كتابة بحوث التخرج اعتمادا على الذكاء الاصطناعي…! ؟

كتابة بحوث التخرج اعتمادا على الذكاء الاصطناعي…! ؟
الصورة مأخوذة من الفيسبوك

أغلب البحوث لا قيمة لها: مجرد ركام من الأوراق الفارغة من الروح والمعنى

             د. مهدي عامري

د. مهدي عامري

مع حلول شهر مايو من كل عام ينشغل طلاب الجامعات و المعاهد العليا بكتابة الجزء الأعظم من بحوث تخرجهم مُستعينين بكل الوسائل المتاحة من مراجع اونلاين، قراءات سريعة، كتب علمية متخصصة، مقابلات ميدانية، استبيانات، دراسات الحالة.. و ما إلى ذلك من الادوات و المصادر الممكنة و المتاحة لبناء “معارف جديدة”.. أتحفظ هنا على توصيف المعارف الجديدة المذكور اعلاه واضعه بين ظفرين، لان اغلب ما يكتب من بحوث التخرج في الجامعات المغربية يكاد يغيب فيه المنهج العلمي الصارم والمجهود الاكاديمي الحقيقي، فأنت تجد معظم الطلاب ان لم يكن كلهم يسارعون إلى كتابة بحوث التخرج في زمن قياسي لا يتجاوز بضعة اسابيع، معتمدين في ذلك على حيل القص و اللصق وحشو البحث بمعلومات مكررة او قديمة و غير خاضعة، الا في حالات قليلة، الى تمحيص علمي دقيق وغربلة حقيقية لفصل الغث عن السمين والخروج في نهاية المطاف بمذكرة بحث حقيقية، سهر من اجلها الطالب الفلاني الليالي و الليالي.. إن هذه السرعة والسطحية بل و الاستهتار في كتابة مذكرات التخرج في الجامعات المغربية ينتج لنا في المحصلة كما وفيرا من البحوث لا تصلح لاي شيء، و لا تفيد في اي شيء اللهم انجاز واجب مدرسي و الحصول على الدبلوم

إن الجزء الأكبر من البحوث الجامعية، في مختلف الأسلاك : إجازة، ماجستير، دكتوراه… في الجامعات العربية (و ليس فقط المغربية)، أقول : أغلب هذه البحوث لا قيمة لها، مجرد ركام من الأوراق الفارغة من الروح و المعنى، دعونا نختصر الحديث و نعترف أن جلها أوراق ملقاة في القمامة؛ بعبارة أخرى : أوراق كالجبال متكدسة في الخزانات وعلى الرفوف و عاكسة لحالة البؤس المعرفي لطلابنا الأعزاء.. هنا على من تقع المسؤولية الأساسية : الطالب، الأستاذ، الإدارة، الجامعة، النظام التعليمي، ثقافة التساهل و الميوعة التي تنخر منذ عقود طويلة المنظومة التعليمية المغربية؟؟

لنا باذن الله عودة إلى بعض عناصر الإجابة عن هذا السؤال الحارق والمؤرق في مناسبة قريبة. و جدير بالذكر أنه في العامين الأخيرين رافق كتابة بحوث التخرج في المغرب، بل تقريبا في جميع دول العالم، جدل أخلاقي كبير حول حدود استخدام الذكاء الاصطناعي (أساسا ربوتات الذكاء الاصطناعي التوليدي : تشات جيبتي، كلودي، جيميني…) في تحرير البحوث

هل يعتبر الأمر غشا صرفا ؟ –

 هل من المقبول استخدام ربوتات المحادثة في تحرير بعض أجزاء بحث التخرج ؟ –

ما هي الممارسات الفضلى الواجب تبنيها لاستخدام منضبط و مناسب للربوتات في عملية كتابة بحوث التخرج، في شتى مراحلها : بدءا بتسطير خطة الكتابة، مرورا بتحرير المقدمة و الاشكالية و الفرضيات و المنهجية، و صولا    إلى الشق الميداني للبحث بشتى تفاصيله، انتهاء بالخاتمة و التوصيات والمراجع والملاحق.. ؟

هذا غيض من فيض، و ثمة أكثر من سؤال و اشكال حول تحديات و امكانات و حدود استخدام الذكاء الاصطناعي في كتابة بحوث التخرج. و لعل هذا الاستخدام يرافقه نقاش أكاديمي واسع حول مدى ملاءمة توظيف هذه التقنية المتطورة في إنجاز البحوث، بين مؤيد ومعارض. وبالتالي، يُدركُ الجميعُ بلا شكٍّ الفوائد الجمة التي يُقدمها الذكاء الاصطناعي. فهو يُتيح للطلبة إمكانية الوصول إلى كم هائل من المعلومات والبيانات، وتحليلها بدقة وكفاءة ناهيك عن توليد أفكار جديدة و مبتكرة قي سرعة البرق، اضافة إلى توفير الوقت والجهد المبذول في البحث، بل اختصار الايام الطوال في ساعات قليلة من العمل. إن الاستناد على الذكاء الاصطناعي لكتابة و خاصة إعادة صياغة بعض (و ليس كل) اجزاء بحث التخرج ممكن جدا من الناحية التقنية، و لكن الاعتمادية المفرطة على الربوتات في كتابة البحوث قد تنقلنا الى سيناريوهات كارثية : جيش عرمرم من الطلاب الكسالى غير القادرين على البحث المضني و الشاق عن المعرفة الحقة في ثنايا امهات المقالات و الكتب، وايضا العاجزين عن امتلاك المهارات التحليلية اللازمة والتفكير النقدي. هذا هو بيت القصيد. هنا تكمن المعضلة الكبرى

و في هذا السياق، يُحذرُ بعضُ المختصين من مخاطر الاعتمادية الكلية على الذكاء الاصطناعي، مُشيرين إلى إمكانية استغلاله لسرقة الأفكار الأدبية، واعتماد مراجع وهمية والاستناد على معلومات مضللة، علاوة على إنتاج بحوث سطحية تفتقر إلى الإبداع و العمق الفكري. و بناء على هذا نعتقد أن استخدام الذكاء الاصطناعي في بحوث التخرج، سلاح ذو حدين. فمن ناحية، يُمكن أن يُسهم في إنجاز بحوث متميزة تُثري المعرفة وتُقدم حلولًا مبتكرة اذا وظف بالطريقة الصحيحة و المسؤولة. ومن ناحية أخرى، قد يُؤدي إلى تفشي ظاهرة انتحال الملكية الفكرية والسرقة الأدبية وإعداد بحوث تفتقر إلى ابسط شروط و معايير الجودة

إنّ المسؤولية مشتركة. إنها تقع على عاتق الجميع لضمان الاستخدام الأمثل للذكاء الاصطناعي في هذا المجال. إلى جانب ذلك، يمكن القول أنه يقع على عاتق الجامعات تطوير برامج كشف السرقة الأدبية لضمان أصالة و تميز البحوث المُقدمة
تنظيم أوراش عمل ودورات تدريبية لتثقيف الطلبة حول الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في البحوث –
تحديث معايير تقييم بحوث التخرج لتشمل تقييم مهارات الطالب في توظيف الذكاء الاصطناعي بشكلٍ إبداعي –

ويظل دور الأساتذة متمثلا في: متابعة سير عمل الطالب بشكلٍ دقيق لضمان عدم اعتماده الكلي على الذكاء الاصطناعي 

. تدريب الطلبة على تقنيات البحث العلمي و التحليل و التفكير النقدي بدلًا من الاعتمادية المفرطة و السلبية على مخرجات الذكاء الاصطناعي –

. توجيه الطلبة نحو استخدام الذكاء الاصطناعي كأداةٍ مُساعدةٍ تكميلية لا كغايةٍ في حدّ ذاتها –

و اسمحوا لي أن أختم كلامي بفكرة هامة أعتبرها في الوقت نفسه خلاصة المقال و أطروحته الأساسية : إنّ ثورة التكنولوجيا و بالخصوص تقنية الذكاء الاصطناعي تُقدم لنا إمكانياتٍ هائلةٍ لتعزيز مسار البحث العلمي. لكن، علينا أن نُدرك أنّ هذه الإمكانيات لا يمكن أن تُغني عن الجهد البشري الخالص والإبداع المستند على تكبد المشاق النفسية و البدنية و الذهنية المطلوبة لأجل القراءة المتمهلة و الاكتساب و التحصيل الحقيقي

 كاتب، أستاذ باحث، خبير الرقمنة و الذكاء الاصطناعي المعهد العالي للاعلام و الاتصال *

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com