التطريزة 15: مليكة الفاسي : أول امرأة صحفية في المغرب
2/1: مليكة الفاسي سيدة وثيقة الاستقلال
هي رمز من رموز المقاومة النسائية والنضال من أجل الاستقلال وهي المرأة الوحيدة من بين مجموعة من الرجال الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال ، التي قدمت إلى المقيم العام الفرنسي بالرباط السيد كابرييل بيو ، وهم سابع مقيم لفرنسا في تاريخ المغرب ، والى ممثلي عدد من الدول ، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية ، التي كانت ترى بأن الرأي العام لها ” قد يكون مناوئا لفرنسا انطلاقا من ميثاق الأطلسي ” ، وكان ذلك يوم 11 يناير 1944 وقد وقع عليها ثمانية وخمسين شخصية من الأوساط البورجوازية والشعبية أيضا ، ومن بينهم نجد جنبا لجنب موظفين من المخزن وعلماء ومحامين واساتذة ومديري المدارس ومعلمين وتجارا وبعض الفلاحين ومن هؤلاء من يحمل ثقافة عربية فقط، ومنهم عكس ذلك ممن تكون بثانوياتنا . حسب ما اورده محمد المؤيد في ترجمته لكتاب المغرب من الحماية إلى الاستقلال 1912 \1956 لجورج سليمان صفحة 114
فمن تكون هذه المرأة الوحيدة الموقعة بين الذكور ؟
انها مليكة بلمهدي الفاسي ، المولودة في 19 يناير 1919 بمدينة فاس عاصمة دولة الادارسة والعاصمة العلمية للمملكة ، كان والدها السيد المهدي الفاسي قاضيا بالعديد من المدن المغربية آنذاك وعالما لامعا ، يرى بأن التربية والتعليم أساس الالتزام الصحيح بالدين الإسلامي، وبفضل مجهوداته ستتمكن مليكة الفاسي من مجالسة كبار العلماء في جامعة القرويين، لأن بيت آل الفاسي كان قبلة للعلماء ، ومكانا للاجتماعات السرية لمناضلي الحركة الوطنية ، المقاوميين للاستعمار الفرنسي .وداخل هذا الوسط العائلي البورجوازي المتميز بالاهتمام الثقافي ، ستتلقى مليكة تعليمها ، وهي الفتاة الوحيدة لأسرتها المتكونة من الوالد وزوجته السيدة طهور بن الشيخ وثلاثة إخوة ذكور ، وقد حرص والدها على تعليمها بكُتًَاب خاص بالفتيات وذلك مابين 1928 و 1930, ولما كان التعليم الجامعي محظورا على الفتيات آنذاك، فقد أفرد لها والدها جناحا خاصا في المنزل لمتابعة دراستها حيث كان يدرسها عدد من أساتذة جامعة القرويين ، فدرست العربية والفرنسية والرياضيات وغيرها . الأمر الذي سيشكل لها غصة ، فعمدت إلى النضال من أجل السماح للفتيات بمتابعة دراستهن في جامعة القرويين عوض منعهن بحجة أنهن إناث ، كما كان يرى بذلك بعض الزعماء الداعين إلى التشبت بالتقاليد الإسلامية و الإبتعاد عن البدع المنافية للدين ، وانطلاقا من تكوينها ، ستبدأ مسيرتها في كتابة المقالات الصحفية عام 1934 بمجلة “المغرب” الشهرية حينئذاك، إذ كان قد أسسها علال الفاسي في اطار كتلة العمل الوطني ، وللعمل على شرح القضية المغربية والتعريف بها” وذلك بالتعاون مع أعضاء الحركة الوطنية ، وبعض الاشتراكيين في فرنسا ، وبعدها ستواصل النشر في جريدة العلم . بحيث كانت توقع مقالاتها باسم مستعار هو” الفتاة ” ، وفيما بعد بدأت توقع كتاباتها بإسم: “باحثة الحاضرة” اقتباسا من الكاتبة المصرية لسيدة “ملك حنفي ناصف ” التي كانت تنشر بإسم ” باحثة البادية” ، وعموما فقد كانت أغلب مقالات السيدة مليكة الفاسي تكشف الستار عن وضع المرأة المغربية وأهمية انخراطها في مختلف المجالات السياسية ، وفي نفس الوقت أخذت على عاتقها محاربة مختلف العوائق التي تقف في وجه تحرر النساء ، وتعيق مسيرتهن النهضوية ، كانتشار الخرافات والعادات الضارة . وتأسيسا على كل ذلك يحق لنا القول بأن مليكة الفاسي كانت أول امرأة صحفية في المغرب
ولم تحصر نفسها في كتابة المقالات فحسب ، بل كانت تكتب الروايات والقصص والاعمال المسرحية ، ومن أشهر قصصها ” الضحية ” التي نشرتها في مجلة الثقافة الجديدة في سنة 1941 ، وتعرضت فيها لموضوع الزواج التقليدي الناتج عن محاولة فرض وصاية العائلة على الفتاة ، وهكذا نجد أن بطلة هذه القصة المسماة فاطمة ، ستعمد إلى تحدي الأسرة بعد ان فرضوا عليها الزواج برجل يكبرها سنا ، فتلجأ الى الفرار ومغادرة البلد بحثا عن الخلاص ، الأمر الذي سيدفعها إلى السقوط في أحضان الدعارة . كما سبق لها أن نشرت نصا سرديا تحت عنوان ” دار الفقيه ” في سنة 1938 ، وهو عبارة عن سيرة ذاتية
وموازاة مع نضالها الثقافي ، فقد انخرطت في العمل السياسي بالأنضمام إلى كثلة العمل الوطني في 1937 ، وهي تنظيم سياسي تأسس عام 1934 على يد مجموعة من زعماء الحركة الوطنية أمثال علال الفاسي، ومحمد حسن الوزاني، وأحمد بلافريج ، وقد قدمت هذه الكثلة لسلطات الحماية الفرنسية في فاتح ديسمبر 1935 ، مايعرف تاريخيا بدفتر مطالب الشعب المغربي
تركت مليكة الفاسي العديد من المقالات الصحفية التي كتبتها في ثلاثينيات القرن الماضي ، تناولت فيها ومن خلالها قضايا تعلم الفتاة وادماج المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية ، وخصصت بعض مقالاتها لمعالجة موضوع تهميش المرأة – وسنخصص نهاية هذه التطريزة لمقالة لها منشورة بجريدة العلم عدد 151 بتاريخ 6 مارس 1947 عنونتها ب : المراة تحارب العوائد ، ووقعتها باسم باحثة الحاضرة – علما انه لم يكن مسموحا للمرأة حينذاك أن تكتب مقالا أو أن توقع كتاباتها باسمها الحقيقي ، الأمر الذي دفعها لتكتب كذلك بإسم فتاة المدينة ، ومن أشهر كتاباتها مقالة تحت عنوان ” الشمس أشرقت من أجل المرأة المغربية ” نشرته في مجلة رسالة المغرب عام 1943 . ولم تكتف السيدة مليكة الفاسي بذلك النشاط الفكري، بل اهتمت بمحاربة الأمية ، ودافعت بقوة عن التحاق الفتيات بالمدرسة لمواصلة تعليمهن ، بمساعدة من زوجها الذي تولى مهمة إدارة جامعة القرويين ، فاغتنمت الفرصة وكونت وفدا نسائيا قابل الملك محمد الخامس ، لمطالبته باعطاء أوامره السامية لفتح فرع خاص بالطالبات الفاسيات يكون تابعا للقرويين ، وهو ماوافق عليه الملك ، وذلك بعدما ثم فتح باب تمدرسهن بالثانوي، ثم بالجامعي في 1947 ، وقد نتج عن كل ذلك فتح فرع دراسي للطالبات ، وتمكن هذا الفوج – وهو الاول – من التخرج غداة حصول المغرب على الاستقلال ، وقد ضمت الدفعة الأولى في هذه الحركية أسماء وازنة ، أمثال حبيبة البوركادي، وعائشة السكات، وفاطمة القباج
وبالرجوع إلى موضوع التوقيع على وثيقة المطالبة بالاستقلال ، نقول انه تم تداول اسم مليكة الفاسي في أكثر الجلسات أهمية بالمغرب ، ليس لأنها المرأة الوحيدة التي حظيت بشرف التوقيع ، ولكن لكونها – أيضا – تنحدر من أسرة آل الفاسي ، التي كان بعض أفرادها من الموقعين على تلك الوثيقة . ولم يكن سهلا أن يدرج اسم امرأة في لائحة تضم العديد من الأسماء الرجالية ، خصوصا ان من بينهم علماء دين محَافِظين وآخرين كانوا طلبة في جامعة القرويين ، لكن رغبتها كانت أكبر من أن تُرَد ولم يسجل من طرف الذين كانوا سباقين إلى التوقيع على أي اعتراض على وجود إمرأة بينهم ،فمليكة الفاسي المتعلقة
من بنات العائلة وزوجها هو ابن عمها السيد محمد غالي الفاسي، الذي يتشارك معها في جدهم عبد الوهاب الفاسي ، وسيتولى محمد الفاسي منصب وزير للتعليم في اول حكومة جاءت بعد الاستقلال
ونظرا لمكانتها دُعٍيت لتنال شرف التوقيع على وثيقة المطالبة بالاستقلال ، التي أشرنا إليها سابقا . وهكذا تحولت هذه السيدة إلى اسم خالد للحركة الوطنية النسوية المغربية ، خاصة وأنها كانت تتحمل مسؤولية كتابة ونسخ جميع الوثائق التي يرغب رجال الحركة في إيصالها للملك انذاك . وظل اسمها مرتبطا بمجابهة الاستعمار الفرنسي في المغرب ، رفقة ثلة من المغربيات ليواصلن مسيرة محاربة الجهل والعقليات الرجعية ، والنضال من أجل تحرير المرأة المغربية في حواضر وقرى المملكة ، وعموما يمكن القول بأنها لعبت دورا مهما في ” بلورة رأي عام متجاوب مع سيدي محمد بوثيرة تصاعدية ، شكلت سابقة ذات أهمية قصوى في المجال السياسي ” أورده محمد المؤيد .مرجع سابق صفحة 229 ، وأضاف قائلا بأن السلطان ” كان ذكيا حينما أوصى منذ 1947 ، بتحرير المرأة المغربية تحريرا حذرا وفعليا في نفس الوقت ، وذلك على غرار ما قامت به العديد من دول الشرق المسلمة ، لقد تلاءم هذا الطرح مع تطلعات العنصر النسوي والشباب المتطور ، وتميزت لالة عائشة بنت العاهل المغربي خلال زيارته الشهيرة لطنجة بالدفاع عن هذه الفكرة ، إذ صدم حماسها مشاعر الأوساط المحافظة بينما ولد امالا كبيرة عند أغلبية نساء الحواضر اللواتي ضجرن من الحياة المملة والمرهقة التي يعشنها