جبران طرزي في قلب بيروت

جبران طرزي في قلب بيروت

…ومعرض يستعرض دقة الخط وروح الهندسة البصرية

ضحى عبد الرؤوف المل

افتتحت صالة “أجيال” في بيروت مؤخرًا معرضًا خاصًا لأعمال الفنان اللبناني جبران طرزي، أحد أبرز رواد الحركة التشكيلية في لبنان. يبرز المعرض اهتمام طرزي الخاص بالتركيب الهندسي الدقيق، المستلهم بوضوح من الفن المشرقي، خصوصًا في استخدامه المتقن للخطوط التي تُشكّل شبكات معقدة من المثلثات والمربعات. يأتي هذا الحدث الفني الهام بعد محاضرة ألقاها الأستاذ مراد منتظمي في الجامعة الأميركية في بيروت، تناول فيها العلاقة الجدلية بين الحرفة الفنية العربية والفن الحديث من خلال نموذج جبران طرزي، ما يؤكد الدور الرائد الذي يلعبه في جسر الفنون التقليدية والمعاصرة.

في عالم الفن التشكيلي، حيث تتشابك الرؤى والأساليب لتُنتج لغات بصرية متنوعة بين التجريب والتقليد، يبرز اسم جبران طرزي كأحد الفنانين اللبنانيين الذين نجحوا في مزج الحداثة بالتقاليد، من خلال أعماله التي تتسم بتراكيب هندسية دقيقة تحاكي الفن الهندسي. هذه اللوحات ليست مجرد أشكال هندسية، بل هي حوار بصري عميق بين الماضي والحاضر، بين الحرفة والفن، وبين الشرق والغرب.

هندسة متقنة بين الأشكال والخطوط تتميز بها أعمال طرزي، حيث تركز على الخطوط الهندسية التي تؤلف شبكة من الأشكال المتداخلة مثل المثلثات والمربعات، التي تتكرر وتتوزع بتوازن دقيق على سطح اللوحة. هذه الدقة في الخطوط لا تعكس فقط مهارة الحرفي، بل تكشف عن وعي فني متعمق بأهمية التكوين الهندسي في الفن الإسلامي، لا سيما الفن المغربي المعروف باستخدامه المكثف للأشكال الهندسية المتكررة.

تتحول هذه الخطوط إلى عناصر بصرية فاعلة، تشكل إيقاعات متناغمة تقود العين عبر مسارات محددة، تخلق حالة من التوتر والراحة البصرية في آن واحد. فعلى الرغم من تكرار الأشكال، إلا أن تنويعاتها في الحجم واللون وتداخلها تمنح كل لوحة خصوصية وعمقًا بصريًا لا يمكن تجاهله. فهل هي مهارة تجمع بين الفن والحرفة؟

لا يمكن قراءة أعمال جبران طرزي دون التوقف عند مستوى الدقة الحرفية التي تتطلبها. فكل خط مرسوم، وكل شكل هندسي مُحاك بدقة متناهية، ما يجعل اللوحة وحدة متكاملة تنبض بالحياة. تتطلب هذه التقنية فهما عميقًا للأبعاد والمساحات، إلى جانب مهارات تنفيذية عالية تحاكي خبرة الصنعة الفنية التقليدية.

إن دقة هذه الخطوط وتناسقها يؤكدان الطابع الحرفي الذي يميز أعماله، حيث لا مجال للخطأ، فالانحراف البسيط قد يُخل بالتوازن البصري العام. وهذا يعكس اهتمام طرزي بجانب الحرفة في الفن، إذ يجمع بين الحس الإبداعي والتنفيذ التقني ليبرز أعماله كنتاج يجمع بين الفكر واليد. فماذا عن البعد الثقافي والحوار بين التراث والحداثة؟

تُعد لوحات جبران طرزي جسراً يربط بين التقاليد الفنية الشرقية، وخصوصًا المغربية، واللغة البصرية الحديثة. فمن خلال إعادة إنتاج الأشكال الهندسية التقليدية بأساليب جديدة، يعيد الفنان صياغة الرموز التقليدية في سياق معاصر، مما يفتح المجال لتفسير جديد يثري المشهد التشكيلي اللبناني والعربي.

هذا التداخل بين الموروث والحداثة يعكس أيضًا تجربة فنية شخصية، حيث يجسد طرزي رؤيته للعالم من منظور فني يمتزج فيه التراث المحلي بالتحولات العالمية في الفن. هذه الرؤية تجعل من أعماله شهادة على إمكانية استمرارية التراث الفني وتطوره ضمن إطار الحداثة. فماذا عن التأثير والإرث ومكانة جبران طرزي في الفن التشكيلي اللبناني؟

لقد ساهمت أعمال جبران طرزي في إثراء الحركة التشكيلية اللبنانية من خلال تقديم رؤية فنية تجمع بين الأصالة والتجديد، وهو ما أكده النقاد والمؤرخون الفنّيون، كما يتضح من الاهتمام الأكاديمي والإعلامي الذي نالته أعماله، وتوثيقها في متاحف ومؤسسات فنية عدة.

إن إبداع طرزي في تشكيل الفضاءات الهندسية المترابطة، ودقته العالية في رسم الخطوط، يجعل منه رائدًا في استخدام الهندسة كمنهج فني يعبر عن هويته الثقافية والفنية، وهو ما يجعله يحتل مكانة بارزة بين رواد الفن التشكيلي في لبنان والمنطقة.

من المهم جدًا أن صالة “أجيال” في بيروت احتضنت افتتاح معرض خاص لأعمال الفنان اللبناني جبران طرزي، الذي يُعتبر من أبرز رواد الحركة التشكيلية اللبنانية. يأتي المعرض في إطار جهود الصالة المستمرة لدعم الفن الحديث والمعاصر، ويُسلط الضوء على أسلوب طرزي الفريد، الذي يتميز بدقة متناهية في استخدام الخطوط الهندسية التي تشبه تلك الموجودة في الفن المغربي التقليدي، حيث تتلاقى المثلثات والمربعات في تراكيب متقنة تتطلب مهارة فنية وحرفية عالية.

يُعد هذا المعرض استكمالًا لمحاضرة علمية أُقيمت في الجامعة الأميركية في بيروت، ألقاها الأستاذ مراد منتظمي، مؤرخ فني وأمين متحف، والتي تناولت العلاقة الجدلية بين الحرفة الفنية العربية والفن الحديث، مع التركيز على تجربة جبران طرزي كنموذج دراسي. شهدت المحاضرة حضورًا مميزًا من الطلاب والخبراء والمثقفين، مما يعكس الاهتمام المتزايد بفن طرزي وإسهاماته في إثراء المشهد التشكيلي.

تتميز لوحات طرزي بتكرار الأشكال الهندسية كالخطوط والمثلثات والمربعات، التي تنسجم بانسجام دقيق، مما يضفي على أعماله طابعًا بصريًا متينًا ومتوازنًا. هذا الاستخدام المتقن للأشكال الهندسية يعكس بُعدًا ثقافيًا عميقًا يربط بين التراث العربي والحداثة الفنية، في لغة بصرية فريدة تضع جبران طرزي في مقدمة الفنانين الذين يحققون توازنًا بين الأصالة والتجديد.

ملاحظة:

تستضيف صالة “أجيال” في بيروت معرضًا لأعمال الفنان اللبناني جبران طرزي، أحد أبرز رواد الحركة التشكيلية اللبنانية. يسبق المعرض محاضرة علمية أقيمت في 6 أيار/مايو 2025 في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) ألقاها الأستاذ مراد منتظمي، وتناولت العلاقة الجدلية بين الحرفة الفنية العربية والفن الحديث، متخذة من جبران طرزي نموذجًا للدراسة. حضر المحاضرة أكثر من 70 طالبًا ومثقفًا وخبيرًا فنيًا. وفي اليوم التالي، 7 أيار/مايو، افتُتح المعرض رسميًا بزيارة طلابية، ويستمر حتى 14 حزيران/يونيو 2025.

الأستاذ مراد منتظمي، مؤرخ فني وناشر وأمين متحف، شغل سابقًا منصب أمين قسم “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” في متحف “تيت مودرن” بلندن بين عامي 2014 و 2019. أسس لاحقًا منصة “زمان بوكس آند كيوريتينغ” المتخصصة بالنشر وأمانة المتاحف، بهدف استكشاف الحداثات في العالم العربي، الإفريقي، والآسيوي.

تُعرض أعمال طرزي حاليًا في صالة “أجيال”، التي تأسست عام 1990 وتُعد من أبرز صالات العرض للفن الحديث والمعاصر في بيروت والعالم العربي. وقد عُرفت بتقديمها أعمالًا لفنانين مرموقين ومواهب صاعدة على حد سواء.

من جهة أخرى، تحتضن الجامعة الأميركية في بيروت منذ 12 آذار/مارس 2025 جناحًا لمؤسسة “جبران طرزي” ضمن معرض “الجدران المفتوحة”، الذي لا يزال قائمًا حتى اليوم. هذا الحضور المميز يرسّخ موقع جبران طرزي كأحد أعمدة الفن التشكيلي اللبناني، إلى جانب رواد مثل خليل صليبي، صليبا دويهي، عمر أنسي، وسيزار جميل. وفي العام نفسه، خصصت مجلتا “الأديب العراقي” و”المجلة العربية” في السعودية مقالات موسعة حول مسيرة جبران طرزي الفنية، مما يعكس المكانة البارزة التي يحتلها في تاريخ الفن العربي الحديث.

قد حظيت تجربة طرزي الفنية بتغطية واسعة، إذ خصصت مجلتا “الأديب العراقي” و”المجلة العربية” خلال عام 2025 مقالات معمقة تناولت تجربته بالتوثيق والتحليل. كما ألّف الناقد العراقي خضير الزيدي كتابين عنه: “جبران طرزي – سيرة إبداع فني مشرقي” (دار الأديب، الأردن، 2024) و”جبران طرزي – رائد الأصالة والتجديد” (بغداد، 2025). وبدورها، تناولت الناقدة اللبنانية ضحى عبد الرؤوف المل أعمال جبران طرزي في كتابيها “لمح بصري” و”توازن بصري“، الصادرين عن دار الجندي بالقاهرة عام 2024.

يُشار إلى أن الفنان جبران طرزي وثّق رؤيته الجمالية في كتاب “التنويعات الهندسية” (دار الفنون الجميلة، لبنان، 2007)، فيما صدر له كتاب “المواسم الاثنا عشر” عام 2017 في باريس عن دار “زمان”، من تأليف المؤرخ الفني الفرنسي مراد منتظمي.

كما  حظي جبران طرزي بدراسة في كتاب “الهندسة والفن في الشرق الأوسط الحديث” بالإنكليزية عن دار “سكيرا”  وهو مجلد صدر في لندن عام 2019 حول استخدام الهندسة الاسلامية في الفن الحديث والمعاصر بتوقيع روكسان زاند والأكاديمية سوزان باباي.

علما أن مسيرة جبران طرزي موثقة بشكل كامل من قبل “متحف بيروت للفن المعاصر” BeMA ويمكن أيضا مراجعة كتب موثقة حول جبران طرزي في كل من المتحف العربي للفن الحديث في الدوحة-قطر ومتحف سرسق في بيروت-لبنان والمتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر في تونس والمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة وصولا إلى المدرسة العليا للفنون الجميلة في الجزائر وجامعة نيويورك أبوظبي وجامعة القديس يوسف USJ في بيروت-لبنان. ومعهد العالم العربي في باريس _فرنسا ومتحف مجموعة الإبراهيمي للفنون التشكيلية العراقية..

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية :مديرة موقع صحيفة ألوان: منبر إعلامي شامل يهتم بالأدب والثقافة ومغاربة العالم. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر. رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل :jaridatealwane@alwanne.com