كظل بين مدينة مسقط رأسي بركان وبلدة عمان، وفي ثناياها محطات أخرى كفاس والناظور ضمت واحتضنت أحلامي في مهدها كالأم، ومنحتني الفرح والأمان بلا حدود، وفوق القلب وفوق المشاعر تبقى الدار البيضاء التي لا ولن تنسى، وتتلوها محطة أخرى ، هي طنجة سكني الجديد، وفي كل ذلك استنشق عبق الناس وتواطأ الليالي، وانزلاقا من الأيام إلى أخرى لا اعرف نهايتها، ولا إلى أين ستمضي بنا
جميعنا لسنا سوى عابري سبيل ، سنمضي يوما  ما  تاركين خلفنا آمالنا، أحلامنا ، افراحنا، اوجاعنا، دفاترنا وذكرياتنا، وطيفا يجول في طرقات قلوب احبائنا كما فعل السابقون
كل يوم نقلب صفحة من صفحات عمرنا، وما بين صفحة وأخرى نتذكر أناسا ولدتهم لنا الظروف، نحبهم ، نشتاق إليهم، نفرح بلقائهم، نتذوق معهم رحيق الأيام، ونتأسف لفراقهم ونتمنى لقائهم ذات يوم
ما بين صفحة الماضي القريب وصفحة اليوم، هناك أشخاص نحتفظ بهم في اعماقنا، ولن يتمكن غبار الزمن من إخفاء ملامحهم، وسنظل نصافحهم بشوق ونحتويهم بحنين رغم بعد الزمان والمكان
ما بين صفحة وأخرى نتوقف وننتظر على الرصيف لمن يمد لنا يده، ونحن نعرف بأن الإنتظار حوافر الزمن، نمد يدنا لمن يتقن احتواء الروح ونحن نعلم بأننا كبرنا بما فيه الكفاية، وأننا أفلتنا جميع الأيادي التي لم تشد على أيدينا
كل يوم نطوي صفحة من صفحات عمرنا، تخبرنا الطرقات أننا عبرنا رغم تيه الخطى والبعد والتعب، وفي صفحة اليوم، مازالت قلوبنا مدينة نلقى فيها أناسا بقلوب تفيض باهتمام لا يجف، أناس تركوا في النفس أثرا عميقا لا تفعله أضخم المجاملات
اقلبوا الصفحة واسرقوا من الحياة لحظات شيقة قبل أن يسرق العمر أجمل سنوات حياتكم، واسرقوا من أعماركم رفيقا طيبا قبل أن تسرق الحياة نبض شبابكم فالعمر لحظة والمودة رحمة، واذا كانت المحبة أرض تجود على قدر ماجدت  به، فان الكلمة الصادقة تبقى بصمة أبدية في القلوب التي لا تتغير
اعلموا أن الصداقة أشبه بالكتاب ، تحتاج لثوان معدودة لحرقه، لكنكم تحتاجون لسنين عديدة ان أردتم اعادة كتابته
وفي آخر الصفحة، كتبت بقلب انهكه التعب : يا آخر ملامح هذا العام الذي هو على وشك الاختفاء، واخلاء المكان لعام جديد ، لقد تعبنا من الوجع والألم والفرقة والخذلان، كن نهاية وجع، وبداية أقدار جميلة للفرح، للامل ، للقاء الأماني واليقين الذي يريح القلوب، والدعاء بأن يبدل الله اقدارنا إلى ما هو احلى واسعد واجمل ، فهو وحده القادر الذي لا يعجزه شيء، فاللهم كن لامنياتنا مجيبا، ولضعفنا سندا، ولانكسارتنا جابرا
ومازالت الصفحات البيضاء في انتظار ما سيجود به الزمن
كل سنة وانتم جميعا – بغض النظر عن أماكن تواجدكم – طيبون وسعداء آمنون من كل شر ومكروه

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com