أصدقاء المغرب

أصدقاء المغرب

بول بولز وعشق طنجة

بقلم أحمد قابيل

إنهم رجال سياسة أو صحفيون، كتاب أو فنانون، علماء، أطباء، حقوقيون وشخصيات مختلفة، أوربيون، أمريكيون، بعضهم ولد في المغرب، وبعضهم قدم إليه من أجل لقمة العيش، وبعضهم يعيش خارج المغرب ولكنهم جميعا أحبوا المغرب : الشعب أو الأرض والطبيعة، الماضي أو الحاضر

قدموا إليه خدمات جليلة وأعطوه جهدهم وفكرهم ووقتهم، بل إن بعضهم ضحى بحياته من أجله، من أجل أن يعيش المغرب حرا كريما.. إنهم أصدقاء المغرب

بول بولز (1988-1910)

…لا تُذكر طنجة إلا ويُذكر معها

ارتبط اسم الكاتب الأمريكي بول بولز بمدينة طنجة، حتى لا يكاد يذكر اسمه إلا وتذكر طنجة، ولا تذكر طنجة في الكتابات الأدبية إلا ويذكر معها بول بولز .استقر بها نهائيا سنة 1947، ولكنه كان قد عرفها لأول مرة سنة 1931، كان يبحث عن مكان هادئ ومختلف عن الأمكنة التي زارها في أمريكا أو في أوربا، مكان يلهمه قصصه التي يكتبها وألحانه التي يؤلفها، فكتب عنها سنة 1931 : “لو قلت إن طنجة قد بهرتني ورأيت فيها مدينة الحلم، فيجب أن يؤخذ كلامي في معناه الحرفي، فجغرافيتها غنية بمشاهد ذات طبيعة حُلُمية، أزقة مغطاة شبيهة بالممرات، على جانبيها أبواب تنفتح على غرف وعلى أسطح مخبأة تطل على البحر، أزقة ليست إلا سلالم وممرات مسدودة مظلمة، ساحات صغيرة في أمكنة ذات زوايا حادة، وكأنها ديكور لرقصة باليه رسم ضدا على قوانين الرسم و المنظور Perspective، أزقة صغيرة تقودك إلى كل الاتجاهات. نجد فيها أيضا أنفاقا وأسوارا وأطلالا وأبراجا ومنحدرات على البحر، وغيرها من الأمكنة التي تميز كل حلم” يطوف بول بولز بأمكنة أخرى في العالم بحثا عن شيء لا يعرفه، شيء مفقود، يسافر إلى بلدان أمريكا الجنوبية، المكسيك، بورتوريكو… وإلى صحراء الجزائر وتونس وباريس وإسبانيا، يستلهم منها رواياته وقصصه وألحانه المستقلة أو ألحان مسرحيات وأفلام أخذ يطلبها منه كبار المخرجين، أورسون ويليز على سبيل المثال

             صورة عن جريدة القدس العربي

خلال كل ذلك بدأت شهرته تتسع وتزداد في أمريكا وأوربا حيث تترجم أعماله وتقدم ألحانه، ويتعرف على كبار الأدباء والمخرجين والرسامين : سارتر، سالفادور دالي، تينسي ويليامز، هنري ميللر…ولذلك حين استقر بصفة نهائية بمدينة طنجة سنة 1947، كان يحمل معه كل هذا الماضي من الشهرة والصيت الذائع. يستقر فيها بعد أن رأى ذات ليلة في حلمه مدينة سحرية، وكانت هي مدينة طنجة. يومها كانت المدينة في عز مجدها وأوج ازدهارها، طنجة الدولية، مدينة كل الأمم : فرنسا، انجلترا، إسبانيا، أمريكا… ذات نظام خاص هو غير النظام الموجود في المنطقة الخاضعة للسيطرة الفرنسية، وغير النظام الموجود في المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسبانية، مدينة الجواسيس، مدينة الهاربين من سجون بلدانهم، وملاذ الفارين من قمع أنظمتهم، مدينة الامتيازات الضريبية، مدينة تتكلم العربية والإسبانية والإنجليزية والفرنسية، المدينة التي تحمل معها إرثا تاريخيا هاما ، العاصمة الديبلوماسية للمغرب في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حيث كان يستقر السفراء، المدينة التي نزل فيها الإمبراطور الألماني سنة 1905 ليفرض على القوى الأخرى احترام حقه في الوزيعة الاستعمارية، المدينة التي نزل فيها الفنان اوجين دولاكروا وخلدها بعدة رسوم ولوحات، مدنية الرسام الفرنسي ماتيس Matisse التي رسم فيها الكثير من تخطيطاته ولوحاته الشهيرة. هذه هي المدينة التي اختارها بول بولز لتكون مكان استقراره وملاذه بعد طول ترحال في أوربا وأمريكا وآسيا. ومعه ستصبح طنجة فضاء يحج إليه العديد من الكتاب والفنانين والزائرين الذين يريدون اكتشاف هذا المكان الذي عشقه الكاتب بول بولز وروج له في أعماله الأدبية والموسيقية.من طنجة كان ينتقل إلى أماكن أخرى في المغرب : فاس، القصر الكبير، تافيلالت، مراكش، أكادير، بحثا عن موضوعات جديدة لأعماله، أسفاره هذه وسماعه للعديد من أنواع الموسيقى في المناطق التي يزورها يدفعه إلى تسجيلها وتخليدها، ويقدم اقتراحا بذلك إلى أحد المؤسسات الأمريكية سنة 1936، ولم تتحقق له هذه الرغبة إلا سنة 1959، حين حصل من مؤسسة روكفلر على منحة لتسجيل الموسيقى الشعبية المغربية، فيقوم بأربع رحلات إلى شمال المغرب وجنوبه قرب الصحراء وإلى الأطلس، ويقطع ما يقرب من 37.000 كيلومتر ويسجل العشرات من الساعات من موسيقى هذه المناطق، ليحفظ كل هذا الكنز الموسيقي في مكتبة الكونغرس بواشنطن، وتصدر منه أسطوانتان سنة 1972 باسم موسيقى المغرب Music of Morocco لكن ما نعرفه أكثر عن بول بولز هو روايته الشهيرة “شاي في الصحراء” التي استوحاها من رحلاته المتعددة في الصحراءالمغربية والجزائرية، والتي أصبحت أيضا فيلما سينمائيا أخرجه المخرج الإيطالي برتولوتشي Bertolucci وما سنعرفه أكثر هو قصصه التي كان يمليها عليه رواة مغاربة باللهجة المغربية الدارجة ثم يترجمها إلى اللغة الإنجليزية، فترجم للعربي العياشي ولمحمد المرابط، ولأحمد اليعقوبي الرسام.ثم الترجمة التي دشنت شهرة الكاتب المغربي محمد شكري

بورتريه محمد شكري من إبداع الفنان محمد الخو

من أجل الخبز وحده For bread alone والتي صدرت بالعربية تحت عنوان ” الخبز الحافي”، ثم ترجمة الكتب الأخرى لشكري :”جان جينيه في طنجة”، و”تينسي ويليامز في طنجة”، وكان شكري يترجمها من العربية الفصحى إلى اللهجة الدارجة، التي يفهمها بول بولز حتى يستطيع ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية. هكذا إذن ساهم هذا الكاتب الأمريكي في شهرة أديبنا الطنجاوي والتعريف بالرواة المغاربة الآخرين، وأضاف إشعاعا آخر إلى مدينة طنجة، وحفظ لنا عنها مشاهد ولحظات أخذت تفر وتختفي شيئا فشيئا، وكأن المدينة غير عابئة بهذا الماضي الذي وضعته وراءها رغم أنه أحد أسباب شهرتها وألقها، ماض لم تعرف بعد كيف تستثمره

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com