في عشق الأغنية المغربية
اهتمام خاص ومميز بالأغنية المغربية
بقلم ذ :عبد المجيد شكير
قصتي مع الأغنية المغربية قصة طويلة، بدأت منذ كنت في التاسعة من عمري، وبالضبط لما دخل الراديو إلى بيتنا، هذا الكائن الجديد نشر الفرحة في قلوب كل أفراد الأسرة، وأما انا فقد سرق أذني حتى صارت ملتصقة به، ولاسيما أن الأغاني المغربية كانت تشغل نصيبا وافرا جدا في خريطة البرامج بالإذاعة المركزية الرباط وبباقي الإذاعات الجهوية مثل طنجة حست وتطوان والبيضاء ومراكش وغيرها، هكذا بدأت أحفظ مقاطع عديدة من أغانينا المغربية، وساعدني على ذلك ما كانت تردده أختي خديجة في أرجاء البيت.
ومع توالي السنين كان حب الأغنية المغربية يكبر بداخلي شيئا فشيئا، لا سيما وأنني ارتبطت بالراديو حتى أصبح أنيسي في وحدتي، وسميري في سهري.
وفي سنة 1975 حصلت على مجلة أعتبرها مرجعي الأول في الأغنية المغربية، كانت سعادتي لا توصف وأنا أقتني من مكتبة الشرق العربي التي توجد بعين الشق في الجهة المقابلة للعدولات وكنت دائم التردد عليها، وأنا أقتني العدد الأول من مجلة (فنون) الذي خصص ملفا مفصلا للأغنية المغربية وأعلامها، قرأت العدد بشغف شديد مرات ومرات، فخطر ببالي أن أعمل على توثيق إنتاجات الفنانين المغاربة وقد يسر عملي هذا أن الأغاني المغربية آنذاك كانت تقدم في الإذاعة بذكر مؤلفها وملحنها ومؤديها، ومن أجمل ما أستحضر سهرات إذاعة الرباط المركزية بعد أخبار الساعة الحادية عشرة ليلا، والتي كانت تخصص لفنان مغربي معين، كنت أنتظرها بفارغ الصبر، وأغالب النوم في عيني من أجل الاستماع والاستمتاع بما سوف يقدم، أذكر جيدا أنني تعرفت من خلال هذه السهرات على درر من الغناء المغربي مثل “القمر الأحمر” لعبد الهادي بلخياط، “يا حبيبي طال غيابك” للمعطي البيضاوي، “ليلاي يا لحن الهوى” لإسماعيل أحمد، “أنشودة الحب” لأحمد البيضاوي وغيرها، وكلما حل عيد وطني كنت أتابع جميع الأغاني الوطنية الجديدة.
وإثر حصولي على شهادة الباكالوريا سنة 1978 انتقلت إلى مدينة الرباط لمتابعة دراستي الجامعية في الأدب العربي. اغتنمت فرصة بعدي عن عيون الأسرة وعدم وجود نظام صارم لضبط غياب الطلبة في كلية الآداب، اغتنمتها لأروي هواي من الأغنية المغربية، كنت أتسمر أوقات طويلة قرب الإذاعة والتلفزة علني أصادف فنانا مغربيا وذلك من أجل إثراء عملية التوثيق التي بدأتها سابقا، وأذكر جيدا أنني التقيت هناك كلا من احمد البيضاوي : واحمد الطيب العلج ومحمود الإدريسي ومحمد بن عبد السلام وإسماعيل احمد وعبد العاطي آمنا ومحمد البوعناني.
وفي سنة 1982 أصبت بخيبة أمل كبيرة لأنني لم أجد أستاذا يشرف على بحثي لنيل الإجازة، كنت قد اقترحت أن يدور البحث حول الملحن العبقري عبد السلام عامر وطريقة تعامله مع القصيدة الشعرية، لم يكن هذا الموضوع مألوفا بل كان مغايرا لما هو سائد لذلك لم يجد من يحتضنه، ولما عينت سنة 1983في مدينة البيضاء مدرسا لمادة اللغة العربية بالسلك الثانوي التأهيلي رفعت من وتيرة البحث عن الفنانين المغاربة اغتنت معارفي عن الأغنية المغربية بفضل كثرة قراءاتي عنها وبفضل جلساتي العديدة مع الملحنين والمطربين والشعراء الغنائيين مثل احمد الغرباوي ومحمد علي وعبد الله عصامي والعربي الكواكبي وحسن القدميري وعبد القادر وهبي، فراعني ما أصبحت تتعرض له الأغنية المغربية من تهميش و نسيان كما لاحظت تراجعا في المستوى الفني للأغاني المغربية الجديدة فاشتاقت نفسي لأغاني الزمن الجميل، أغاني الستينات والسبعينات، و من تم فكرت في جمع و توثيق تسجيلات أغاني ذلك الزمن، لقد اعتبرت هذه العملية شخصيا “اعتقالا للجمال” داخل خزانتي حتى إذا هفت نفسي يوما لأغنية ما وجدتها قريبة مني، أنا من يتحكم فيها وليس الآخرون لقد كلفتني هذه العملية الجهد والوقت والمال، فكم تنقلت و كم سافرت من أجل هذا، لا تدرون مدى فرحتي و أنا اعثر على تسجيل كنت أبحث عنه، فكأني عثرت على جوهرة ثمينة ستزركش خزانتي و واصلت مجالسة الفنانين ومحاورتهم بكل من البيضاء و الرباط (أحمد الغرباوي، محمد علي، عبد الله عصامي، العربي الكواكبي، حسن القدميري، عبد القادر وهبي، ……) كنت اسمع واقرأ وأحاور وأتأمل وأقارن، ولما اشتغلت بثانوية المصلى التأهيلية أشرفت على عدة أنشطة فنية وثقافية ركزت فيها على الأغاني المغربية مع تشجيع التلاميذ على حفظها حتى أنني أسست مجموعة غنائية متخصصة في ترديد الأغاني المغربية أطلقت عليها اسم )شعاع من بلادي( كما أنني دعوت فنانين كبار )عبد الهادي بلخياط – عبد الوهاب الدكالي – محمود الإدريسي ـ أنوار حكيم….) لإجراء لقاءات مفتوحة مع التلاميذ وكل هذا من أجل ربط الناشئة بهويتها الفنية.
بفضل الأصدقاء وبفضل تزكية الفنانين شاركت في برامج إذاعية مع كل من الإعلامي أنوار حكيم وسميرة الأشهب واسمهان عمور : مثل برنامج (جسور وزهور) و(ماذا يقرأ الناس) لإذاعة البيضاء الجهوية وبرنامج (الأغنية المغربية أولا) بإذاعة الرباط المركزية وبرنامج (الليل والنجوم) لإذاعة شذى إ ف م وشاركت أيضا في استجواب خاص أجراه الإعلامي الراحل مجد عبد الرحمان مع عبد الهادي بلخياط، معارفي وأصدقائي كلهم أدركوا ولعي الشديد بالأغنية المغربية، كانوا يدعمونني ويتساءلون: لم لا تكتب ؟ أولى تجاربي في الكتابة كانت مع مجلة (Canal plus) حيث نشرت بها مقالتين، علاوة على المجلات التربوية التابعة لمديرية عين الشق والتي كنت أنشربها تقارير حول ما أنجزه من أنشطة فنية، كانت الكتابة في الصحافة الوطنية خطوة مهمة ومحطة أساسية في علاقتي بالأغنية المغربية، كانت )الاتحاد الاشتراكي( أول جريدة تحتضن مقالاتي الفنية حول رواد وأعلام الأغنية المغربية ،لأنني كنت أومن بأن الكتابة عن الرواد هي كتابة عن التاريخ، كتابة عن البداية وعن مرحلة التأسيس، هي كتابة عن أشخاص سبقوا غيرهم، وحملوا روح المبادرة، فاجتهدوا وأبدعوا وأخلصوا وبذلوا جهودا مضنية رسمت الطريق للخلف ومن ثم فالكتابة عنهم هي اعتراف بهم وتقدير لعطائهم، تلتها جريدة (الأحداث المغربية) والتي رحبت بي كاتبا يزودها من حين لآخر بسلسلة تدور طبعا في فلك الأغنية المغربية )رواد وأعلام الأغنية المغربية في جزأين – بين بين – سهرات وتسجيلات لا تنسى – إلى أصوات تسكنني ـ ثنائيات في دنيا النغم) كانت طريقتي في الكتابة جديدة، كنت أكتب من وجداني، أكتب بمشاعري وأحاسيسي فتفضح الكلفة عشقي، أكتب مستحضرا ذكرياتي مع الفنانين ومع الإذاعة، ومقدما في نفس الوقت نظراتي وملاحظاتي الخاصة، ولأنني اشتغلت على التوثيق طويلا كنت تجدني استشهد بعناوين أغاني عديدة مع ضبط المشاركين في إنجازها بدقة شديدة، وطوعا بعد ذلك جاءت مرحلة المشاركة في البرامج التلفزيونية، شاركت في برنامج (الرواد) مع القناة الأولى، وفي برنامجي (توحشناك – زرعوا) مع القناة الثانية، وفي برنامج (يا موجة غني) مع القناة الثقافية، إلى أن راودتني فكرة التأليف، كان مشروعي الأول عن الفنان عبد النبي الجراري، ولكنه للأسف توقف لإكراهات خارجية، ففكرت في جمع كل المقالات التي سبق أن كتبتها في مؤلف وضعت له كعنوان (في عشق الأغنية المغربية).