السينما العالمية والمرأة
النظرة النمطية للمرأة في السينما العالمية
تلكَ قَضيةٌ تَحتَاجُ إلى بَحثٍ أوسَع مِن مَقالٍ صَغِير أُحاوِل فيه مَا أَمكنَني أن يَبقَى قَصِيراً، فالنِزَاع يَبدأ مِن النَظرةِ الإِنسَانِية البِدائِية إِلى الأُنثَى التِي رَسَمَتهَا بِشَكلٍ مُستَمِر مَنبَعاً لِلسذَاجةِ، الإِغرَاء، والغِوَايَة، ولا أُبالِغ إِذا قُلت بأنَّ جُذورها تَرجِعُ إلى مَا قَبل التَارِيِخ المَكتُوب مُبحِرٌ بِالزَمَنِ إلى سِت وثَلاثَين أَلفَ سنةٍ خَلت لِتصفَعني تَماثِيل بِدائَية عند إِنسَان “النِيَاندِرثَال” في حقبة “البيليوليثيك العُليَا” تِلكَ التماثِيل الصغِيرة نَحَتَتْ الأُنثَى بِنفسِ الطَريِقَةِ المُثيرة التِي تُعرَض بِهَا اليَوم فِي الصُحُف والمَجلَّات والإِعلَانَات الطُرُقِيَّة وصَالاتِ العَرضِ السِينمائي، كِمِثال عَلى ذَلِك تَماثيل فِينُوس الصَغيرة وخَاصَةً “هوهول فيلس” والذِي يَطغَى عليهِ المُبَالَغة فِي إِظهَارِ المَلامِح الأُنثَويَّة، وبِغَضِ النَظَر عَن الفَرضِيَّات التي رَأت فِي تِلك التَماثِيل تَمجِيداً لِلمَرأة تَختَلف عَن النَظرةِ الحَالِيَّة فإِنَّ التاريخ المُسَجّل لِلبَشر ومَع أولِ نَص مَنقُوش لهُ فِي مَلحمةِ جَلجَامِش كَان قَد انطَلقَ مِنْ فِكرةِ المَرأة الغَاوية، فَخرجَت “شَمخة” بِشَخصِيَةِ العَاهِرة المُقدّسَة لِتَكُون الوَسِيلة الوَحِيدة فِي غِوَايةِ “أنكيدو”، واسْتَمَرّتْ هَذِه النَظرة النَمّطِية إِلى وَقتِنا الحَاضِر ولرُبَمّا كانَتْ السِينَما مِن أَقوَى الوَسائِط التي عَمَّقت بِدَرجةٍ هائلَة ذلك المَفهُوم، فإِذَا أَخَذنا عَلَى سَبيل المِثَال لا الحَصرِ أَفلام “جِيمس بوند”، التي قَدَمّت بِشكلٍ مُستَمِر المَرأة عَلى أنَها مُغويّة، ضَحلَة، وبِشَخصِية ذات بُعدٍ واحِد ومَا كَان لَها مِن هَدفٍ فِي تِلكَ الأَفلَام إلّا تَلبِية اِحتِيَاجات بُوند الخَارِق، وتَتَعَدّى تِلكَ الصُورَة النَمَطِية أَفلام بُوند و”المُتحَوِلين” لِنَرصُدها عِندَ أساطِين الإِخراجِ السِينَمَائِي مِثل “ألفريد هيتشكوك” الذي لم يُحَاوِل اخفَاء مَعالِمِها في فِيلمِه الشَهِير “النَافِذة الخَلفيَّة” Rear Window وخاصَةً فِي المَشهَد الأَخِير حِين نرى البطلة تَتقَلَص لِمُجرد مُخادِعة تَقرَأ مجلَّة لِلأزْيَاء إذا مَا غَفَى حَبِيَبها عَلَى الكُرسِي. أو فِي فِيلم لُولِيتا المَأخُوذ أَسَاسَاً عَن رِوَاية “فلاديمير نابوكوف” تَحت نَفسِ العُنوَان، والتِي تُصوِّر الأُم عِلى أنَّها عَقَبَة مُزعِجَة وسَاذَجَة يَسهُل التَلاعُب بِمَشاعِرها، فِيمَا صَوَّرَ “لُولِيتَا” الطِفلَّة المُغْوِيّة التِي دَفَّعَت بـِ “همبرت” إلى الهَلّاك، وإن هذا إلّا مِثَالٌ حي من الأدب والفن يُثبِت وِجهَة النَظرِ تِلك ولأكون منصفاً فإنَّ الرِوَايَة لَا تَدفَعُّك لِلتَعاطُف مَع البَطل بأيِ شَكلٍ مِنَ الأشكَال بَل يُمكِن أن تَسمَع النَفَس النَسوِي فِيها حَتى ولَو كَانَّ الرَاوِي ذَكراً كَمَا أنّها ركَزَت عَلى النَاحِية النَفسِية والصِرّاع الداخِلِي لِلبَطَل، أما فِي الأفلّام التي جَسَّدت القِصَة، وعَلَى الرَغمِ مِن لُغتِها السِينمَائِية العَالِية وسَردِها المُبهِر فَقَد جاءَت لِتُصَوِر “همبرت” البُروفِيسُور المَرِيض أَقرَب إِلَى ضَحِيّة غوايّة مِن مُراهِقَة مَوجُودةَ كَأدَاةٍ لإِثَارة غرَائِزِه تِلك الطِفلّة التي تُغازِل جَمِيع الرِجَال الأَكبَر سِنَاً منها ولَم تُرَكِّز عَلَى جَانِب العُقدَة النَفسِيَّة اتجَاه “حُب الصِغَار”. إِذَا أَردت الاستِمرَار بِالأَمثِلة فَسَتَكُون كِتَاباً طَوِيلاً بِحَجمِ مَوسُوعة التَمييِز الجِنسِي فِي السِينَما الأَمرِيكيِّة
المُهَنّدْ النَاصِرْ