“قضَايا الأنثروبولوجيا“ بمدينة صفرو

“قضَايا الأنثروبولوجيا“ بمدينة صفرو

الأنثروبولوجيا تحافظ على الحياة، و ما تبقّى فيها من قيَم“. 

متابعة: إدريس الواغيش

في جَوّ أطلسي بارد خارج القاعة، وحميمية أنثروبولوجية دافئة بداخلها، احتضن المركب السوسيو-ثقافي لتقوية قدرات الشباب- “حَبّونَة” في صفرو حفل توقيع كتاب : “قضايا ونصوص في الأنثروبولوجيا “لمؤلفه الدكتور عبد القادر محمدي أستاذ الأنثروبولوجيا بكلية سايس- فاس جامعة سيدي محمد بن عبد الله.

اللقاء كان فرصة للاحتفاء بالمعرفة والكتاب والاطلاع على مضامينه، ومعرفة التّحوّلات التي تعرفها الأنثروبولوجيا، وقد عمل على تنظيمه “شبكة تنمية القراءة بصفرو” بالتعاون مع “جمعية جبيبر للتنمية القروية والبيئية“. وقد شارك في التقديم لهذا العمل الأساتذة والدكاترة: يعقوب لمشاشتي، الحسين المهرز، أما التسيير فقد كان للأستاذ جواد الداودي.

حضر حفل التوقيع طلبة وطالبات، مثقفون ومحبّو المعرفة والأنثروبولوجيا من فاس، صفرو ومدن أخرى، بالإضافة إلى طلبة وطالبات دكاترة شعبة الأنثروبولوجيا من كليتي سايس- فاس وظهر المهراز- جامعة سيدي محمد بن عبد الله.

في مستهل المداخلة الأولى:

قال الدكتور لمشاشتي أن “الكتاب هو دليل منهجي لتنمية الحسّ النقدي لدى طلبة الشّعبة”، وهو “إنزال الأنثروبولوجيا من بُرجها العاجي، وجعلها في خدمة الإنسان على الأرض سواء في علاقته بالفرد أو المجتمع”. بعدها تناول “النّزعة العِرقية” بصفتها جزءًا من الطبيعة الإنسانية، وهو ما “جعل الأنثروبولوجي في مأزق“. كما أن “الأنثروبولوجيا ظلت مُرتبطة بالعلوم الأخرى، وإن اختلفت معهما في الصّيرورة”، وتنحصر مُهمّتها في “تحليل دينامية المجتمعات ودراستها، والتركز على المحلي للوًصول إلى الكلي“. وتبقى علاقة الأنثروبولوجيا في كل الأحوال وثيقة بعلم الاجتماع، وقد “تطوّرَا معًا في سياق تاريخي مشترك لدراسة السلوك البشري في المُجتمعات المُرَكّبة”، يضيف لمشاشتي. ويأتي بناء الأحداث “وفق سياق أنثروبولوجي اعتمادًا على آليات خاصة أو ما يُسمى بالأنثروبولوجيا التاريخية”. كما أن “البحث عن المعاني الدالة يختزل عادة الكلمات“، ومن هنا وجب الانغماسُ في المجتمع مع الحفاظ على ثوابت الأنثروبولوجيا.

وفي نفس السياق تحدث لمشاشتي عن “الاتجاهات النظرية” وعن “الاتجاه الانتشاري” وكذلك عن “الثقافوية” كما تعرّفها الأنثروبولوجيا الأمريكية مارغريت ميد (Margaret Mead) أو ما يعرف عادة بـ“الثقافة التقليدية“ في جنوب شرق آسيا. وعرّج الدكتور لمشاشتي بعد ذلك على “الاتجاهات الفرنسية” التي تمتاز على المستوى الأنثروبولوجي بتشابك وانشغال الأكاديميين والباحثين فيها بالقضايا الفكرية والفلسفية التي تشغل بال المفكرين. وقد لعب عدد من الأنثروبولوجيين الفرنسيين أدوارًا مهمّة في بلورتها. بدأ ذلك مع “إميل دوركايم ومارسيل موس، وتَواصَل لاحقا مع كلود ليفي ستروس وموريس غوديليه وبيير بورديو في أواخر القرن العشرين. بعد ذلك انتقل للحديث عن “الاثنوغرافيا من الكلام إلى التواصل”، وذلك من خلال قنوات متعدّدة: الإشارة، الصوت، سياقات المواقف وغيرها. مُشيرًا إلى “الظواهر التواصلية والاجراءات التي تؤطر حدود الباحث وتقنية التواجد في الميدان”، قبل أن يُعرّج ثانية على: الحوار للتواصلي، اللغة الصامتة، الضّعف الحركي، ثم وظائف التّواصل الغير حركي والرّفضي، وأيضًا على وظيفة التواصل عند الاحتياج إليها.

المداخلة الثانية:  ألقاها الأستاذ الحسين المهرز، وقال فيها أن “اللقاء ليس مُجرّد احتفاء بكتاب جديد، ولكنه احتفاء بالجمعيات الجادة وبأهمية الكتاب”، مُذكّرًا في ذات الوقت بأن “الدكتور محمدي قدم نصوصًا هامة، وجهوده الفكرية تستحق التقدير“. وفي قراءته المختصرة للكتاب قال إن “الكتاب قدّم دراسة جوهرية في علاقة الإنسان بمُحيطه وعلاقاته الفردية والمجتمعية”، سواء من خلال “مفاهيم ومناهج النزعة العرقية والإثنية” أو في “الحسّ المتداول عند الآخر، وهو يجمع بين الأشياء والأشخاص”. وذكر المهرز في معرض حديثه أن “الأنثروبولوجيا نشأت في ظل الحركات الاستعمارية، وظل تركيزها منصبًّا على الآخر ومعرفته”، مركزا في ذات الوقت على علاقة الأنثروبولوجيا بالعلوم الأخرى، مثل: التاريخ، الإثنوغرافيا، الرحلات الاستكشافية وغيرها.

وجاء في مداخلته كذلك حديثا مفصّلا عن “الاتجاهات الرّئيسية في الفكر الأنثروبولوجي وتطوّر المُجتمعات بشكل تعاقبي في “المدينة القديمة“، كما جاء عند فريديريك إنجلز مُناصِرُ البروليتاريا، وجيمس جورج فريزر الذي عالج عددًا من المفاهيم الرّاسخة في ثقافات الشعوب البدائية، وبالأخصّ تلك المتعلقة بالسّحر والشعوذة. وفي الختام تحدث المهرز عن مزايا الكتاب ودمجه بين النظري والتطبيقي بلغة أكاديمية مبسطة.

الدكتور عبد القادر محمدي من جهته، تطرّق في مداخلة مطوّلة إلى “ثقافة الاعتراف وتطوير قيمة المادة المعرفية“. مُضيفا في ذات الوقت أننا “نتعلم عن طريق التدريس”، وأن “أحسن طريقة لفهم مادة مُعيّنة هي القيام بتدريسها“، مُعَرّجًا في ذات الوقت على “تثبيت الفعل الاجتماعي، وتحويل الجدلية المُتحوّلة إلى مادة تدريسية في الدرس الأنثروبولوجي”، وأن “تدريس الأنثروبولوجيا هو مفهوم تساؤلي“، كما أن المغاربة “لم يكونوا فاعلين في الدرس الأنثروبولوجي، لأن الأنثروبولوجيا كانت تخدم الأهداف الاستعمارية”. وأردف قائلا: “أنه آن الأوان ليعمل الأنثروبولوجيون على تصحيح هذا المفهوم وإعادة صياغته في مقاربات جديدة“، وأنه “حان الوقت لإخراج الأنثروبولوجيا من رفوف الجامعة المغربية الى حياة الناس وشؤون المجتمع”، مذكرا في ذات السّياق بأن “الحياة حاولت ان تُعَصْرِنَ، والعولمة تحاول تشيئ كل شيء، ولكن الأنثروبولوجيا تحافظ على الحياة، وعلى ما تبقّى فيها من قيَم“.

واختتم حفل التوقيع بمناقشة جادة ومسؤولة، طرحت فيها أسئلة حول الكتاب وعوالم الأنثروبولوجيا عمومًا، وقدّمت بعدها أجوبة شافية ومفيدة.

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية مديرة وإعلامية موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بمغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل و المراسلات:jaridatealwane@alwanne.com