الذكاء الاصطناعي واستنساخ البشر

الذكاء الاصطناعي واستنساخ البشر

هل تتحول الحياة إلى مختبر للجنون؟

د. مهدي عامري
                      د. مهدي عامري

في رواية “عالم جديد شجاع” لألدوس هوكسلي، نجد عالمًا تم تصميمه بعناية حيث يُستنسخ البشر مثل الآلات في المصانع، ويتم تصنيفهم إلى طبقات محددة، كلٌ له وظيفته، وقدره، وأحلامه المبرمجة مسبقًا. هذا العالم الذي يبدو مثاليًا على السطح يكشف عن هشاشته الأخلاقية والإنسانية. ومع بزوغ عصر الذكاء الاصطناعي، أصبح حلم استنساخ البشر أقرب من أي وقت مضى، يثير آمالًا مبهرة ومخاوف كارثية في آن واحد. هل استنساخ البشر فكرة معاصرة ام لها جذور في التاريخ؟ من اين جاءت هذه الفكرة؟

إذا تأملنا جذور فكرة استنساخ البشر، نجد أنها ليست وليدة العصر الحديث. ان الفلاسفة والأدباء لطالما حلموا أو حذروا من محاولات الإنسان لعب دور الخالق. ففي الأساطير اليونانية، حاول بروميثيوس تحدي الآلهة بسرقة النار. أما في العصر الحديث، فقد صاغ ألدوس هوكسلي وهربرت جورج ويلز رؤى تحذر من عواقب استخدام العلم لتجاوز حدوده الإنسانية. لكن في عصرنا الحالي، يبدو أن الحلم أصبح أقرب إلى الحقيقة حيث ان الذكاء الاصطناعي قادر على محاكاة السلوك البشري بدقة مدهشة، ومع تطور تقنيات البيولوجيا الجزيئية والهندسة الوراثية، أصبح من الممكن نظريًا إعادة إنتاج نسخ بشرية. لكن السؤال الحقيقي هو: هل يجب أن نفعل ذلك؟ لنتوقف أولاً عند “الوجه المشرق” لهذه التقنية، كما يحب المتحمسون أن يسمونها: – الطب وتجديد الأعضاء: تخيل أنك تفقد ذراعًا، فيقوم الذكاء الاصطناعي بتوليد نسخة من ذراعك خلال ساعات. في هذه الحالة، يتحول الإنسان إلى “آلة يمكن إصلاحها”، وهذا قد يكون نقلة نوعية في تاريخ البشرية. – التعليم والعمل: هل تتخيل يومًا وجود نسخة منك تقوم بالمهام الروتينية بينما تستمتع انت باحتساء كأس من عصيرك المفضل على شاطئ البحر؟ يبدو أن الذكاء الاصطناعي قادر على منحنا “عبيدًا تكنولوجيين”، لكن بنسخة تشبهنا تمامًا. – استدامة البشرية: في ظل الكوارث البيئية والحروب، ربما يكون استنساخ البشر هو الحل الوحيد لضمان استمرار حضارة ما بعد الانسان على وجه الارض، مع تعديلات محسّنة بالطبع على “النسخ الجديدة”. لكن، كما يعلمنا ألدوس هوكسلي، فإن الطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الحسنة لان استنساخ البشر ليس فقط تقنية معقدة، بل هو أشبه بلعب دور الإله، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على مستوى: – فقدان الهوية الفردية: إذا كان هناك عشر نسخ منك، فمن هو “أنت” حقًا؟ و كما قال إدغار موران: “الإنسان هو نتاج التركيب و التعقيد و لا يمكن نسخه بسهولة”. – ديكتاتورية العلم: استنادا على فلسفة الخيال العلمي لالدوس هوكسلي، فإن السيطرة المطلقة على الاستنساخ ستخلق مجتمعات هرَمية تحدد مصير الأفراد منذ الولادة. – الانفجار الوجودي: هل يمكن أن تتحمل أن ترى نسختك الخاصة تنافسك في العمل، وربما تنال إعجاب شريك حياتك أكثر منك؟ لا اعتقد.. عندما نناقش الذكاء الاصطناعي واستنساخ البشر، لا يمكن أن نتجاهل رؤى بعض الفلاسفة الذين حذرونا من “انفصال الروح الإنسانية عن تقنياتها”، مشيرين إلى أن العلم الذي لا يخدم الإنسان يهدده بدلًا من أن ينقذه. ومن جهته فان إدغار موران مثلا قد أشار إلى أن الإنسان “ليس مجرد كائن بيولوجي”، بل هو نتاج مزيج فريد من الثقافة والعاطفة والروح. إن استنساخ الذكاء الاصطناعي للبشر مثير للسخرية والرثاء. تخيل أن بديلك المستنسخ يمكنه العمل ليلًا ونهارًا دون طلب زيادة في الراتب أو إجازة. هذا امر رائع، أليس كذلك؟! تصور أنك قررت استنساخ شريك حياتك ليصبح لديك منه نسختان؟ أو أنك طلبت من الذكاء الاصطناعي أن يصمم لك نسخة “مثالية” تختلف عن النسخة الأصلية؟ يبدو أن هذا قد يحل بعض مشاكل العلاقات الزوجية… أو ربما يزيدها تعقيدًا! في سياق اخر، إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على استنساخ المفكرين والفنانين، فما الحاجة إلى الإبداع؟ وبالتالي فإننا سنعيش في عالم يكرر نفسه الى ما لا نهاية. وهذه كارثة عظمى لا يمكن التنبؤ بهول مخرجاتها. ختاما، يبدو أن استنساخ البشر هو سلاح ذو حدين. إنه أشبه بتجربة في مختبر جنوني، حيث يتحول الإنسان من سيد للتكنولوجيا إلى عبد لها. وبينما يمنحنا الذكاء الاصطناعي فرصًا جديدة، فإنه يهدد بتجريدنا من هويتنا وإنسانيتنا. وكما قال الدوس هوكسلي: ” ان السعادة التي تأتي على حساب الحرية ليست سعادة، بل هي عبودية”.

د. مهدي عامري خبير الذكاء الاصطناعي والرقمنة واستاذ باحث بالمعهد العالي للإعلام والاتصال

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com